ذهب محمد إلى لجنة البدون في العارضية يطلب تجديد بطاقته الأمنية، فقالوا له «أنت من أصول عراقية». فقال لهم «أنا عمري ثلاثين سنة ومن مواليد الكويت!». قالوا له «نعم، لكنّ أباك أصوله عراقية». قال «أبي عمره خمس وستون سنة ومن مواليد الكويت!». فرد عليه الضابط بنبرة حادة «كل الدلائل تقول إن أصولكم عراقية، أكيد جدك من أصول عراقية». فقال له الشاب بكل ثقة «افتح ملفي تجد جدي كان يعمل في شركة النفط في الأربعينيات!».
هذه حالة صارخة من الحالات التي تمتلئ بها أروقة وملفات لجنة البدون في العارضية، والتي ما زالت اللجنة ترفض تجديد بطاقاتهم الأمنية، بحجة أن أصولهم عراقية، مما حرمهم من أبسط حقوقهم الإنسانية، فسحبت منهم رخص القيادة وجوازات السفر التي تمنح للعلاج، ومُنع أولادهم من الدراسة بالمجان، وحتى المدارس الخاصة جاءتها كتب تطلب عدم تسجيل من لم يجدد بطاقته الأمنية، ومنعوا من التوظيف حتى في القطاع الخاص، ووصل الأمر إلى بيت الزكاة بألا يمنح إلا من جدد بطاقته الأمنية، وطبعاً كل هؤلاء «البدون» يرفضون تجديد البطاقة إذا كُتب فيها أنهم من أصول عراقية، خوفاً من حرمانهم في المستقبل من الجنسية الكويتية، لم لا وهم يدركون أن هناك من جاء إلى الكويت في الخمسينيات وأصبح بقدرة قادر عضواً في مجلس الأمة ويطالب بكل تبجح بمعاقبة المزدوجين وعدم رد من سحبت جناسيهم لأسباب سياسية!
اليوم يجلس بعض المسؤولين خلف مكاتبهم يتفاخرون بأنهم حفظوا النسيج الاجتماعي الكويتي بوقف التجنيس وبالتضييق على «البدون» في أرزاقهم لإرغامهم على استخراج جوازات سفر دول أخرى ولو كانت مزوّرة! بينما هم في الحقيقة ارتكبوا عدة جرائم في حق الكويت وأمنها واستقرارها، فمن جهة هم يدركون جيداً أن كثيراً من «البدون» لا يستحقون التجنيس، لأنهم يخفون جوازاتهم الاصلية، ولكنهم في الوقت نفسه يعلمون جيداً أن كثيراً من «البدون» عليهم قيود أمنية ملفقة ولا صحة لها، كما أن من استخرج جوازاً أجنبياً وحصل على الإقامة تورط بعد انتهاء مدة الجواز، لأنه لا يمكن تجديد جواز تم الحصول عليه بالمال، فيلزمونه بالغرامات بعد انتهاء الإقامة وعدم تجديدها لانتهاء جواز السفر!
ناس يعيشون بهذه الظروف كيف يمكنهم أن يتصرفوا؟!
نحن كان عندنا قبل الغزو 120 ألف «بدون»، اليوم عندنا العدد نفسه، ولكن قلوبهم ممتلئة بمشاعر الكره لمن أوصلهم إلى هذه الحال من العوز والتسول والخوف على مستقبل الأولاد.
كنت شخصياً أعرف كم صديق من هؤلاء «البدون» وكانوا يسعون جاهدين للحصول على الجنسية الكويتية لشعورهم بأنهم أولى من كثيرين حصلوا عليها بالواسطة. اليوم، كل من أعرفه يسعى للحصول على الجنسية لأولاده الذين لا هم ولا أبوهم ولا جدهم يعرفون وطناً غير الكويت!
أنا أحمِّل القائمين على موضوع «البدون» مسؤولية ما يصدر من «البدون» من تصرفات غير مسؤولة زرعتها وسقتها تصرفات وقرارات غير حكيمة..
ألقاه في اليمّ مربوطاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء!
تمنع عنهم العمل والعلاج والدراسة والسكن ثم تطلب منهم أن يكونوا مواطنين صالحين!
نحن الكويتيون تأخرت الرواتب يومين أقمنا الدنيا ولم نقعدها، فكيف بمن قطعت عنه مصادر الحياة الإنسانية والعيش الكريم؟!
خافوا الله في هؤلاء فما يجري لهم جريمة عقابها عند الله الذي لا تخفى عنه خافية، نحن بلد الخير لا نعلم عن حال آلاف يعيشون بالقرب منا تحت خط الفقر وعندما حاولوا يعبرون عن معاناتهم «طقوهم طق سنة بساعة»!
يطلع واحد الحين ويقول لك بعضهم أغنى مني ومنك، والا يقول لك كثير منهم مخابرات وحزب دعوة وعملاء… ووو! أنا لا أتحدث عن هؤلاء، أنا أتحدث عن آلاف تعرفونهم جيداً واليوم يطلبون شيئاً واحداً فقط: تجديد بطاقتهم الأمنية كي يعيشوا مثل البشر، وخل جنسيتك عندك لأنك راح تعطيها بعدين لمن سميتهم عملاء وحزب دعوة!
(*) ينشر بالتزامن مع صحيفة “القبس” الكويتية.