أثناء المحاكمة طلب القاضي من سيد قطب أن يذكر الحقيقة، فكشف سيد قطب عن ظهره وصدره اللذين تظهر عليهما آثار التعذيب وقال للقاضي:
«أتريد الحقيقة؟.. هذه هي الحقيقة..».
من هو القاضي؟ ومن هو سيد قطب؟
من هو القاضي الذي حكم عليه بالإعدام؟
يقول مصطفى أمين الذي أسس مع أخيه علي أمين جريدة “أخبار اليوم” القاهرية ذائعة الصيت:
“إنني أعرف الدجوي منذ عام 1956م، عندما هاجمت الجيوش البريطانية والفرنسية والإسرائيلية مصر، واحتلت سيناء وبورسعيد، واستدعاني الرئيس جمال عبدالناصر، وطلب مني أن أركب وحدي أول طائرة مصرية مدنية تغادر مصر أثناء العدوان، وأن أحمل معي صور العدوان وأنشرها في جميع أنحاء العالم.. ووصلت إلى مدينة نيويورك وفوجئت بجميع تلفزيونات أمريكا تعرض فيلمًا للواء فؤاد الدجوي حاكم غزة، وهو يستسلم للجيش “الإسرائيلي”.
كان الفيلم مُهينًا للجيش المصري ولمصر كلها، وكان الحاكم المصري يقف ذليلاً أمام ضابط “إسرائيلي” يقدم له خضوعًا، ويثني على الجيش “الإسرائيلي” وشجاعته وقوته ومروءته وإنسانيته، ويدلل على هذه المروءة بأن زوجته كانت مريضةً وأن اليهود نقلوها إلى مستشفى في تل أبيب لإجراء عملية جراحية لها!
هل يغفر لهم كل هذه الجرائم من أجل أنهم أجروا عمليةً جراحيةً لزوجة الدجوي؟! مع وجود أطباء مصريين اختصاصيين ومستشفى مصري مجهز بجميع الأجهزة؟!
وقد طلب منه الأطباء أن يجروا لها العملية وهي كيس دهني ولكنه رفض، وطلب نقلها إلى تل أبيب، والأطباء المصريون شهود الحادث أحياء يرزقون.
وعندما عدت إلى القاهرة، ورويت للرئيس ما قال اللواء الدجوي في التلفزيون قال لي الرئيس: إنه سمع بنفسه في الإذاعات هذه الأقوال نفسها وصوت الدجوي نفسه من “محطة إسرائيل”، وإن الدجوي أسير حرب في “إسرائيل” الآن، وإنه ينتظر عودته مع الأسرى ليحاكمه محاكمةً عسكريةً وليُضرب علنًا بالرصاص.
وعاد اللواء محمد فؤاد الدجوي من الأسر، ولم يحاكَم، ولم يعدَم رميًا بالرصاص. (كما قال عبدالناصر لمصطفي أمين بل رقي لرتبة فريق أول)! وفوجئتُ بعد ذلك بأن الاختيار يقع دائمًا على الدجوي ليكون قاضيًا في أي محاكمة يرى المسؤولون أن أدلتها ضعيفةٌ أو لا أساسَ لها.
وكان الدجوي في أحاديثه يفخَر بأنه لا يحمل شهادة ليسانس، وأنه لم يدرس الحقوق، ولا يعرف القانون، ولكنه محل ثقة ولاة الأمور (الحكام)”، انتهي كلام مصطفي أمين.
ولكن السفير الصهيوني في واشنطن آنذاك يكملها:
السفير “الإٍسرائيلي” بأمريكا عام 1956م: «ووفقاً للمعلومات المتاحة التي حصلنا عليها من الوطن (فلسطين المحتلة) الحملة تقترب فعلاً من نهايتها».
بعد القتال في شمال شبه جزيرة سيناء والاستيلاء على غزة، قمنا بزيارة للقوات “الإسرائيلية” في ميدان المعركة حيث تم تحقيق نصر خاطف. وقد تم أسر اثنين من الجنرالات المصريين الفريق العجرودي والفريق الدجوي القائد السابق لقطاع غزة.
الجنرالات ألقوا باللوم على نقص الطائرات والدبابات مما أدى لهزيمتهم!
غير أنه على طول طريق العريش الصحراوي، تم التخلي عن العديد من البنادق والدبابات الأمريكية والروسية والبريطانية الصنع معظمها في حالة ممتازة، بعضها لم يتم حتى استخدامه المشهد بكل تأكيد يتضمن كل سمات جيش مهزوم.
استسلم الفريقان الدجوي، والعجرودي وعادا لا ليعاقبا، حسب وعد عبدالناصر لمصطفي أمين بل ليكرما ويترقيا لفريق أول! وليعين الدجوي قاضياً يحاكم مصطفي أمين الذي واجهه بفضيحته على التلفزيون الأمريكي، ويحاكم سيد قطب بتهم أثبت التاريخ أنها تهم باطلة.
وأصدر القاضي الذي كان يفخَر بأنه لا يحمل شهادة ليسانس، وأنه لم يدرس الحقوق، ولا يعرف القانون، حكمه الجائر على علم من أبرز أعلام الفكر الإسلامي الحديث، الشهيد سيد قطب، صاحب “الظلال”.
وقد عرض على سيد قطب في يوم تنفيذ الإعدام وبعد أن وضع على كرسي المشنقة أن يعتذر عن دعوته لتطبيق الشريعة ليتم إصدار عفو عنه.
فقال: “لن أعتذر عن العمل مع الله”.
فقالوا له: إن لم تعتذر فاطلب الرحمة من الرئيس.
فقال بثبات: “لماذا أسترحم؟ إن كنت محكوماً بحق فأنا أرتضي حكم الحق، وإن كنت محكوماً بباطل فأنا أكبر من أن أسترحم الباطل”.
وروى أيضًا أن الذي قام بعملية تلقينه الشهادتين قبل الإعدام قال له: تشهّد، فقال له الشهيد سيد قطب :”حتى أنت جئت تكمل المسرحية! نحن يا أخي نعدم لأجل لا إله إلا الله وأنت تأكل الخبز بلا إله إلا الله”.
وارتقي الرجل الذي ملأت أفكاره الدنيا إلى جوار ربه، بحكم جائر ظالم من قاض، يعترف أنه لم يدرس ولا يعرف شيئاً عن القانون، وأن كل مؤهلاته هي ثقة أولياء الأمر فيه!
انتقل الرجل الذي لا يكاد يجهله مصري ولا عربي على ظهر الأرض، ويعرفه أغلب المسلمين في أنحاء العالم من خلال علمه وفكره، انتقل شهيداً إلى الرفيق الأعلى بإعدامه ظلماً في مثل هذا اليوم 29 أغسطس 1965م.