توشحت شوارع قطاع غزة ظهر اليوم السبت بالحزن والوجع والدموع، بالتزامن مع تشييع جثامين 7 شهداء قتلهم الجيش الإسرائيلي أمس، أثناء مشاركتهم في مسيرات “العودة” قرب الحدود الشرقية للقطاع.
وشهدت حدود القطاع مع إسرائيل أمس الجمعة، أحداثا دموية ساخنة على غير العادة منذ عدة أسابيع، عند 5 نقاط حدودية، استباح فيها الجيش الإسرائيلي استهداف المتظاهرين العزل بأسلحة مختلفة.
استهداف الجيش الإسرائيلي أسفر عن استشهاد السبعة ـ بينهم طفلان ـ وإصابة أكثر من 500 متظاهر، بينهم 90 بالرصاص الحي، بحسب بيانات وزارة الصحة الفلسطينية في القطاع.
وظهر اليوم، سادت حالة من الحزن والغضب في أرجاء قطاع غزة، فعلى وقع التكبيرات شيع آلاف الفلسطينيين بمدينة غزة في مسيرات متفرقة جثامين الشهداء محمد وليد هنية (24 عاما)، ومحمد بسام شخصة (24 عاما)، وإياد خليل الشاعر (20 عاما).
فيما شهدت مدينة خان يونس (جنوب) تشييع جثماني الشهيدين الطفل ناصر مصبح (12 عاما)، ومحمد علي انشاطي (18 عاما).
كما شيع فلسطينيون جثماني الشهيدين محمد أشرف العواودة (26 عاما)، ومحمد نايف الحوم (14 عاما) بمخيم البريج وسط القطاع.
وفي مدينة خان يونس، حمل المشيعون جثمان الطفل مصبح، وغطوه بالأغصان الخضراء والورود، وجابوا فيه شوارع المدينة قبل أن يؤدوا عليه صلاة الجنازة ويواروه الثرى في مقبرة المدينة.
وفي مقدمة الجنازة كان أصدقاء الطفل مصبح وزملاؤه في المدرسة يهتفون بالتكبيرات بأصواتهم المثقلة بالحزن، فيما ارتسمت معالم الفزع والغضب على وجوههم المغرورقة بالدموع.
ومن بين هؤلاء كان الطفل توفيق أبو عنزة، الأكثر تأثرا، فالشهيد مصبح صديقه منذ سنوات ويجاوره بمقعد الدراسة.
ويقول أبو عنزة للأناضول: “سأضع صورا لناصر في أنحاء المدرسة، لا أريد أن أشعر أنه غادر مدرستنا وحياتنا”.
“والله اشتقت له كثيرا، أين حقوق الإنسان؟ لماذا يقتلون الأطفال؟ نحن ما زلنا صغارا وقتلنا اليهود (الجنود الإسرائيليون)، لا أدري ماذا أقول؟ أناشد كل الأمم أن يكفوا شر اليهود عنا”، يكمل الطفل أبو عنزة.
لم يتمالك صديق الشهيد نفسه، فقطع حديثه تاركا دموعه تنسال على وجنتيه، قبل أن يكمل: “ناصر كان يقرأ لنا يوميا عبر الإذاعة المدرسية آيات من القرآن الكريم، فصوته كان جميلا. حسبي الله ونعم الوكيل على من أطق عليه النار”.
وفي منزل الشهيد مصبح، بدت أصوات النحيب واضحة، فوالدة الطفل كانت تبكي بحرقة بينما تمسك بالقرآن الكريم الذي كان يحفظه طفلها كاملا، وبملابسه وحقيبته المدرسية وكتبه وتحتضنها بقوة.
وفي مدينة غزة، كان منزل الشهيد هنية شاهدا على الألم الذي يعيشه القطاع، فمجرد وصول جثمانه إلى البيت انهارت والدته بالبكاء، ونثرت النساء على جسده الورود وأوراق الحناء، قبل أن يلقين عليه نظرة الوداع الأخيرة.
نادية هنية، عمة الشهيد محمد، قالت للأناضول بعد أن ودعت ابن أخيها: “ذهب محمد إلى مسيرات العودة قرب حدود غزة ليطالب بحقنا بالعودة لأراضينا التي هجرتنا منها العصابات الصهيونية عام 1948”.
وأضافت هنية (40 عاما): “حسبي الله ونعم الوكيل على الإسرائيليين، نتمنى أن يساندنا العرب والمسلمون لاستعادة حقوقنا والانتقام لدماء الشهداء”.
وجابت جنازة محمد شوارع غزة بعد أداء صلاة الجنازة عليه، قبل أن يوارى الثرى في مقبرة “الشيخ رضوان” شمالي المدينة.
وفي مخيم البريج (وسط القطاع) تكررت مشاهد الحزن، ففي منزل الشهيد الحوم، كان أشقاؤه السبعة ووالدته ووالده ينظرون إلى جسده المغطى بعلم فلسطين، بعيون غمرتها الدموع والحسرة والقهر.
فمحمد كان الأحب إلى قلوبهم جميعا، وروحه المرحة طالما ملأت منزلهم بالفرحة.
تقول والدته عبير الحوم للأناضول: “طفلي لم يكن يحمل (سلاحا) رشاشا أو حتى سلاحا أبيض، فلماذا قتله الجنود الإسرائيليون؟”.
وتضيف عبير: “استهداف محمد كان قتلا لكل فلسطيني. أقول للعرب وشعوب العالم جميعا: أحيوا ضمائركم من أجل أطفال فلسطين الذين يقتلهم الجنود الإسرائيليون”.
ومنذ 30 مارس / آذار الماضي، تقمع القوات الإسرائيلية مسيرات “العودة” السلمية التي تخرج قرب حدود قطاع غزة للمطالبة بعودة اللاجئين الفلسطينيين، وبرفع الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة منذ عام 2006.
وأسفرت الاعتداءات الإسرائيلية على هذه المسيرات عن استشهاد عشرات الفلسطينيين وإصابة آلاف آخرين.