تواجه اتفاقية السلام معضلات كبيرة، بعد مضي قرابه 5 أشهر على توقيعها بين فرقاء دولة جنوب السودان؛ في وقت تشارف الفترة ما قبل الانتقالية المقدرة بثمانية أشهر على نهايتها.
وفي 5 سبتمبر 2018، وقعت أطراف متحاربة في جنوب السودان اتفاقا نهائيا للسلام، برعاية الرئيس السوداني، عمر البشير، ونظيره الأوغندي يوري موسفيني، تحت مظلة “الهيئة الحكومية للتنمية في شرق إفريقيا” (إيغاد).
ولا تزال معظم الأنشطة التي نصت عليها مصفوفة تنفيذ الاتفاقية، تراوح مكانها بسبب غياب التمويل اللازم من قبل الشركاء الإقليميين والدوليين، ما عطل عملية جمع وتدريب القوات المشتركة، وكتابة الدستور الانتقالي، وتعديل القوانين الخاصة بالأمن الوطني، وتفعيل عمل لجان وقف إطلاق النار.
ويشترط المجتمع الدولي على الحكومة والمعارضة إبداء الرغبة والجدية والإرادة السياسية؛ مقابل أي تمويل أو دعم لعملية السلام في جنوب السودان، في ظل مخاوف من احتمال انهيار الاتفاقية مثلما حدث في يوليو 2016 عندما تجددت المواجهات داخل العاصمة جوبا؛ ما قاد لاندلاع القتال مجددًا.
والأسبوع الماضي، قالت أليسون بلاكبيرن، سفيرة المملكة المتحدة لدى جنوب السودان، إن بلادها ستدعم اتفاق السلام الموقع بين الحكومة والمعارضة؛ شريطة أن ترى جدية والتزام الأطراف بتنفيذ بنوده كاملة.
وخلال الأشهر الماضية، استطاعت الأطراف الموقعة على الاتفاق إنشاء اللجان التي أقرتها الاتفاقية للقيام بالمهام المتعلقة بالفترة ما قبل الانتقالية؛ لكنها لم تستطع منذ تشكيلها الاضطلاع بالمهام الموكلة إليها لغياب الدعم والتمويل المطلوب.
وشملت هذه اللجان، مفوضية مراقبة وقف إطلاق النار، ومفوضية مراقبة تنفيذ اتفاقية السلام، ولجنة الدستور، ومجلس الدفاع المشترك، واللجنة العسكرية المشتركة لوقف إطلاق النار، واللجنة الأمنية الانتقالية المشتركة، ولجنة الدفاع الاستراتيجي والمراجعة الأمنية.
وفي هذا الصدد، طالبت القيادية بالمعارضة ورئيسة لجنة الدفاع الاستراتيجي والمراجعة الأمنية، أنجلينا تينج، السلطات الحكومية بتوفير التمويل اللازم لعملية تنفيذ اتفاق الترتيبات الأمنية؛ لبدء عملية تجميع القوات المشتركة وتدريبها قبل بداية الفترة الانتقالية، وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية في مايو المقبل.
وقالت تينج في تصريح للأناضول: “على الحكومة الإسراع بتمويل عملية جمع القوات وتدريبها بعد أن تم تحديد مركزين للتدريب بمقاطعة “كيجي كيجي” جنوبي البلاد”.
كان مجلس الدفاع المشترك، بدولة جنوب السودان -وهو مؤسسة نصت عليها اتفاقية السلام تضم جميع رؤساء أركان الأطراف الموقعة على الاتفاق- أعلن عن حاجته لمبلغ 59 مليون دولار، من أجل تنفيذ بنود اتفاق الترتيبات الأمنية خلال الفترة ما قبل الانتقالية، وتشمل تجميع القوات، وتدريبها وجمع الأسلحة الثقيلة.
ونصت الاتفاقية على تدريب القوة المشتركة من الحكومة والمعارضة من قبل الجيش السوداني والأوغندي خلال الفترة ما قبل الانتقالية؛ تمهيدًا لنشرها بالعاصمة جوبا لحماية أعضاء الحكومة الانتقالية، والمنشآت الحيوية خلال الفترة الانتقالية المقدرة بثلاث أعوام وستة أشهر.
في المقابل، قال وزير رئاسة مجلس الوزراء، مارتن إيليا لومورو، إن لجان اتفاقية السلام تحتاج 114 مليون دولار لتنفيذ بنود إدارة الفترة ما قبل الانتقالية.
وأضاف في تصريحات للأناضول: “قمنا بإعداد ميزانية تنفيذ بنود الفترة ما قبل الانتقالية، وهي تقدر بحوالي 114 مليون دولار أمريكي، سيتم إنفاقها على لجان تنفيذ اتفاق السلام وتنفيذ الترتيبات الأمنية”.
وطالب لومورو الدول المانحة بدعم الاتفاق عبر تقديم المساعدات المالية أو العينية مثل توفير “الخيام، المواد الغذائية، والأدوية”، باعتبار أنها الأعلى من حيث التكاليف.
بدورها، أكدت الولايات المتحدة، في ديسمبر الماضي، أنها لن تقدم مساعدات أو قروضًا مالية لحكومة جنوب السودان، لمنع من وصفتهم بـ”القادة المفسدين” من الاستمرار في ارتكاب المزيد من أعمال العنف.
وقال مستشار الأمن القومي الأمريكي، جون بولتون، إن واشنطن قدمت لوحدها مساعدات لجنوب السودان تقدر قيمتها بـ3.76 مليار دولار في الفترة بين عامي 2014 و2018، لافتًا إلى أن “تلك الموارد لم تساهم في وقف العنف، وإقامة حكم يقوم على الشفافية وتنمية مستقرة”.
من جانبه، طالب ديناي شقور، عضو تحالف أحزاب المعارضة الموقع على اتفاق السلام، الحكومة بعدم انتظار الدعم الخارجي لاتفاقية السلام، وتوظيف الموارد الذاتية من أجل استعادة السلام في جنوب السودان كخطوة أولى وضرورية.
وأضاف شقور لـ”الأناضول”: “غياب التمويل يمثل تحديًا كبيرًا لاتفاقية السلام، وعليه يجب أن تقوم الحكومة بتوظيف مواردها الذاتية، لدعم الاتفاق برغم العثرات الاقتصادية التي تواجهها في الوقت الحالي، غياب الدعم لا يجب أن يوقفنا عن تحقيق السلام في بلادنا”.
ووفقًا لمراقبين، يبدو أن غياب التمويل خلال الفترة ما قبل الانتقالية، أصبح المهدد الرئيسي لاتفاق السلام؛ لا سيما أن حصيلة التنفيذ حتى الآن تبدو ضعيفة جدًا، ولم تتجاوز تشكيل اللجان وانعقاد الاجتماعات، دون خطوات حقيقية ملموسة.
وبات من الصعب إعلان تشكيل الحكومة الانتقالية دون دمج قوات الحكومة والمعارضة في قوة عسكرية مشتركة تمثل نواة للجيش القومي أو بدون تضمين الاتفاقية في وثيقة الدستور الانتقالي، الذي سيحتكم إليه خلال الفترة الانتقالية، أو بدون إصلاح القوانين التي تحكم عمل الأجهزة الأمنية.
وبدون تهيئة المناخ السياسي المناسب، لن تستطيع الأطراف الموقعة على الاتفاق كسب الثقة الإقليمية والدولية والدعم اللازم للعملية السلمية، وهي عوامل رئيسية من أجل صمود الاتفاق حتى نهاية الفترة ما قبل الانتقالية التي ستنتهي في مايو المقبل.
وانفصل جنوب السودان عن السودان، عبر استفتاء شعبي في 2011، وشهد منذ 2013 حربًا أهلية بين القوات الحكومية والمعارضة أخذت بُعدًا قبليًا.