– إعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة الدولية
– إدانة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة “إسرائيل” لارتكابها جرائم حرب بحق المتظاهرين
– ترسيخ ثقافة المقاومة الشعبية لدى الفلسطينيين في غزة
– محاولات لإدخال تسهيلات معيشية للقطاع في إطار تفاهمات تهدئة بوساطة إقليمية ودولية
– حجم الخسائر البشرية الكبير جرّاء الاعتداء الإسرائيلي على المسيرة
– تأثير الانقسام الفلسطيني السياسي الداخلي عليها ما أثر على زخمها
بعد عام على انطلاق مسيرة العودة وكسر الحصار قرب السياج الأمني الفاصل بين شرقي قطاع غزة و”إسرائيل”، يرى محللون سياسيون أن الإنجازات التي حققتها المسيرة “محدودة”، لم تلبِّ حاجة الفلسطينيين بعد، لكن يمكن البناء عليها.
وقال المحللون، في حوارات منفصلة لوكالة “الأناضول”: إن أهم تلك الإنجازات على المستوى المحلي يتمثل في نجاحها بترسيخ ثقافة المقاومة الشعبية لدى الفلسطينيين، وتحقيق بعض التسهيلات المعيشية للقطاع على مستوى إعادة فكفكة الحصار ضمن تفاهمات “التهدئة”.
وأما على المستوى الدولي، فقد أعادت المسيرة القضية الفلسطينية إلى الواجهة العالمية، ونجحت في إدانة “إسرائيل”.
وفي 22 مارس الجاري، تبنى مجلس حقوق الإنسان الأممي قراراً يدين الجيش الإسرائيلي بارتكاب جرائم ترتقي لـ”جرائم حرب” بحق المتظاهرين الفلسطينيين على حدود قطاع غزة، ويدعو لتعزيز وجود الأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وما أُخذ على المسيرة ارتفاع عدد ضحايا الاعتداءات الإسرائيلية بشكل كبير سواء من الشهداء أو الإصابات، ما يتطلب إعادة تقييم لعمل المسيرة من أجل الحرص على تقليل أعداد الضحايا، بحسب المحللين.
كما فشلت المسيرة في تجاوز حالة الانقسام السياسي الفلسطيني الداخلي، الذي أثّر عليها وعلى حالة الزخم الشعبي بشكل كبير.
الإنجازات
يرى مصطفى إبراهيم، الكاتب والمحلل السياسي، أن مسيرة العودة حققت عدة إنجازات على المستويين المحلي والدولي.
على المستوى المحلي، فقد أعاد الفلسطينيون ما يسمى بالمقاومة السلمية على جدول أعمالهم، خاصة في قطاع غزة بعد أن أخذت المقاومة فيها طابعا مسلّحاً، وتم تحييد قطاعات كبيرة من الفلسطينيين من المقاومة بشكل عام؛ إذ إن المقاومة السلمية تطال أعداداً كبيرة منهم، بحسب إبراهيم.
وتابع: “هذه الثقافة لم نرَها بغزة خلال السنوات الماضية، وهي شكل جديد من المقاومة”.
كما نجح الفلسطينيون، خلال مسيرة العودة، على التوحّد ضمن قرار واحد، حيث شاركت جميع الفصائل بما فيها حركة “فتح” (انسحبت لاحقاً بسبب تداعيات الانقسام)، في فعاليات هذه المسيرة، كما قال.
وساهمت المسيرات أيضاً في “إعطاء المقاومة زخماً شعبياً وجماهيرياً كبيراً في صفوف الفلسطينيين”.
إلى جانب ذلك، نجحت المسيرة في الحصول على تسهيلات معيشية (محدودة) على مستوى إعادة فكفكة الحصار ضمن تفاهمات التهدئة.
وأكد أن تلك الإنجازات ورغم محدوديتها يمكن “البناء عليها” على طريق تحقيق الإنجازات.
وتقود مصر وقطر والأمم المتحدة، مشاورات منذ عدة أشهر، للتوصل إلى تهدئة بين الفصائل الفلسطينية بغزة و”إسرائيل”، تستند إلى تخفيف الحصار المفروض على القطاع، مقابل وقف الاحتجاجات التي ينظمها الفلسطينيون قرب السياج الفاصل.
وعلى المستوى الدولي، أعادت مسيرات العودة القضية الفلسطينية إلى الواجهة الدولية؛ ما ساهم في تغيير جوهري لنظرة المجتمع الدولي لما يحدث بغزة.
وأضاف قائلاً: “شكلت المسيرات دفعة كبيرة للقضية الفلسطينية، حيث ساهمت في فضح الجرائم الإسرائيلية”.
وفي ذلك الصدد، أدان مجلس حقوق الإنسان “إسرائيل” على ارتكابها جرائم حرب.
يتفق معه، طلال عوكل، الكاتب والمحلل السياسي، قائلاً: إن الهدف المباشر والتكتيكي من المسيرات هو كسر الحصار عن غزة، لكن هذا الهدف ما زال معلقاً حتى الآن، رغم التسهيلات المحدودة المقدّمة.
وتابع: الهدف معلق لأن “إسرائيل” ما زالت حتى اللحظة تتهرب من استحقاقات تفاهمات التهدئة التي ترعاها مصر والأمم المتحدة، التي يترتب عليها تخفيف الحصار عن غزة.
ويستبعد عوكل أن تنجح مسيرة العودة وحدها في تحقيق هدف كسر الحصار عن غزة، إذ يتطلب ذلك عملاً سياسياً مرافقاً لها.
ويرجح عوكل غياب القرار الإسرائيلي حول ملف التهدئة خلال الشهور القليلة القادمة، بسبب انشغال الداخل الإسرائيلي بالانتخابات وتشكيل الحكومة الجديدة.
وقدّمت مسيرة العودة، بحسب عوكل، نموذجا للعالم أن سكان قطاع غزة يستطيعون إدارة النضال السلمي الشعبي الهادف، وليس فقط يجيدون إطلاق الصواريخ والمقاومة المسلّحة.
تثبيت حق العودة
ويرى مصطفى الصواف، محلل سياسي، أن مسيرة العودة شكّلت عملاً إبداعياً في وقت كاد فيه العالم أن ينسى القضية الفلسطينية.
وأوضح الصواف أن المسيرة نجحت في تثبيت حق الشعب الفلسطيني في العودة للأرض التي هُجّر منها أجداده عام 1948.
كما وحّدت المسيرات القوى والفصائل الفلسطينية على منهج واحد، وكان من نتائجها غرفة العمليات المشتركة.
ويعتقد الصواف أن المشرفين على مسيرة العودة أعادوا تقييم عمل تلك المسيرات والأدوات التي استخدمت خلالها، ووضعوا معالم جديدة للمرحلة القادمة.
ويرى أن عملية التقييم لا بد وأن تجري بين الفينة والأخرى؛ من أجل الحفاظ على استمرارية المقاومة الشعبية وضمان حضورها بقوة.
وأشار إلى أن الفترة الأخيرة شهدت إعادة تقييم حيث تم إدخال أدوات جديدة للمسيرة كـ”الإرباك الليلي والبالونات المتفجرة”.
ويرجح الصواف أن يحمل العام الثاني من المسيرات تفكيراً آخر وطريقة أخرى للتعامل مع الاحتلال.
ضغط على “إسرائيل”
وتحاول مسيرة العودة، بحسب الصواف، الوصول إلى الأهداف التي حددها القائمون عليها؛ حيث وضعت المسيرة منذ انطلاقتها هدفيْن رئيسين الأول، تكتيكي يتمثل بكسر الحصار الإسرائيلي عن قطاع غزة، والآخر إستراتيجي ويتمثل بحق العودة.
وبدأ القائمون على المسيرة، حسب الصواف، بخطوات نحو تحقيق الهدف التكتيكي، لكن ما أعاق الوصول إليه حتى اليوم هو “مكر العدو وضعف الوسطاء”.
وتابع: الاحتلال إذا تم الاقتراب من قواعد تفاهمات التهدئة بغزة بدأ يماطل ولا يستجيب.
لكن الصواف يرى أن الاحتلال الإسرائيلي لا يستجيب للمطالب الفلسطينية إلا تحت الضغط والقوة، ما دفع المشرفون على المسيرات بابتكار “الإرباك الليلي” ليكون واحدا من تلك الضغوط.
الإخفاقات
أجمع المحللون الثلاثة على أن مسيرة العودة شابها بعض الإخفاقات، ما أثر سلبياً عليها.
وقالوا: إن أبرز تلك الإخفاقات تمثّلت في حجم الخسائر البشرية الكبير، سواء من شهداء أو إصابات، إذ كان بالإمكان تقليصها إلى حد كبير.
وذكروا أن المشرفين على المسيرات كان من المفترض أن يجروا حملة لـ”توعية الجمهور وتقديم الإرشادات إليه”، من أجل التقليل من حجم الخسائر البشرية.
كما أخفقت المسيرات، حسب المحللين، في تجاوز حالة الانقسام الفلسطيني السياسي الداخلي، والتي انعكست عليها بشكل سلبي وأثرت على قوتها وزخمها الشعبي.
وانطلقت مسيرة العودة وكسر الحصار في 30 مارس 2018، حيث يشارك فلسطينيون، مساء كل جمعة، في الفعاليات السلمية للمسيرة التي تُنظم قرب السياج الفاصل بين شرقي غزة و”إسرائيل”.
ويطالب المشاركون في المسيرة الأسبوعية، بعودة اللاجئين إلى مدنهم وقراهم، ورفع الحصار عن القطاع.
فيما يقمع الجيش الإسرائيلي تلك المسيرات السلمية بعنف، ما أسفر عن استشهاد عشرات الفلسطينيين وإصابة الآلاف بجروح مختلفة.