ميكو بيليد (*)
– على الرغم من أن “صفقة القرن” ستحاول القضاء على القضية الفلسطينية نهائياً فإن ما يخفق فيه مهندسو الصفقة المتغطرسون هو أنها ليست أكثر من خطة غير عملية ووصفة جاهزة لعدم الاستقرار ستسقط بمجرد رفعها
عاد بنيامين نتنياهو من واشنطن إلى القدس مصممًا على الاحتفاظ بمقعده كرئيس للوزراء في “إسرائيل”، وكان من الواضح أن قضايا الوضع النهائي -تلك القضايا المزعجة بين “إسرائيل” والفلسطينيين التي لا تريد “إسرائيل” مناقشتها أبدًا– تجري محاولة للقضاء عليها واحدة تلو الأخرى في مخطط إقليمي بعنوان “صفقة القرن”، وهذا الذي يسمى بـ”الصفقة” سيشكل تراجعاً نهائياً لآمال الفلسطينيين في العدالة وتقرير المصير والعودة.
فمنذ الإعلان المتهور الذي أصدره الرئيس دونالد ترمب بأن الولايات المتحدة تعترف بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل”، وحتى إعلانه الأخير بأن الولايات المتحدة اعترفت بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان السورية، أصبح من الواضح ما ستعنيه “صفقة القرن”، يعني: تجاهل الفلسطينيين والاعتراف “بالحقوق الإسرائيلية” في كل فلسطين.
إن الغرض من الإعلان عن الاعتراف بالسيادة “الإسرائيلية” على هضبة الجولان في هذه اللحظة بالذات هو غرض مزدوج؛ فقد كان إسهاماً هائلاً في حملة نتنياهو لإعادة انتخابه في 9 أبريل، وهي إشارة واضحة إلى أن ترمب يفضل نتنياهو؛ وما هو أكثر إثارة للقلق، إنه مقدمة لما قد نشهده قريبًا مع “يهودا والسامرة” المعروفة أيضًا بالضفة الغربية.
أربعة عناصـر
من المحتمل أن تهيمن أربعة عناصر على “صفقة القرن”: تقرير المصير الفلسطيني، اللاجئون، بيت المقدس، ومستقبل ما كان يعرف سابقًا بالضفة الغربية وسمته “إسرائيل” يهودا والسامرة، ولقد حصلنا بالفعل على معاينة لما سيأتي مع الثلاثة الأولى:
- القدس، بإعلان ترمب الصادر في 6 ديسمبر 2017، الذي يعترف بأن المدينة عاصمة لـ”إسرائيل”.
- ومصادمة للاعتراف بحق الفلسطينيين في تقرير المصير بحكم الأمر الواقع قامت إدارة ترمب في سبتمبر 2018، في الذكرى السنوية الخامسة والعشرين لاتفاقيات أوسلو، بإغلاق بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.
- وتلقت قضية اللاجئين ضربة قاتلة تقريبًا عندما أعلنت وزارة الخارجية في أغسطس 2018 أنها لن تقدم أموالًا لـ”الأونروا”، وهي وكالة الأمم المتحدة التي تم إنشاؤها لرعاية اللاجئين الفلسطينيين، والأهم أن التخفيض البالغ 350 مليون دولار في ميزانية “الأونروا” كان بمثابة ضربة لوجود قضية اللاجئين.
- ويحاول ترمب، الذي يخدم أجندة نتنياهو، القضاء على قضية اللاجئين بالكامل من خلال التشكيك في حق الفلسطينيين في تلقي المساعدة والتشكيك في حق أبناء اللاجئين من عام 1948 في الحصول على وضع اللجوء.
وجود اللاجئين يجب أن ينتهي
من المرجح أن تشمل “صفقة القرن” محاولة للقضاء على قضية اللاجئين الفلسطينيين، ففي بيان أدلى به بالعبرية أمام الحكومة “الإسرائيلية”، في يوليو 2018، وصف نتنياهو قضية اللاجئين الفلسطينيين بأنها “وهمية”، وادعى أن الغرض الوحيد لـ”الأونروا” هو الحفاظ على قضية اللاجئين الفلسطينيين إلى الأبد؛ وبالتالي تهديد دولة “إسرائيل” من خلال إدامة مفهوم حق العودة.
ويدعي ترمب، من جانبه، حاليًا أنه لا يمكن اعتبار أبناء اللاجئين إلا الذين عاشوا فعليًا في فلسطين التاريخية قبل التطهير العرقي عام 1948؛ الأشخاص الذين يبلغون من العمر 70 عامًا أو أكبر هم اللاجئون.
مشكلة نتنياهو هي أنه عندما تسأل الفلسطينيين في الشتات من أين هم؟ يقولون: يافا، حيفا، الرملة، وما إلى ذلك، وعندما تسأل “الإسرائيليين” من أين هم؟ يقولون: من بولندا، روسيا، المغرب، اليمن، إلخ.
وعندما تسأل اليهود في جميع أنحاء العالم يقولون نفس الشيء الذي يقوله “الإسرائيليون”، وفي الوقت الذي يمكن فيه لأحفاد لاجئي 1948 إخبارك باسم البلدة أو القرية التي أتت منها أسرهم، على الرغم من أن القرية قد دُمِّرت، لا يمكن “لإسرائيليين”، أو لأي جمهور يهودي، تتبع جذورهم مرة أخرى كي ينسبوها إلى مملكة اليهود القديمة.
ومن المهم الملاحظة وتذكير كل من ترمب، ونتنياهو، وفقًا للقانون الدولي، أنه حتى اللاجئين الذين لم يولدوا في فلسطين وهم في الشتات هم لاجئون ولهم الحق في العودة؛ هذا لأنه، بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، لا الدمج المحلي أو إعادة التوطين يمنع إمكانية عودة اللاجئين إلى بلدهم الأصلي، علاوة على ذلك، يجب في حالة النزوح الواسع النطاق، مثل النزوح الذي حدث في فلسطين عام 1948، رد الممتلكات العامة والخاصة.
المطلوب ليس فقط عودة الناس
المطلوب ليس فقط عودة الناس، ولكن أيضًا المطالبة المشروعة برد الممتلكات وهذا ما تخشاه “إسرائيل”.
إن حجم الممتلكات المهجورة التي استولت عليها “إسرائيل” نتيجة للتطهير العرقي لفلسطين عام 1948 هائل، فقد طُرد الفلسطينيون من مدن بأكملها، من بينها يافا والرملة وحيفا وكل القدس الغربية، وبالإضافة إلى كل ذلك، هناك مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية تم الاستيلاء عليها، وبعد طرد السكان سلمت الدولة المنشأة حديثًا بساتين الحمضيات والزيتون وغيرها من المنتجات الزراعية إلى مستوطنات زراعية يهودية.
نتنياهو والمؤسسة الصهيونية كلها على علم بكل هذا ويخشون اليوم الذي سيُحاسبون فيه على سرقة هذه الممتلكات، لم يتلق رد الممتلكات الفلسطينية إلا القليل من النقاش، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى رفض “إسرائيل” الانخراط والضغط من جانب الجماعات الصهيونية لإبقاء هذا الموضوع خارج طاولة المفاوضات، ومن المرجح أن تحاول “صفقة القرن” أن تخفي هذا إلى الأبد.
لم يبق إلا ضم يهودا والسامرة
كان الضم الإسرائيلي للضفة الغربية فكرة بعيدة المنال، ولكن الأمر لم يعد كذلك، الضفة الغربية الآن التي كانت تدعى “يهودا والسامرة” لها مدن ومحافظات، وبها صناعة وجهاز إداري وقوات شرطة خاصة بها، وهناك نظام للطرق الالتفافية السريعة لمراكز التسوق، وكلها بنيت خصيصاً لليهود، إن الضم الرسمي للمنطقة المعروفة بـ”إسرائيل” اليوم يشبه إلى حد كبير الاعتراف بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل” والسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان سيكون مجرد إجراء شكلي، وإن كان يتعارض مع القانون الدولي.
ومن الواقعي أن نتوقع، كجزء من “صفقة القرن”، أن تعترف الولايات المتحدة بالسيادة “الإسرائيلية” على يهودا والسامرة، وهذا يعني إنشاء دولة واحدة رسمياً على كامل فلسطين مع حقوق حصرية للأقلية اليهودية الإسرائيلية.
قد يبدو هذا فوزًا لـ”إسرائيل”، إلا أنه سيؤدي إلى مشكلات خطيرة للدولة الصهيونية.
“إسرائيل” تسيطر على حياة مليوني فلسطيني يحملون الجنسية الإسرائيلية، و2.2 مليون فلسطيني محبوسون في قطاع غزة، وحوالي 3 ملايين فلسطيني فيما كان يسمى في السابق الضفة الغربية؛ أي ما مجموعه 7 ملايين فلسطيني يعيشون بدون حقوق في دولة يتمتع فيها حوالي 6 ملايين يهودي “إسرائيلي” بحقوق حصرية.
احترس مما تتمناه
اليوم، وربما أكثر من أي وقت مضى، تملي السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط من قبل “إسرائيل” وبالتحديد من قبل بنيامين نتنياهو، ويتم تنفيذها بواسطة جاريد كوشنر من خلال والد زوجته، رئيس الولايات المتحدة، وعلى الرغم من أن “صفقة القرن” ستحاول القضاء على القضية الفلسطينية نهائياً، فإن ما يخفق فيه مهندسو “الصفقة” المتغطرسون هو أن هذه “الصفقة” المزعومة ليست أكثر من خطة غير مسؤولة وغير عملية ووصفة جاهزة لعدم الاستقرار سوف تسقط بمجرد رفعها.
___________________________________
(*) مؤلف وناشط حقوقي “إسرائيلي – أمريكي” ولد في القدس.
المصدر: “mintpressnews“.