احتفلت الأحزاب اليمينية المناهضة للهجرة بدول أوروبية كبرى مثل فرنسا وإيطاليا بانتصارها في الانتخابات الأوروبية. فهل يمكن لهذه الأحزاب وحلفائها في أوروبا التأثير على السياسة المستقبلية للاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالهجرة؟
“إيقاف البيروقراطيين والمصرفيين وقوارب المهاجرين”، هذا ما وعد به ماتيو سالفيني خلال حملته الانتخابية من أجل البرلمان الأوروبي. على الرغم من أن الحملة الانتخابية التي قادها سالفيني لم تكن سهلة، إلا أن زعيم حزب “الرابطة” المناهض للهجرة تمكن من تحقيق المركز الأول في إيطاليا في الانتخابات الأوروبية.
فرحة النصر عبر عنها سالفيني عبر حسابه على “تويتر”، إذ كتب مغرداً “شكراً إيطاليا”، وظهر حاملاً معه لافتة كتب عليها “الحزب الأول في إيطاليا شكراً”، بهذا الفوز تمكن حزب “الرابطة” من الحصول على 28 مقعداً، وليس هذا فحسب، بل تمكن من مضاعفة فرص شركائه في الائتلاف، إذ احتلت حركة “خمس نجوم” المركز الثالث بعد الحزب الديمقراطي، ليصبح لديها 14 مقعداً.
نتائج الانتخابات في فرنسا كانت مماثلة، حيث حصل حزب “التجمع الوطني” اليمني المتطرف بزعامة مارين لوبن على 22 مقعداً، وتفوقت بمقعد إضافي واحد فقط على الائتلاف الليبرالي الذي يضم حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وعبرت مارين لوبن عن فرحتها بالفوز عبر تغريدة هاشتاج “انتصر الشعب”، ووجهت لوبن الشكر لزعيم الشباب جوردان بارديلا على حملته وقالت: “إن الشعب، بكل فخر وكرامة، استعاد السلطة” مشيرة إلى ولادة “حركة بديلة رائعة”.
في أوائل مايو وأثناء زيارتها لبلغاريا، أثنت لوبان على ما يقوم به ماتيو سالفيني من أجل “السيطرة على مشكلة الهجرة”، وفي منتصف أبريل، صرحت لوسائل الإعلام الفرنسية أن “الهجرة يجب أن تتوقف”، مضيفة أنها تعارض فكرة الإجبار على إعادة توزيع المهاجرين على دول الاتحاد الأوروبي، ووصفت لوبن فرونتكس “الوكالة الأوروبية لحماية الحدود” بأنها “وكالة ترحيب بالمهاجرين”، كما أكدت على ضرورة حماية الحدود الفرنسية مهما كلف الثمن، وتريد لوبن أن تتم إعادة اللاجئين إلى الشواطئ التي أتوا منها بدلاً من أن تقوم سفن الإنقاذ غير الحكومية بتوزيعهم في جميع أنحاء أوروبا.
دول أخرى شهدت صعود اليمنيين الشعبويين
في السويد تمكن الحزب القومي الشعبوي (السويديون الديمقراطيون) من الحصول على 15.4% من الأصوات، هذه النتائج تعني حصولهم على عدد أكبر من المقاعد في البرلمان الأوروبي، هذا الحزب أيضاً معادٍ للهجرة وللاتحاد الأوروبي.
وفي المجر تصدر حزب فيدس القومي الحاكم والمناهض للهجرة إلى جانب شريكه في الائتلاف الحاكم (الحزب المسيحي الديمقراطي) نتائج الانتخابات، إذ حصلا على 13 مقعداً من أصل 21 مقعداً متاحاً للمجر في البرلمان الأوروبي، ولا يُخفي حزب فيدس القومي بزعامة أوربان موقفه المناهض للهجرة، حتى إنه تم تعليق عضوية هذا الحزب في كتلته في البرلمان الأوروبي في مارس الماضي، خوفاً من نهجه غير الديمقراطي، فمنذ وصول الحزب إلى سدة الحكم، وهو ينتهج سياسة معادية للمهاجرين، إذ قام بمد سياج على طول الحدود مع صربيا، فضلاً عن سوء معاملة طالبي اللجوء، كل ذلك كان سبباً لتعرض سياسته لانتقادات كثيرة من المنظمات غير الحكومية من بينها لجنة هلسنكي المجرية.
وفي بلجيكا، فاز حزب التحالف الفلمنكي الجديد بـ3 مقاعد، كما فاز حزب فلامس بيلانغ اليميني الشعبوي بنفس عدد المقاعد، وعلى الرغم من أن التحالف الفلمنكي لم يظهر في السابق معاداته لأوروبا أو أنه مناهض للهجرة، فقد قام الحزبان بحملة ضد ميثاق الهجرة العالمي وانفصلوا عن الحكومة البلجيكية لاتخاذهم موقفاً.
أما في بولندا، فقد حصل حزب القانون والعدالة على 26 مقعداً، وهو حزب قومي مسيحي محافظ، ورغم أن الحزب لا يحب تسميته بالقومي، لكنه في الوقت ذاته يعارض إعادة التوطين الجماعي للاجئين والمهاجرين “الاقتصاديين” في جميع أنحاء أوروبا، فضلاً عن أن بعض السياسيين التابعين للحزب أدلوا بتعليقات مناهضة للهجرة ومعادية للإسلام لدى مناقشة القضايا المتعلقة بالهجرة.
في سلوفينا أيضاً، فاز حزب مناهض للهجرة بأغلبية الأصوات، إذ حصل على 26.5% من الأصوات.
الأحزاب اليمينية الشعبوية.. توافق لا يخلو من خلافات
من المعلوم أنه بعد إعلان النتائج النهائية للانتخابات، تبدأ مرحلة التفاوض بين الأحزاب، وذلك من أجل تشكيل أكثرية مستقلة داخل البرلمان الأوروبي الجديد من أجل اختيار خلف لرئيس المفوضية الأوروبية جان يونكر، ويتطلع كل من سالفيني، ولوبان إلى تحالف مع الأحزاب الشعبوية المناهضة للهجرة، إذ سيكسب هذا التحالف الشعبويين واليمينيين المتطرفين أكثر من 150 مقعداً في البرلمان الأوروبي، لكن مراقبين كثيرين يرون أن تحالف الأحزاب اليمينية الشعبوية المناهضة للهجرة لا يمكن أن يضاهي تحالفاً لأحزاب موالية لأوروبا التي تميل إلى اتخاذ مواقف أكثر ليونة بشأن الهجرة.
فرغم الخسائر الفادحة التي تعرضت لها الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية، فإن تشكيل تحالف بين الخضر والأحزاب اليسارية الأخرى أمر وارد جداً، وتحالفهما يعني تشكيل كتلة من 254 صوتاً، فضلاً عن إمكانية ضم بعض الليبراليين الوسط؛ ما يعني أن عدد الأصوات في هذه الكتلة قد يصل إلى 392 صوتاً، وهذا يكفي لتعطيل أي قرار مناهض للهجرة.
يرى الكثير من المراقبين ومن بينهم مارك ليونارد، مدير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن الخوف من صعود الأحزاب اليمينة والقومية، زاد من نسبة مشاركة الناخبين، إذ بلغت في هذه المرة حوالي 50%، كما يعتقد أن هذه المشاركة كان لها دور كبير في التقدم الذي حققه حزب الخضر والأحزاب الليبرالية، ليونارد كتب على مدونته أن الشعبويين أظهروا مدى فعالية استغلال مخاوف الناخبين من الهجرة والمهاجرين والآن ينبغي على مؤيدي أوروبا، أن يحرصوا على حماية أوروبا وإيجاد حلول مقنعة.
من الأقوال إلى الأفعال
من جانبها، ترى غودرن إينغل، مراسلة المحطة الألمانية الأولى في بروكسل، أنه رغم التقدم اللافت الذي حققته الأحزاب اليمينية والشعبوية، فإن هناك اختلافات كبيرة في النهج السياسي لهذه الأحزاب، وعن أحد الأمثلة عن هذه الاختلافات تقول إينغل: بعض الشعبويين اليمنيين في غرب أوروبا يؤيدون النفوذ والدعم الروسي، على عكس الشعبويين في شرق أوروبا مثل بولندا، أما بالنسبة لموضوع الهجرة، تضيف إينغل: صحيح أن الشعوبيين واليمينين متفقون على وقف الهجرة وإغلاق الحدود الأوروبية، لكن سالفيني لا يعارض توزيع اللاجئين على دول الاتحاد الأوروبي، بينما ترفض بعض بلدان الاتحاد الأوروبي في شرق أوروبا استقبال اللاجئين كلياً.
أما المفاجآت الكبرى التي ظهرت في نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي في هذه الدورة، فكانت الفوز الكبير لحزب الخضر في العديد من بلدان الاتحاد الأوروبي، مثل ألمانيا وبلجيكا والمملكة المتحدة والبرتغال، ومن المعروف أن الخضر يميلون نحو سياسة مؤيدة للهجرة وفتح الحدود؛ ما يجعل ربما التنبؤ بالنهج الجديد لسياسة الهجرة في الاتحاد الأوروبي صعباً.
“من الأقوال إلى الأفعال”، هكذا غرد سالفيني المعروف بتغريداته المستفزة وخاصة عندما يتعلق الأمر بالهجرة، علماً أن إيطاليا تعد واحدة من الدول القليلة التي شاركت في نقل طالبي اللجوء من ليبيا إليها عن طريق الأمم المتحدة.
_______________
المصدر: “مهاجر نيوز”.