استخدم الإعلام الغربي أساليب عدة في “تضخيم الذات” لدى الآخرين، تحت قاعدة “اكذب اكذب حتى يصدقك الآخرون”، ونجحوا في ذلك كثيراً، كيف لا وهم يمتلكون أكبر آلة إعلامية وثقافية في العالم، من تلفزيون وإذاعة وصحافة وسينما ودراما ومسرح، وأخيراً وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة من “فيسبوك” و”تويتر” و”إنستجرام” وغيرها.
ولم يأت ذلك بشكل عشوائي، إنما بدراسات علمية ونفسية واجتماعية وتاريخية مسبقة، وخطة تدريجية زمنية، بالاستعانة بكتاب وإعلاميين من مواطني من يريدون تضخيمه، باختراق فكري وسياسي منظم، بترتيب من مافيا دولية كبرى تسمى “الصهيونية”.
ولا يمكن أن يدخلوا في أي صراع إعلامي في أي بلد أو إقليم؛ دون دراسة الأبعاد الدينية والتراثية والفكرية والقبلية والأسرية والاقتصادية، فما يهمهم هو نجاح التطبيق وتحقيق الأهداف، لا التطبيق ذاته.
بدأوا ذلك بعد الحرب العالمية الثانية عندما رأوا أثر تضخم الذات لدى هتلر واليابان والذي أدى إلى تدميرهما، فتوجهوا لجميع الدول التي احتلتها بريطانيا وفرنسا وإيطاليا في آسيا وأفريقيا، وحولوا عددا كبيرا منها لحكم العسكر الفاشي، وضخموهم قوة وقدرة حتى قهروا شعوبهم، واستولت المافيا على ثروات تلك البلاد، فأصبحوا أغنياء وتركوا تلك البلاد فقراء، ينشغلون بالاقتتال بينهم.
وضخمت الآلة الإعلامية (العربية والغربية) الذات العربية، أو القومية العربية، حتى دخلت الصهيونية فلسطين شيئا فشيئا، ثم دعمت الانقلابات في جميع الدول العربية باستثناء الخليج العربي، فتحولت من دول غنية إلى دول فقيرة، ومن دول دائنة إلى دول مدينة، ومن ملكيات وإمارات مستقرة، إلى جمهوريات عسكرية تم تضخيمها وتهويلها والتخويف منها، حتى سقطت عند أول احتكاك.
وهولوا تخوفهم من الجيوش العربية، وأنها سترمي “إسرائيل” في البحر، فجاءت النكبة (1948م)، ثم العدوان الثلاثي (1956م)، ثم النكسة (1967م)، واحتلت “إسرائيل” فلسطين بالكامل، ومعها “فوق البيعة” الجولان والضفة وسيناء وشبعا!
هل توقفت الآلة الإعلامية الغربية بعد ذلك؟!
كلا.. بل استمرت في تهويل العديد من الزعماء والأنظمة، وأولها شاه إيران، الذي ساندوه وسلحوه في قصة طويلة، وقالوا عنه أنه يملك أقوى رابع جيش في العالم، ونسي الدول العظمى، بل نسي من سانده خلال فترة حكمه، فأصيب بداء العظمة وصدق نفسه، ولكنه لم يستطع أن يحمي نفسه من شعبه، وانتهت أسطورة شاه إيران.
وجاء دور المجرم صدام حسين الذي دعمه دول الخليج بلا حدود، وتم تضخيم جيشه بالعدد والعتاد، وأطلقوا عليه مرة أخرى رابع أقوى جيش في العالم، وساعده الغرب في حربه مع إيران حتى استهلكوا ماله وجيشه، وأًغري باحتلال الكويت، وعاش غطرسة غير مسبوقة، وكسابقه أصيب بداء العظمة، وكان ما كان، وسقطت بغداد مرتين!
وضخموا من قوة المجاهدين الأفغان، وأسبغوا على الحرب مسحة دينية لتحقيق دعم الشعوب المسلمة لهم، ومدهم الغرب بالسلاح، ليكونوا أداة حرب بالوكالة اتجاه روسيا، حتى إذا أسقطوا النظام الشيوعي، فتنوا بينهم وفرقوهم، ثم أنشأوا طالبان والقاعدة.. وبقية القصة معروفة، وسيطر الغرب على أفغانستان.
وضخموا زعيم الأكراد في العراق، وعاش غطرسة مثل غيره، حتى أنه لم يقف مع العراقيين السنة في الانتخابات باسم القومية الكردية، وأغري بطلب التصويت على الانفصال عن العراق بدعم من “إسرائيل”، فباء بالفشل الذريع، وضاع مشروعه الانفصالي بشكل رسمي، فلا هو مع العراقيين السنة، ولا هو نصر الأكراد!
وضخموا النمور الآسيوية اقتصادياً، حتى إذا شعروا بالثقة وخرجوا عن طوعهم؛ حطموا اقتصادهم، وأعادوهم إلى المربع الأول.
وضخموا من الاقتصاد التركي، ونظامه العسكري، وهو محاط بروسيا شمالاً، وأتباعها شرقاً، وقاعدة أمريكية، وأوروبا غرباً، وأشعلوا الفتنة بينه وروسيا، وأعدوا له انقلابا فشل بفضل الله، فما كان منهم إلا أن حطموا الليرة.
وتدور الأيام مع الأحزاب والهيئات والتيارات السياسية، فضخموا حزب الله اللبناني بشكل غير طبيعي، ويسروا له خطف الطائرات وابتزاز التيارات السياسية وإضعاف وطنه تحت سيطرة النظام السوري، وإذا خرج عن أجندتهم قصفوه!
وأرهبوا الناس من البعث السوري، وفتح الفلسطينية، فمارسوا التفجيرات هنا وهناك، وقمعوهم عند أول خروج عن الطاعة.
وخوفوا الناس من خطر الوهابية، وأثرها السلبي على الأجيال، وأنشأوا كيانات وهمية لمهاجمتها ونقدها بلا أدب، باسم الجامية تارة، والمدخلية تارة أخرى، ولا تعرف لهم رأس، وسخروا لهم التمثيليات للسخرية منهم!
ثم هولوا من حركة أنصار الله المشهورة بالحوثيين، حركة لا يتجاوز أتباعها 10% من الشعب اليمني، سيطرت على 70% من مساحة اليمن!! كيف؟! ببساطة.. دعم الحزب الحاكم (السني) وقبيلته لهم، والذي سيتم سحبه منهم يوماً ما.
وضخموا من “داعش” وأخواتها، والكل يعرف أنهم جمع من فلول ومرتزقة وبسطاء، انسحبت من أمامهم الجيوش النظامية في العراق والشام بطائراتهم وآلياتهم في مسرحية مكشوفة، وسلموهم مخازن الأسلحة، ليضربوا بها المسلمين السنة!! وسيطروا من خلالها على معظم المساحة السنية!
وضخموا من خطر الإخوان المسلمين في كل مكان، عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وهم لا يتقلدون أي منصب سياسي ولا عسكري، حتى يضربوا الإسلام من خلالهم باسم ضرب الإرهاب!
وهولوا من أخطاء فردية لبعض أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، علما بأن القرار النهائي للمحكمة، حتى يضربوا الإسلام من خلالهم باسم مواجهة التطرف!
هم لا يسيطرون على الإعلام فقط، فكل الفضاء الإلكتروني تحت اطلاعهم واختراقهم، وما “ويكيلكس” إلا أحد ثمارها، والأقمار الصناعية تحت سيطرتهم، فهم من يزودون الخلايا التجسسية والطائرات الحربية والمدافع بالإحداثيات والمواقع والصور، فهم من اخترقوا الطيران التركي وجعلوه يضرب الطائرة الروسية، وهم من جعلوا طيران التحالف يضرب صالة عزاء في اليمن على أنها وكر علي صالح، وغير ذلك كثير.. فقط لنتذكر.
والآن يتم تضخيم إيران بشكل ملفت للنظر، وأطلقوا عليها مرة أخرى صاحبة أقوى رابع جيش في العالم، وأنها ستصنع سلاحاً نووياً؛ وكأن “إسرائيل” وجميع الدول الكبرى ليس لديها قنابل نووية؛ حتى كوريا الشمالية الصغيرة مساحة تمتلك أسلحة نووية يهابها الكبار، وظللنا نعيش 25 عاماً من الصراع الكلامي الأمريكي الإيراني، تحت سياسة “جاكم الذيب”!
وما زالت آلة الإعلام الصهيونية تعمل عبر أدواتها الغربية والعربية، بتضخيم الذوات والأحزاب والأنظمة والدول العربية والمسلمة، حتى إذا وصلت الذروة، جاء دور السقوط، حينها لا ينفع الندم.
ويعلم السياسيون أن إيران (وهي مزيج من عدة قوميات وأقاليم وأعراق ولغات وأديان وعقائد) صاحبة تاريخ سياسي “فارسي” عريق، يتسم بالذكاء والنفس الطويل، والتمسك بشعرة معاوية، والكل يعرف أن إيران فارس صاحبة حضارة لأكثر من 3000 سنة، فليس من السهولة جرها إلى ساحة الحرب والتصفية كما حصل مع الغبي صدام.
وإيران (وأتباعها) ليست عميلة لأمريكا كما يظن البعض، أو حليفة لإسرائيل كما يروجون، إنما هو التقاء مصالح، وهذه المصالح قد تمتد وقد تنتهي بحسب تقدير الطرف الأقوى.. أمريكا.
وقد نجحت الصهيونية باستخدام إيران لإحداث صراع في الخليج العربي، يوفر لها عائدات مالية لا حدود لها، كما نجحت إيران باستثمار مساحة الحرية السياسية والعسكرية الممنوحة لها للحرب بالوكالة؛ للسيطرة على العراق والشام ولبنان واليمن، والتعاون بين الطرفين لدعم انتشار وتحرك “القاعدة” و”داعش”! فمن له نفس عروبي يعلنها مشروعاً فارسياً، ومن له نفس ديني يعلنها مشروعاً طائفياً، ومن له نفس سياسي يعلنها مشروعاً مصلحياً.
إيران تعرف حدودها السياسية وقدراتها العسكرية، وتعلم أنها محاطة بعشرات القواعد العسكرية الأمريكية، الثابتة والمتحركة، البرية والبحرية والجوية، في الخليج والعراق وتركيا وكردستان وأفغانستان وباكستان وبحر العرب والمحيط الهندي والبحر المتوسط، وبالتالي لن تندفع لأي حرب، ولن تجرؤ على ضرب أي مرفق أمريكي، وما يجري هو استفزاز لأمر دبر بليل لا يمكن التخمين به، قد نرى آثاره لاحقاً.
ليس الهدف من تضخيم إيران جرها، فقد تجاوزت هذه المرحلة، إنما لتخويفنا منها، وطلب الحماية الغربية، وشراء المزيد من الأسلحة، وارتفاع أسعار النقل والتأمين البحري، والمستفيد النهائي اقتصادياً هي الصهيونية، وفكرياً إيران. لذا.. فقد حصلت إيران على دعم غير مسبوق في المنطقة، فيما يسمى الهلال الشيعي، والذي استفادت منه اقتصادياً وسياسياً وأخيراً.. مذهبياً.
والهدف الأهم هو التأكيد على أن إيران أخطر على دول الخليج من “إسرائيل”، وهذا ما يروج له الإعلام العربي قبل الغربي، بتناغم عجيب، تمهيداً لإقرار العرب بالتطبيع مع “إسرائيل” بهذه الحجة التي عمموها، وللأسف إيران شريكة في هذه اللعبة، شاءت أم نفت.
أعان الله القيادات السياسية الخليجية التي وقعت تحت هذا المصير السياسي الرهيب، وندعو الله أن يهديهم لما هو خير للإسلام والمسلمين، ويصرف عنا كيد الكائدين.
___________________________
يُنشر بالتزامن مع صحيفة “أحوال الكويت”.