نبذة تاريخية:
أصدرت هيئة الأمم المتحدة منذ تأسيسها عام 1945م عددًا من المواثيق الدولية ضمن ما يسمى بـ «القانون الدولي لحقوق الإنسان»، بدءًا من ميثاق الأمم المتحدة، مرورًا بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ثم العديد والعديد من المواثيق الدولية ما بين اتفاقيات، ووثائق، وإعلانات؛ لعل أكثرها تداولاً وتأثيرًا في الأسرة هي: «اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو CEDAW)» عام 1979م، و«اتفاقية حقوق الطفل (CRC)» عام 1989م، و «برنامج القاهرة للسكان ICPD» عام 1994م، و «إعلان ومنهاج عمل بكين BPA» عام 1995م، ثم «أهداف الألفية الإنمائية MDGs» عام 2000م، ثم خطة 2030 للتنمية المستدامة 2015م.
وتقوم هيئة الأمم المتحدة بتحديد مدى زمني لتطبيق كل وثيقة، فقد حددت لكل من وثيقتي «القاهرة للسكان»، و«بكين» عشرين عامًا كحدٍ أقصى، ولـ «أهداف الألفية الإنمائية» خمسة عشر عامًا، وخلال تلك الأعوام، عقدت عدة مؤتمرات لاستعراض التطبيق، بمعدل مؤتمر كل خمس سنوات، مثل مؤتمرات (بكين+5)، (بكين+10)، (بكين+15)، (بكين+20) .. وتستعد حاليًا لعقد مؤتمر (بكين+ 25) في عام 2020، ونفس الشيء بالنسبة لوثيقة القاهرة للسكان.
إضافة إلى الاجتماعات السنوية للجان الأمم المتحدة المسئولة عن متابعة التطبيق، مثل لجنة مركز المرأة، ولجنة التنمية، وغيرها.
وقبل انتهاء المدى الزمني المحدد لتطبيق تلك الوثائق وهو عام 2015م، أجرت الأمم المتحدة مسحًا شاملاً على مناطق العالم، فتوصلت إلى نتيجة مفادها أن تلك الوثائق لم تُطبق تطبيقًا كاملاً، وبالتحديد الهدف الذي تشترك فيه كل تلك المواثيق، وهو «مساواة الأنواع Gender equality»[1]. ومعلومٌ أن السبب في عدم التطبيق الكامل، هو اشتمال تلك المواثيق على قضايا شائكة تهدد الأسرة والمجتمع، وتتصادم بقوة مع الدين والأعراف والفطرة السوية.
فجاء القرار بإصدار وثيقة جديدة، يتم فيها تطوير «أهداف الألفية الإنمائية MDGs» الثمانية لتصبح سبعة عشر هدفًا وهي «أهداف التنمية المستدامة SDGs» وليتم تسمية الوثيقة الجديدة «تحويل عالمنا: خطة التنمية المستدامة لعام 2030»، والتي وُضِع لها مدى زمني قدره خمسة عشر عامًا، حيث تم إطلاقها في احتفالية ضخمة أثناء انعقاد الجمعية العمومية للأمم المتحدة في سبتمبر 2015.
وبرغم اشتمال «خطة 2030 للتنمية المستدامة» على قضايا اقتصادية، وبيئية، وتنموية هامة، إلا أنها اشتملت في ذات الوقت على نفس المضامين الشائكة التي اشتملت عليها الوثائق التي سبقتها، ويتم تمريرها تحت شعارات براقة مثل: «المساواة Equality» و«حقوق الإنسانHuman Rights » و«التنمية المستدامة Sustainable Development» وغيرها.
أهم القضايا التي تؤثر على الأسرة والأخلاق في “خطة 2030 للتنمية المستدامة”:
أولاً: نشر وتعميم خدمات الصحة الجنسية والإنجابية Sexual and Reproductive Health:
قد يبدو من ظاهر مصطلح «الصحة الإنجابية» أن الهدف منه هو الحفاظ على صحة الأم أثناء مرحلة الحمل وحتى تضع حملها في صحة تامة، وهذا ما ساعد على انتشاره، خاصة مع إخفاء المفاهيم والمضامين الحقيقية له عن عموم الناس. في حين استدعت “الخطة” التعريف الوارد في وثيقة القاهرة للسكان ووثيقة بكين لمصطلح «الصحة الإنجابية» حيث نص الهدف (5- 6) من «أهداف التنمية المستدامة» على: “ضمان حصول الجميع على خدمات الصحة الجنسية والإنجابية وعلى الحقوق الإنجابية، على النحو المتفق عليه وفقًا لبرنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية، ومنهاج عمل بكين، والوثائق الختامية لمؤتمرات استعراضهما“[2].
إذا، ولكي نعرف ما هو المقصود بـ«الصحة الجنسية والإنجابية»، علينا أن نعود إلى وثيقتي «القاهرة للسكان» و«بكين»، ووثائق المؤتمرات التي عُقدت لاحقًا لمتابعة تطبيق الوثيقتين والتي سميت بـ«مؤتمرات الاستعراض»؛ لنرى كيف عَرَّفَتَ المصطلح.
أما وثيقة القاهرة للسكان (1994م) فقد عرفت «الصحة الجنسية والإنجابية» بأنها: “حالة رفاه كامل بدنيًّا وعقليًّا واجتماعيًّا في جميع الأمور المتعلقة بالجهاز التناسلي ووظائفه وعملياته. وليست مجرد السلامة من المرض أو الإعاقة، ولذلك تعني الصحة الإنجابية قدرة الناس على التمتع بحياة جنسية مرضية ومأمونة، وقدرتهم على الإنجاب، وحريتهم في تقرير الإنجاب وموعده وتواتره”[3]. ثم كرر منهاج عمل بكين نفس التعريف بالنص[4].
أي أن «الصحة الجنسية والإنجابية» تعني أن يتمتع الجميع بالعلاقات الجنسية، وشروط ذلك «التمتع» هي: الرضا، والأمان، والتحكم في الإنجاب. بمعنى تحقق الاستمتاع مع السلامة من الأمراض والحمل! ويتم تكرار كلمة الجميع، ليشمل نطاق «خدمات الصحة الجنسية والإنجابية» للأطفال (حيث رفعت الأمم المتحدة سن الطفولة حتى الثامنة عشر) والمراهقين، والشباب، وكل الناس، بغض النظر عن نوع العلاقات التي تربطهم وبدون أدنى ذكر للزواج الشرعي في هذا السياق!
ولا يُكتفى بالمطالبة والتشجيع، بل تستنكر المواثيق عدم وصول خدمات الصحة الجنسية والإنجابية لكافة “الأفراد غير المتزوجين الناشطين جنسيًّا الذين يرغبون في الحصول على المعلومات والخدمات”.[5]
وزيادة في التأكيد على حصول الجميع على «خدمات الصحة الجنسية والإنجابية»، تكرر النص عليها في «خطة 2030 للتنمية المستدامة»، حيث نص الهدف (3-7) من أهداف التنمية المستدامة على ما يلي: “ضمان حصول الجميع على خدمات رعاية الصحة الجنسية والإنجابية بما في ذلك خدمات ومعلومات تنظيم الأسرة والتوعية الخاصة به، وإدماج الصحة الإنجابية في الاستراتيجيات والبرامج الوطنية بحلول عام 2030م”[6].
ما هي «خدمات الصحة الجنسية والإنجابية» التي تطالب الأمم المتحدة بتقديمها للجميع؟
تلك الخدمات، نصت عليها وثيقة بكين كما يلي: “كفالة توفير حصول الأزواج والأفراد على الصعيد العالمي على الخدمات الوقائية المناسبة وبأسعار زهيدة فيما يتعلق بالأمراض التي تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي، بما في ذلك فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز، وذلك من خلال نظام الرعاية الصحية الأولية .. وتوسيع نطاق توفير المشورة وخدمات التشخيص والعلاج الطوعية والسرية للمرأة .. كفالة تزويد الدوائر الصحية بالواقيات الذكرية ذات النوعية الرفيعة، وبالأدوية الخاصة بعلاج الأمراض التي تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي”[7].
وفي مؤتمر المتابعة لوثيقة القاهرة للسكان+20، شدد برنامج عمل القاهرة للسكان ما بعد 2014م، على ضرورة حصول أوسع نطاق ممكن من الناس على وسائل منع الحمل، بما في ذلك وسائل منع الحمل في حالات الطوارئ، فضلاً عن خدمات الإجهاض الآمن. وتم التأكيد على ضرورة تزويد المراهقين والشباب بالتعليم الجنسي الشامل[8].
إذن تتلخص «خدمات الصحة الجنسية والإنجابية» في:
- التعليم الجنسي باستخدام وسائل منع الحمل، ويفضلون الواقي الذكري، لتقليل فرص الإصابة بالإيدز.
- توفير وسائل منع الحمل مجانًا أو بأسعار زهيدة.
- إباحة الإجهاض قانونًا للتخلص من الحمل غير المرغوب فيه.
أسرع السُبُل لتوصيل «خدمات الصحة الجنسية والإنجابية» للمراهقين:
ولضمان الوصول لأكبر فئة من المراهقين والشباب، اعتمدت الأمم المتحدة عدة سبل أهمها: (وسائل الإعلام) و(النظام التعليمي) و(الهاتف المحمول)، وهو ما نصت عليه وثيقة بكين كما يلي: “إعداد معلومات يسهل الحصول عليها، ونشرها من خلال الحملات الصحية العامة، ووسائط الإعلام، والمشورة الموثوقة والنظام التعليمي .. للمعرفة فيما يتعلق بصحتهم، ولا سيما المعلومات بشأن الأبعاد الجنسية والإنجاب“.[9]
وأيضًا ما نصت عليه استراتيجيات قطاع الصحة بالأمم المتحدة كما يلي: “واستخدام الخدمات الصحية عبر الهاتف المحمول للمراهقين التي هي أنسب وأكثر قبولاً”.[10]
فما هي النتيجة المتوقعة من تقديم وسائل منع الحمل المختلفة وكل المعلومات اللازمة حول استخدام تلك الوسائل للمراهقين والشباب؟! ألا يُعد ذلك ضوءاً أخضر وتشجيعًا لهم على ممارسة الفواحش؟! خاصة أن تلك الوسائل سيتم توفيرها بأسعار زهيدة أو حتى مجانًا لضمان حصولهم. ثم إذا أصيبوا بالإيدز -لا سمح الله-فقط عليهم أن يتوجهوا إلى مراكز «الرعاية الصحية الأولية» ليحصلوا على الاستشارات الطبية والعلاج في «سرية تامة»! وإذا حملت الفتاة من تلك العلاقة الآثمة، فلتتوجه إلى أقرب مركز صحي لتخليصها من ذلك «الحمل غير المرغوب فيه»، أيضًا في سرية تامة!!
نعم للممارسات الجنسية المبكرة .. لا للزواج الشرعي المبكر:
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا، أليس من الأولى نشر ثقافة العفة، وتوجيه الشباب نحو الزواج بدلاً من توجيهه نحو «المراكز الصحية» للحصول على «خدمات الصحة الجنسية والإنجابية» ؟!
ولكن ما يحدث هو العكس تمامًا، فـ «خطة 2030 للتنمية المستدامة» أصرت -شأنها شأن سابقتها من المواثيق الدولية-على المطالبة برفع سن الزواج، ومحاربة الزواج الشرعي المبكر، فقد نص الهدف (5-3) من «أهداف التنمية المستدامة» على: “القضاء على جميع الممارسات الضارة من قبيل زواج الأطفال والزواج المبكر”[11]. كما نص الهدف (8-7) على: “إنهاء عمل الأطفال بجميع أشكاله بحلول عام 2025”[12].
ويحمل هذا النص أربع ملاحظات:
أولاً: فرقت الوثيقة بين «زواج الأطفال» و «الزواج المبكر». فإذا كانت تعتبر الزواج تحت سن الثامنة عشر هو «زواج الأطفال»، فهذا يعني أن ما اعتبرته «زواجا مبكرا» هو بعد سن الثامنة عشر .. أي أن المستهدف رفع سن الزواج القانوني لما بعد الثامنة عشر!
ثانياً: وصف الزواج الشرعي المبكر الذي يحقق العفة والإحصان، ويهيئ للذرية بيئة صحيحة نظيفة بأنه «ممارسة ضارة»، أما الزنا المبكر، وما يترتب عليه من انهيار أخلاقي، وإجهاض، وأطفال غير شرعيين فهو «حقوق إنسان»!
ثالثاً: استخدام عبارة «الممارسات الضارة» بالتحديد، يغير مفهوم الزواج الشرعي المبكر من كونه أمرًا جائزًا ومستحبًا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يا معشرَ الشبابِ مَنِ اسْتطاع منكمُ الباءةَ فليتزوجْ فإنَّه أغضُّ للبصرِ وأحصنُ للفرجِ ومَن لم يستطعْ فعليه بالصومِ فإنه له وِجاءٌ}[13] إلى كونه مجرد «ممارسة»؛ ومن ثم يعطي مُدَّعي حماية حقوق الإنسان الضوء الأخضر لشن حرب ضروس على الزواج الشرعي المبكر بعد أن توافق المجتمع الدولي على اعتباره «ممارسة ضارة».
رابعًا: التأكيد على المنع التام لمن هم دون سن الثامنة عشر من العمل، يعد من سبل التضييق على الزواج تحت سن الـ 18 طالما أن الشاب لن يتمكن من العمل. وفي نفس الوقت يتسبب في التضييق على الأسر ذات الأعداد الكبيرة، فلن يتمكن الشباب من مساعدة أسرته في النفقات، ويظل عبئًا عليها. كما أنه يعتاد على التواكل وعدم تحمل المسئولية، فما الضرر من أن يعمل الشاب في أعمال تناسب عمره ولا تضر مستقبله. والخطأ الأساس هنا جاء من مد سن الطفولة حتى الثامنة عشر. حتى بات الشاب مكتمل الرجولة يعد «طفلاً» من منظور الشرعة الدولية!
هل تساعد «خدمات الصحة الجنسية والإنجابية» حقًا على التنمية؟
إن “هذه الإجراءات بما فيها الوقاية من الأمراض المنقولة نتيجة للاتصال الجنسي غير المنضبط تكلف مليارات الدولارات، مما ينقض إدراجها في مفهوم التنمية الذي تطالب به المنظمة الدولية، ولو أُنفِقت في المجالات الصحية أو التعليمية أو الاقتصادية لكان أولى من إنفاقها في سبيل الحرية الجنسية وعلاج آثارها السيئة من الأمراض. ثم ما علاقة الحرية الجنسية بالتنمية المستدامة؟ لكنها الثقافة التي تسعى الأمم المتحدة لتعميمها على المجتمعات بدعوى تحقيق التنمية والرفاه”[14].
ثانيًا: المطالبة بمساواة الأنواع (الجندر) Gender Equality:
ما هو ”الجندر “Gender؟
“مع بداية التسعينات من القرن العشرين، بدأ مفهوم الجندر يدخل حيز التداول في البيئة الثقافية العربية عبر أدبيات المنظمات الدولية والمؤسسات الأهلية غير الحكومية، وعلى الرغم من غموض المصطلح وغياب التعريف الواضح لمضمونه ودلالاته حتى لدى الكثير من نشطاء هذه المنظمات أنفسهم، لكنهم جميعًا يعلمون أن كلمة «الجندر» هي المفتاح السري للحصول على الدعم والتمويل من منظمات الأمم المتحدة والدول المانحة التي تدعم ما يسمى بـ «العمل التنموي»”.[15]
وتعرف منظمة الصحة العالمية WHO «الجندر» كما يلي: “يشير الجندر إلى الخصائص المؤسَّسة مجتمعيًّا للمرأة والرجل-مثل الأعراف والأدوار والعلاقات بين مجموعات النساء والرجال. وهي تختلف من مجتمع إلى مجتمع ويمكن تغييرها .. وعندما لا يتواءم الأفراد أو الجماعات مع المعايير الجندرية gender norms، غالبًا ما يواجهون الوصمة stigma والممارسات التمييزية أو الاستبعاد الاجتماعي -وكل ذلك يؤثر سلبًا على الصحة”.[16]
إن هذا التعريف في غاية الخطورة؛ لأنه يفيد أن خصائص الرجال والنساء «والعلاقات» فيما بينهم لا علاقة لها بالفطرة والتركيب البيولوجي لكل منهما، وإنما هي «مؤسَّسة مجتمعيًّا» أي أن التربية الاجتماعية هي التي تشكّلها، وهي التي تحدد طبيعة العلاقات بينهما، وبناءً عليه تصبح تلك الأدوار والعلاقات، قابلة للتغيير بتغير ثقافة المجتمع! وبالتالي لا يشترط أن يقوم الرجل بدور القوامة، وما يتبعها من مسئولية الإنفاق وحماية الأسرة، أو أن تقوم المرأة بمسئولية الأمومة ورعاية الزوج والأبناء والبيت، فهي جميعًا –وفقا لتعريف منظمة الصحة-أدوار ليست مبنية على الطبيعة العضوية والفسيولوجية لأي منهما، وإنما مبنية على ثقافة المجتمع. فإذا تغيرت ثقافة المجتمع، يمكن أن يتبادل الرجل والمرأة الأدوار! أو يتقاسمانها، فينتهي تماما التمايز في الأدوار بين الرجل والمرأة، وتلغى القوامة، ويحل محلها التناصف التام لكل المسئوليات والصلاحيات داخل الأسرة. أي أن تصبح سفينة الأسرة بلا قائد فيكون الغرقُ حتميًّا.
كذلك، وفقًا للتعريف، يمكن أن تتغير «العلاقات» بين الجنسين، فتصبح العلاقة الجنسية بين امرأتين، أو بين ذكرين. وتستنكر منظمة الصحة العالمية ما يمكن أن يواجهه هؤلاء الأشخاص أو الجماعات الذين تبدلت أدوارهم و«علاقاتهم»–أي الذين أصبحوا شواذًّا جنسيًّا-من «وصم» و «استبعاد اجتماعي» نتيجة رفض المجتمعات لهم، مدَّعِية أن ذلك يؤثر على الصحة! ومن هذا المنطلق تعطي منظمة الصحة العالمية نفسها الحق في المطالبة بتغيير الثقافات والمعايير المجتمعية حتى لا يشعر أولئك الشواذ المتحولون والمتغيرون بالوصمة! وتصبح الأسر المكونة من ذكرين أو أنثيين طبيعية ومقبولة في المجتمع!!
ويعتبر مصطلح «مساواة الجندر» من أخطر المصطلحات المفصلية التي تمحورت حولها «خطة 2030 للتنمية المستدامة»، حيث تكرر حوالي 14 مرة في الوثيقة منها ما يلي على سبيل المثال:
- نصت «خطة 2030 للتنمية المستدامة» في الديباجة، وكذلك في (الفقرة 3) على أن المنشود من أهداف التنمية المستدامة: “إعمال حقوق الإنسان الواجبة للجميع وتحقيق المساواة بين الجنسين equality gender وتمكين النساء والفتيات كافة empowering all women and girls”[17]. (يتم ترجمة gender equality في الوثائق العربية إلى “المساواة بين الجنسين” وهي ترجمة خاطئة، والصحيح: مساواة النوع/الأنواع).
- كما تم تخصيص الهدف (5) كاملاً لـ: “تحقيق المساواة بين الجنسين gender equality وتمكين كل النساء والفتيات empowering all women and girls”[18]. (يتم ترجمة Women empowerment في الوثائق العربية إلى “تمكين المرأة” وهي ترجمة غير صحيحة، والصحيح هو “استقواء المرأة”).
ويتم تطبيق مصطلح «مساواة الجندر» على مستويين، الأول: تحقيق التساوي المطلق بين الرجل والمرأة في كل المجالات. والثاني: هو مساواة كل الأنواع (الأسوياء والشواذ) في الحقوق والواجبات.
هل «أهداف التنمية المستدامة» قابلة للاجتزاء؟
يرى البعض إمكانية اجتزاء «أهداف التنمية المستدامة» بمعنى تطبيق ما يناسب المجتمع، وترك ما لا يناسبه، رغبةً في الاستفادة من التمويل الضخم الذي يتم ضخه لتطبيق تلك الخطة.
والرد على هذا السؤال، موجود داخل «الخطة» نفسها، حيث نصت الوثيقة في الديباجة على أن: “أهداف وغايات متكاملة غير قابلة للتجزئة“[19]. كما نصت الفقرة (55) على أن: “أهداف التنمية المستدامة وغاياتها متكاملة وغير قابلة للتجزئة .. وعلى كل حكومة أن تقرر سبل إدماج هذه الغايات .. ضمن عمليات التخطيط والسياسات والاستراتيجيات الوطنية”[20]. وتكرر في الفقرة (71) التأكيد على أن: “هذه الخطة وأهداف التنمية المستدامة وغاياتها، بما في ذلك وسائل التنفيذ، هي عالمية وغير قابلة للتجزئة ومترابطة“[21].
ومما يدعو للأسف أن بعض المنظمات غير الحكومية فتحت الباب لتلقي التمويل المصاحب لتطبيق تلك الأهداف، ظنًا منها أنها قادرة على اختيار ما تريده منها. لكن فاتهم أن الأمم المتحدة لا يمكن أن تستمر في التمويل إذا لم تحصل في المقابل على التطبيق الكامل للأهداف. وفي اللحظة الفاصلة، سيكون على تلك المنظمات أن تختار: إما أن تتوقف عن تلقي التمويل، أو أن تتنازل عن مبادئها، وتوافق على التطبيق الكامل للأهداف في مقابل استمرار تدفق ذلك التمويل.
______________
الهوامش:
(*) باحثة متخصصة في قضايا الأسرة.
[1]– تقرير عن الدورة التاسعة والخمسين للجنة وضع المرأة، الأمم المتحدة، نيويورك، مارس 2015. بتصرف.
[2]– تحويل عالمنا: خطة التنمية المستدامة لعام 2030، الهدف (5-6).
[3]– تقرير المؤتمر الدولي للسكان والتنمية، القاهرة 1994، برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية، الفصل السابع، الحقوق الإنجابية والصحة الإنجابية، ألف-الحقوق الإنجابية والصحة الإنجابية، البند (7 – 2).
[4]– إعلان ومنهاج عمل بكين (1995)، المؤتمر العالمي الرابع للمرأة، البند (94).
[5]– تقرير المؤتمر الدولي للسكان والتنمية، مرجع سبق ذكره، البند (7 – 13).
[6]– تحويل عالمنا: خطة التنمية المستدامة لعام 2030، مرجع سبق ذكره، الهدف (3-7).
[7] -Beijing Declaration and Platform for Action، The Fourth World Conference on Women، United Nations, 15 September 1995, Para108/m. (translation from English)
[8]– المرجع السابق، ص 6. (بتصرف)
[9]– إعلان ومنهاج عمل بكين (1995)، مرجع سابق، البند (107/ه).
[10]– مسودة الاستراتيجيات العالمية لقطاع الصحة، الأمراض المُعدية المنقولة جنسيًا، 2016-2021، A69/33، تقرير من الأمانة، الإجراءات ذات الأولوية بالنسبة إلى البلدان، ص 48.
[11]– تحويل عالمنا: خطة التنمية المستدامة لعام 2030، مرجع سبق ذكره، الهدف (5-3).
[12]– المرجع السابق، الهدف (8-7).
[13] – مسند الإمام أحمد، رقم 53/6
[14]– بسام حسن المسلماني، التنمية المستدامة (2030م) وقضايا الجندر: ما هي العلاقة؟، 27/3/ 2016، موقع لها أون لاين.
[15]– محمد شريح، مفهوم الجندر ودوره في نشاط المنظمات الدولية، بحوث ودراسات، 23 /5/ 2007، موقع لها أون لاين الالكتروني.
[16]– Gender، equity and human rights، World Health Organization WHO، Glossary of terms and tools.
[17]– تحويل عالمنا: خطة التنمية المستدامة لعام 2030، مرجع سبق ذكره، الديباجة، والفقرة (3).
[18]– المرجع السابق، الهدف (5).
[19]– المرجع السابق، الديباجة.
[20]– المرجع السابق، الفقرة (55).
[21]– المرجع السابق، الفقرة (71).