تحوّل مشروع “يهودية الدولة” إلى سجال بين “الإسرائيليين” أنفسهم، حيث تشهد المحافل السياسية والحاخامات والصهيونية الدينية جدلاً داخلياً حيال المعطيات الرسمية التي تشير إلى أن ستة من أصل كل سبعة مهاجرين تم استقدامهم ليسوا يهوداً، ولا يستوفون شروط “قانون العودة” ولا يمتون بصلة للديانة اليهودية.
وبحسب إحصاءات رسمية لدائرة السكان والهجرة التابعة لوزارة الداخلية “الإسرائيلية”، فإن 86% من المهاجرين الذين استقدموا إلى “إسرائيل” منذ عام 2012 إلى عام 2019 ليسوا يهوداً، مما يعني أنهم لا يستطيعون الزواج أو الطلاق لدى الحاخامية الرئيسة بـ”إسرائيل”، كونهم مسجلين في السجلات الرسمية بأن لا ديانة لهم.
كما أظهرت إحصائيات صادرة عن الوكالة اليهودية أنه منذ مطلع عام 2010 إلى ديسمبر 2019، هاجر حوالي 255 ألف يهودي إلى “إسرائيل”، من 150 دولة تصدرتها روسيا وأوكرانيا وفرنسا والولايات المتحدة وإثيوبيا، فيما انتهى عام 2019 باستقدام 34 ألف مهاجر.
وتظهر المعيطات الرسمية لوزارة الداخلية أن من بين 180 ألف مهاجر وصلوا “إسرائيل” منذ عام 2012 إلى اليوم وحصلوا على الجنسية الإسرائيلية، هناك فقط 25 ألفاً و375 يشكلون 14% من المهاجرين يدينون بالديانة اليهودية.
قانون العودة
وكشفت الإحصاءات أن أكثر من 15 ألف مهاجر من أصل 180 ألفاً ليسوا يهوداً، ولا ديانة لهم أو يعتنقون ديانة أخرى -بالأغلب المسيحية- تم استقدامهم إلى “إسرائيل” بموجب “قانون العودة” الذي يسمح لأي يهودي في العالم بالقدوم إلى فلسطين التاريخية، والحصول على المواطنة الإسرائيلية إلى جانب الامتيازات والتسهيلات بالسكن والعمل والمساعدات المالية التي تمكنه من الاندماج في المجتمع الإسرائيلي.
وسعياً منها للتقليل من حدة النقاش والسجال في المجتمع الإسرائيلي وعدم الخوض بعمق في حقيقة هذه المعيطات، أعلنت دائرة السكان والهجرة عن إعادة الإحصاءات.
وقالت: إن نسبة غير اليهود من إجمالي المهاجرين إلى “إسرائيل” خلال الفترة المذكورة تبلغ 37.5% فقط وليس 86% كما نشر في البداية، دون الإفصاح عن سبب وحيثيات تعديل الإحصاءات.
وأكدت دائرة السكان والهجرة في وزارة الداخلية أن جميع من تم استقدامهم للبلاد خلال الفترة المذكورة من نسل أو جذور يهودية، وأنهم من نسل والدين أحدهما من جذور يهودية حتى إن كانوا دون ديانة أو يعتنقون ديانة أخرى.
ولفتت إلى أن استقدامهم تم بموجب “قانون العودة” إلى “إسرائيل” الذي وسعه الكنيست ليشمل الحق بالهجرة أيضاً لكل ولد وكل حفيد، وليس فقط للمولود لأم يهودية.
الإكراه الديني
وذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن هذه المعيطات حول استقدام المهاجرين والبنود والشروط المتعلقة ببند الحفيد من نسل يهودي، ومسار تهويد أي شخص واعتناق الديانة اليهودية بحسب تعاليم التوراة والحاخامات الرئيسة في “إسرائيل”، وقانون الأحوال الشخصية؛ هي محور الخلافات الأساسية بين الأحزاب في البلاد.
وأوضحت أن هذا الخلافات بين أحزاب الحريديم ممثلة بحزبي “شاس” و”يهدوت هتوارة” وتحالف الصهيونية الدينية والأحزاب العلمانية مثل “يش عتيد” بزعامة يائير لابيد وحزب “إسرائيل بيتنا” برئاسة أفيجدور ليبرمان، وإلى جانب ملفات فساد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، حالت دون تشكيل حكومة وحدة وطنية يمينية علمانية، ودفعت “إسرائيل” نحو انتخابات ثالثة ستجري في الثاني من مارس المقبل.
ودفاعاً عن “بند الحفيد” الذي يوسع دائرة استقدام المهاجرين إلى “إسرائيل”، يدّعي ليبرمان -المهاجر من أصول روسية- أن هؤلاء ينتمون “للشعب اليهودي”، وأنهم تمت ملاحقتهم لهذا السبب.
وأوضح ليبرمان أن محاولات التنصل من المهاجرين الذين تم استقدامهم من جميع أنحاء العالم، والسعي لعدم الاعتراف بيهوديتهم، يندرج ضمن الإكراه الديني وسعي أحزاب الحريديم لفرض تعاليم توراتية وهيمنة الحاخامية الدينية الرئيسة على الأحوال الشخصية المدنية، والحكم بموجب تعاليم التوراة في “إسرائيل”.
الطابع اليهودي
وفي المقابل، يعتبر معارضو البنود التي أضيفت على “قانون العودة” إلى “إسرائيل” بغرض توسيع دائرة استيعاب المهاجرين، أن استيعاب هؤلاء المواطنين في “إسرائيل” يهدد الطابع الديني واليهودي للدولة، وهو الموقف الذي عبّر عنه وزير الداخلية أرييه درعي زعيم حزب “شاس”.
ويرى درعي أن الإبقاء على هذا الوضع مع ظاهرة المهاجرين الأفارقة والعمال الأجانب، سيغرق “إسرائيل” بالغرباء وسيؤدي إلى زواج مختلط في المستقبل وعدم الحفاظ على العرق اليهودي، لافتاً إلى أن تداعيات الهجرة من دول الاتحاد السوفييتي في تسعينيات القرن الماضي ما زالت تتفاعل، وهناك نحو نصف مليون مهاجر مسجلين في وزارة الداخلية على أنهم ليسوا يهوداً ودون ديانة.
وتعليقاً على معدلات الهجرة والسجال حيال من هو يهودي، قال المحلل السياسي عكيفا الدار لـ”الجزيرة نت”: إن هذه القضايا والملفات الداخلية المتعلقة بالأحوال الشخصية المدنية والزواج المدني والقضايا الدينية والتشريعات التوراتية ومحاولات الإكراه الديني والصراع بين العلمانية والتوراة، تعتبر من أهم أسباب أزمة الحكم في “إسرائيل” والفشل في تشكيل حكومة والذهاب لانتخابات برلمانية ثالثة في غضون عام.
التوازن الديمغرافي
ذات الموقف عبر عنه الحاخام إلياهو كوفمان المحسوب على تيار الحريديم، الذي أوضح أن أسباب ودوافع الارتفاع في معدلات الهجرة إلى البلاد واستقدام مجموعات من المهاجرين غير اليهود والصمت الرسمي “الإسرائيلي” حيال ذلك، هي بالأساس من أجل التوازن الديمغرافي بين العرب واليهود بفلسطين التاريخية.
واستذكر كوفمان ما كشف عنه وزير الدفاع نفتالي بينيت حيال تقرير لوزارة “الهجرة والشتات”، الذي يؤكد وجود نحو 60 مليون إنسان حول العالم لهم علاقة بالصهيونية أو “إسرائيل” أو اليهودية، إذ تفحص الوكالة اليهودية إمكانية استقدامهم إلى البلاد.
وأوضح كوفمان في حديثه لـ”الجزيرة نت” أن عدد اليهود الأصليين بحسب الشريعة الدينية والتوراتية في فلسطين التاريخية يتناقص، بينما عدد الفلسطينيين بين البحر والنهر يتجاوز ستة ملايين فلسطيني.
وأكد أن الدوائر “الإسرائيلية” تتكتم على الحقائق بأن عدد اليهود بين البحر والنهر أقل من عدد الفلسطينيين ومن هم ليسوا يهوداً من العمال الأجانب والمهاجرين الأفارقة، حيث تكون “إسرائيل” بواقع الدولة الثنائية القومية.
______________________
المصدر: “الجزيرة.نت”.