تتواصل المظاهرات الاحتجاجية ضد النخبة السياسية الحاكمة للعراق منذ احتلاله عام 2003م من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، والتي انطلقت في اكتوبر الماضي ومنحها أصحابها تسمية “ثورة تشرين”، ووصل زخمها إلى حد منع المحتجين الأحزاب السياسية من ممارسة انشطتها داخل المدن العراقية.
فبعد أن أقدم المحتجون السبت الماضي 22 أغسطس، في مدينة الناصرية عاصمة محافظة ذي قار جنوبي العراق، على هدم مقار الأحزاب احتجاجاً على استهداف ساحة اعتصامات الحبوبي في المدينة بعبوة ناسفة أدت إلى إصابة عدد من المعتصمين، هاجم المحتجون مقار الأحزاب التابعة لمنظمة بدر (بزعامة هادي العامري)، وعصائب أهل الحق (بزعامة قيس الخزعلي)، وحزب الدعوة (بزعامة نوري المالكي) وتيار الحكمة (بزعامة عمار الحكيم)، وبعد هدمها اتفقت التنسيقيات المنظمة للتظاهرات على منع العمل السياسي بجميع أشكاله في المدينة، لتكون سابقة هي الأولى من نوعها، قد تمتد إلى محافظات أخرى بعد انهيار منظومة الخدمات خصوصاً خدمة الكهرباء وسط ارتفاع كبير بدرجات الحرارة.
تحريض ضد المتظاهرين
وقد علمت “المجتمع” من مصدر إعلامي مطلع في مكتب رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، أن الأحزاب السياسية التي فشلت في معاودة نشاطها خلال الأيام الماضية في الناصرية، وبعد أن اكدت الحكومة المحلية عدم قدرتها على توفير الحماية لها بسبب الاحتقان الذي يعيشه الشارع، لجأت إلى رئيس الوزراء لضبط الشارع وفرض ما وصفته بـ “هيبة الدولة”.
وأضاف المصدر مفضلاً عدم ذكر اسمه، أن الاتصالات واللقاءات بالكاظمي انصبت جميعها باتجاه التحريض على ممارسة العنف ضد المتظاهرين، مشيراً إلى أن الأخير رفض استخدام العنف خشية تفجر الأوضاع في ساحات التظاهر بمدن أخرى، كما حصل في مرات سابقة من عمر الحراك الشعبي.
جدير بالذكر أن زخم الاحتجاجات في العديد من المدن العراقية، وفي مقدمتها العاصمة بغداد، تراجع بسبب مخاطر تفشي وباء كورونا “كوفيد 19″، إلا أنها تعاود النشاط كلما استجد في العملية السياسية أمر جديد، ومن المعروف أن الساحات تتضامن مع بعضها كلما تعرض أحدها لأي نوع من أنواع العنف، ويستخدم النشطاء وسائل التواصل الاجتماعي للتحشيد والتظاهر، وفي الغالب لا تنجح محاولة الحكومة حجب هذه المواقع أو إضعاف شبكة الانترنت في ثني المتظاهرين عن عزمهم.
التظاهرات ورقة ضغط
ويرى محللون أن رئيس الوزراء العراقي في وضع لا يحسد عليه، حيث تضغط القوى السياسية عليه لوضعه في مواجهة المتظاهرين الغاضبين، ليأخذ مسار سلفه عادل عبد المهدي الذي اسقطته الاحتجاجات بسبب العنف المفرط الذي مورس في عهده ضد ساحات التظاهر.
المحلل السياسي العراقي عادل الدليمي، يرى أن ذهاب الكاظمي باتجاه مواجهة الاحتجاجات أمر مستبعد، لأنه حاول منذ توليه منصبه تقديم نفسه كممثل لتيار الإصلاح الذي فجر الاحتجاجات.
وفي حديثه لـ “المجتمع” قال الدليمي: الراجح عندي أن الكاظمي يستخدم الاحتجاجات في الوسط والجنوب كورقة للضغط على الأحزاب في سبيل تحقيق الإصلاحات التي يطالب بها الشارع العراقي، استعدادا لانتخابات يدور الكثير من الجدل بشأن موعدها وقانونها، برغم وجود إجماع غير معلن على ضرورة إجرائها في موعد مبكر في ربيع 2022م.
ونوه المحلل السياسي العراقي، إلى أن هناك مؤشرات تدل على أن الكاظمي يتعامل مع التظاهرات كورقة ضغط منها؛ تعينه لنشطاء ومشاركين في قيادة الحراك الشعبي كمستشارين له، منهم مشرق عباس وكاظم السهلاني ورائد جوحي وهشام داود وحارث حسن، وهذه من الخطوات التي تعترض عليها الأحزاب الشيعية، وتعتبرها تشجيعاً للحراك العبي ضد قيادات العملية السياسية.
وفي ذات السياق، نقلت وسائل إعلام عراقية محلية، عن رئيس كتلة الفتح النيابية، ثاني أكبر كتل البرلمان العراقي محمد الغبان قوله: إن قادة الكتل ناقشوا مع الكاظمي ما يجري من أحداث وتصعيد في المحافظات الجنوبية، وأكدوا على أهمية إعادة هيبة الدولة وسيادة القانون وعدم السماح للمخربين بالعبث بأمن البلاد.
وينتمي الغبان إلى منظمة بدر التي تعرض مقرها في الناصرية للحرق والتجريف على أيدي المتظاهرين، وهي جزء من مكونات تحالف الفتح الذي يضم أبرز زعماء الأحزاب الشيعية المكونة لهيئة الحشد الشعبي.
وتعيش الساحة السياسية العراقية حالة قلق مزمن بسبب تصاعد الاحتجاجات الشعبية، حيث اندلعت الأسبوع الماضي احتجاجات واسعة في مدينة البصرة كبرى مدن الجنوب بعد مقتل عدد من النشطاء على يد مجهولين، حيث أضرم محتجون النار في مكتب مجلس النواب (البرلمان)، مطالبين بإقالة المحافظ بعد مقتل اثنين من الناشطين وإصابة آخرين في ثلاث هجمات منفصلة، نفذها مسلحون مجهولون، وإثر ذلك أقال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي مسؤولين في شرطة البصرة والأمن الوطني، وأمر بفتح تحقيق في أعمال العنف.