مع صدور هذا العدد من جريدة “القبس” يبدأ مجلس الأمة مناقشة المقترحات المتعلقة بمعالجة أوضاع “البدون”! وكنت في مقال سابق أطلقت عليها مشروع الجهاز المركزي! لقناعتي أن معظم أفكاره من عند القائمين على هذا الجهاز، ويفترض أن يرفق بتقرير اللجنة المختصة تقرير آخر تم رفضه من اللجنة التشريعية قدمه النائب عبدالله فهاد وآخرون، في نفس الموضوع.
نعتقد أنه لا يمكن حلّ مشكلة البدون بالقوة.. نعم، يظن من يتبنى هذا الطرح، أننا بالقانون نستطيع أن نعالج مشكلاتنا الاجتماعية والسياسية، وهذا أسلوب من يجهل واقعه الاجتماعي والسياسي، حيث إنه يرتكز على إحصائيات وبيانات الجهاز المركزي للبدون، وكلنا نعرف مدى الظلم الذي يمارسه هذا الجهاز مع هذه الشريحة من المجتمع الذي نعيش فيه! فهو اكتشف مصرياً بدوناً وعراقياً من الجيش الشعبي ما زال على رأس عمله، وكم قصة أخرى من هنا وهناك، وأخذ يطنطن فيها كمثال على واقع المائة ألف بدون الموجودين بالكويت! بينما مقترح فهاد يعتمد على من لديه إحصاء 1965م كأصل للتجنيس!
أما مطالبة البدون بتعديل أوضاعهم، فذلك يعني أن كل واحد يرجع لأصله ويستخرج جواز البلد التي جاء منه أجداده! طيب الذي لا يتمكن من ذلك؟ فهل يستخرج له جواز سفر من أي دولة، يعني يشتري له جوازاً مزوراً، نحن نفهمها هكذا!
مقترح فهاد يقول: إن من لا تنطبق عليه شروط التجنيس وليس عليه قيود أمنية يمنح إقامة لمدة خمسة عشر سنة يتمتع فيها بالكثير من الحقوق المدنية كالتعليم والصحة والعمل وفقاً للضوابط! ولا يعتبر الجهاز المركزي للبدون مرجعاً في صحة بيانات هذه الفئة، بل يرى أن الإدارة العامة للجنسية ووزارة الداخلية بأجهزتها الأمنية هي المرجع في هذا الموضوع.
نحن لا نميل إلى مقترحات لا يمكن تطبيقها، وإن طُبقت بالقوة فستنشأ لدينا مشكلات جديدة لم تكن في أيام أسلافنا، وسيتحول هذا العدد الضخم إلى قنابل موقوتة يتحمل عواقب تفجرها من ضيق عليهم في أرزاقهم!
منذ عشرات السنين ونحن نضيق عليهم في لقمة العيش وفي حركتهم وفي مستقبل أولادهم، واضطروا للاستدانة والعمل بالوظائف المهينة مع حصول الكثير منهم على مؤهلات علمية عالية، لكنها لقمة العيش الحلال التي ما زال الكثير منهم يحرص عليها!
ربما يمر القانون في مجلس الأمة، لكننا لا ندرك حجم الكارثة التي نؤسس لها في قاعة عبدالله السالم دون أن نشعر!
الكويت للكويتيين صحيح، لكن البدون لم يكونوا نبتاً شيطانياً، بل نبت معنا وأمام أعيننا وبمباركة رسمية من الدولة في بعض مراحله!
معظم دول العالم تجنس من يحمل مؤهلاً علمياً، أو يملك مبلغاً من المال يستثمره في النشاط الاقتصادي المحلي، أو مضى على تواجده سنوات محدده بدون إخلال بالأمن الوطني، ونحن اليوم نريد تمرير مقترح يرفض من لديه تواجد في الكويت منذ أكثر من نصف قرن! بحجة أن أصوله عراقية أو إيرانية أو سعودية! ويتناسى حقيقة مرعبة له وهي أن نصف الكويتيين قدموا من هذه الديار في خمسينيات القرن الماضي وستينياته!
اليوم مجلس الأمة إما أن يختم أعماله بإقرار هذه الكارثة الأمنية أو بتحمل مسؤولياته ويرفضها حرصاً على أمن البلد والوجه الإنساني له!
حفظ الله الكويت وشعبها من كل مكروه.