– تمثل الناصرية معقلاً رئيساً لحركة الاحتجاج ضد الحكومة
– تنسيقية متظاهري الناصرية: قوات الأمن متواطئة مع أنصار الصدر في الهجوم على الساحة وقمع المحتجين
– لفتة: الإعداد لتظاهرات ستشمل مدن جنوب العراق رداً على مجزرة الناصرية
– شاب يحرق نفسه احتجاجاً على القمع الذي تعرض له معتصمو الناصرية والكوت
تشهد مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار جنوبي العراق توتراً شديداً ينذر بانفجار الوضع في جنوب البلاد، إثر الصدامات التي وقعت بين أنصار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، والمتظاهرين المعتصمين في ساحة الحبوبي وسط المدينة، يوم الجمعة الماضي.
وخرج أنصار الصدر يحملون صوره في مسيرة بعد صلاة الجمعة إلى ساحة الحبوبي، حيث يعتصم محتجون مناهضون للحكومة منذ عام 2019، وبحسب شهود عيان؛ فإنهم أطلقوا أعيرة نارية وألقوا قنابل حارقة على خيام المحتجين التي احترقت؛ ما دفع المحتجين للرد والاشتباك معهم بالأيدي والحجارة، ليسقط في الصدام أكثر من 100 شخص بين قتيل وجريح.
وتمثل الناصرية معقلاً رئيساً لحركة الاحتجاج ضد الحكومة، حيث استمر المتظاهرون المعارضون للحكومة بنصب خيامهم في ساحة الحبوبي، على الرغم من انسحاب معظم المحتجين في بغداد وباقي المحافظات منذ عدة أسابيع.
دعوة لانتفاضة جديدة
أصدرت اللجان التنسيقية لمتظاهري الناصرية بياناً أمس السبت، اتهمت فيه قوات الأمن العراقية بالتواطؤ مع أنصار الصدر في الهجوم على الساحة وقمع المحتجين.
وطالب البيان الذي وصل “المجتمع” نسخة منه، رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي بالاستقالة، والأمم المتحدة بالتدخل لحمايتهم، مشيراً إلى أن حصيلة الاعتداء بلغت نحو 100 مصاب بين قتيل وجريح.
وتحدث البيان عن أن مليشيات تابعة لإحدى الجهات الحزبية اقتحمت الساحة، واعترفت بالجريمة عبر بيانات تابعة لقيادتها، وهي محملة بكل أنواع الأسلحة.
وأضاف البيان أن هذه الميليشيات أقدمت على حرق وتجريف كل الخيم في ساحة الحبوبي، وسيطرت سيطرة مطلقة على مركز المحافظة بأسلحتها واستطاعت إسقاط المدينة بيدها، والقوات الأمنية والحكومة المركزية والمحلية بوضع تفرج غريب.
وتابع البيان: حدثت هذه المجزرة أمام أنظار القوات الأمنية بكل صنوفها، ولم تقدم أي حماية لساحة الحبوبي، وكأن الأمر تم باتفاق بين الطرفين.
وفي محاولة لامتصاص الغضب الشعبي، فرضت الحكومة المحلية في محافظة ذي قار حظراً للتجوال في المدينة، وعمدت إلى إقالة قائد شرطتها وتعيين بديل له.
وأكد شهود عيان في المدينة لـ”المجتمع” أنه بعد ساعات قليلة على تنفيذ حضر التجوال، تحدى المتظاهرون القرار، وعاد المئات منهم إلى ساحة الحبوبي التي تم حرق خيامهم فيها واقتلاع منصاتهم منها بواسطة جرافات استقدمها أنصار الصدر، ونصبوا الخيام فيها من جديد.
مقتدى الصدر طالب متظاهري مدينة الناصرية بالعودة إلى منازلهم سالمين، بعد أن كسروا حظر التجوال المفروض.
وقال في تغريدة عبر موقع التدوينات القصيرة “تويتر”: أنصح المعتصمين أن يعودوا إلى منازلهم سالمين آمنين، فهم بحاجة إلى تنظيم صفوفهم من أجل العملية الديمقراطية القادمة، في إشارة إلى الانتخابات المبكرة المقرر إجراؤها في 6 يونيو من العام المقبل.
وتابع محذراً: وإلا ضاعت حقوقهم بين مطرقة متشدديهم وسندان الفاسدين.
وطالب الصدر في تغريدته الحكومة بـ”فرض الأمن والقانون في المدينة”.
وقال الناشط عامر لفتة، عضو اللجان التنسيقية لمتظاهري الناصرية لـ”المجتمع”: إن تواصلاً بين النشطاء جار على قدم وساق، بهدف الإعداد لتظاهرات ستشمل مدن جنوب العراق كلها، رداً على مجزرة الناصرية.
وأضاف لفتة إلى أن اجتماعات عقدت عبر شبكة الإنترنت، حضرها نشطاء مدن البصرة وكربلاء والنجف، واتفق المجتمعون على ضرورة إعادة زخم المظاهر الاحتجاجية بشتى أشكالها، رداً على جريمة قمع متظاهري الناصرية.
وأكد نجاح شباب الناصرية في استعادة ساحة الحبوبي، وتم نصب سبع خيام في الساحة بدل التي حرقها أنصار الصدر، مشيراً إلى استمرار تجمع المئات من المحتجين استعداداً لتشييع جماعي لضحايا الساحة الذين قتلوا بنيران أنصار الصدر.
على خطة البوعزيزي
وفي مدينة الكوت مركز محافظة واسط التي تبعد 180 كم جنوب العاصمة بغداد، أقدم شاب على حرق نفسه احتجاجاً على القمع الذي تعرض له معتصمي الناصرية والكوت، ولم تنجح كل محاولات الإسعاف التي قدمت له لإنقاذ حياته، بحسب الناشط علي أبو الليل.
وقال أبو الليل لـ”المجتمع”: إن الشاب العشريني حسين كاطع أضرم النار في نفسه بعد اقتحام ساحات التظاهر في الكوت لفض الاعتصام ورفع الخيم، الذي جاء بالتزامن مع اقتحام ساحات التظاهر في الناصرية.
وأضاف: أنا أعرف كاطع، رحمه الله، كنا في خيمة واحدة في ذروة انتفاضة أكتوبر، وكان كثيراً ما يتحدث عن التونسي محمد البوعزيزي، الذي أحرق نفسه وكان ذلك الحدث شرارة أججت الاحتجاجات في تونس وأسقطت نظام زين العابدين بين علي.
وتابع أبو الليل: الشاب الفقيد كان يردد دائماً أننا بحاجة إلى من يضحي بنفسه ليكون أيقونة للثورة مثل البوعزيزي، مؤكداً أن هناك العشرات من الشباب العراقي في ساحات التظاهر يحمل مثل هذه الفكرة، لذلك تجد هذا الإصرار على الاعتصام والتظاهر رغم التهديدات والاعتقالات والاغتيالات.
وأشار الناشط العراقي إلى أن مدينة الكوت تشهد غضباً عارماً على مستوى النشطاء والعشائر، بسبب اقتحام ساحات التظاهر في الناصرية ومحاولة تكرار السيناريو في الكوت، وقد خرج المئات منهم في تظاهرات واسعة قرب ديوان المحافظة والشارع الرئيس في المدينة وأغلقوا جزء من الشارع بالإطارات والحجارة.
وأكد أبو الليل أن محاولة اقتحام ساحة الاعتصام في الكوت أدت إلى مقتل معتصمين اثنين، أحدهما قتل إثر إصابته بقنبلة دخانية، وقتل الآخر نتيجة تعرضه للدهس من قبل سيارة تابعة للقوات الأمنية.
جدير بالذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية أدانت، أمس السبت، أعمال العنف ضد المتظاهرين في مدينة الناصرية.
وقالت السفارة الأمريكية في العراق بمنشور عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”: إن الولايات المتحدة تنضم إلى المجتمع الدولي في الدعوة إلى محاسبة المسؤولين، مشيرةً إلى أنه لا مكان لأعمال العنف غير المبررة في أي ديمقراطية.
ودعت السفارة الحكومة العراقية إلى “توفير الحماية للمتظاهرين وغيرهم من المشاركين في الممارسة المشروعة لحرية التعبير”.
ويشهد العراق منذ أكتوبر 2019، احتجاجات شعبية واسعة مناهضة للفساد، ومطالبة بإزالة النخبة السياسية الحاكمة في البلاد، التي أتت للسلطة عقب احتلاله العراق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية عام 2003.