يصادف السابع عشر من رمضان ذكرى غزوة بدر الكبرى التي جرت في السنة الثانية من الهجرة النبوية، بين المسلمين في المدينة المنورة بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم، ومشركي قريش، في عدم تكافؤ في العدد والعتاد لصالح المشركين؛ فالمسلمون إذاك نحو ثلاثمائة وسبعة عشر رجلاً، مقابل ألف مقاتل من كفار قريش، وقد كتب الله تعالى فيها انقلاب الموازين المادية للبشر؛ فانتصرت القلة التي آمنت بالله تعالى وأسلمت له على الكثرة الكافرة الجاحدة، وجاء الرد سريعاً من الله تعالى قرآناً يتلى إلى يوم القيامة: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ) (الأنفال: 9).
إن أحداث غزوة بدر معروفة لدى الجميع، ولكن لهذه الغزوة الكبرى في تاريخ الإسلام الكثير من الدروس العظيمة والعبر لمن يعتبر؛ فمنذ قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إلى أقرب نقطة في “بدر”، واستماعه لرأي الصحابي الجليل الحباب بن المنذر رضي الله عنه، وكذلك صحابته رضوان الله عليهم، بالمكوث عند الآبار، قائلاً للنبي صلى الله عليه وسلم عن سبب الاختيار للمكان: «يا رسول الله، أمنزلاً أنزلكه الله ليس لنا أن نتعداه، ولا نقصر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟»، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بل هو الرأي والحرب والمكيدة»، فأشار على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بتغيير موضع معسكره ليحولوا بين جيش المشركين وماء بدر.
ففي الدرس الأول، هؤلاء هم القادة العظام الذين يستمعون لآراء ونصائح المصلحين والمحبين الذين لا يريدون لدينهم وأوطانهم إلا الخير، وقد كانت هذه المشورة أحد أسباب النصر المبين.
وكذلك من الدروس في هذه الغزوة الإيمان بنصر الله رغم قلة العدد والعتاد، إلا أن الوعد الإلهي آتٍ لا محالة، عندما يكون هناك يقين وإيمان بالله سبحانه، قال تعالى: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ {9} وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (الأنفال)، فالإيمان بنصر الله تعالى هو المفتاح لكل مجاهد سواء في جبهات القتال، أو في نواحي الحياة المختلفة، فالله تعالى يأمرنا أن نأخذ بالأسباب ثم نتوكل عليه سبحانه، وعندما سأل رجل الرسول صلى الله عليه وسلم عن ناقته قائلاً: أُرْسِلُ ناقتي وأتوكَّلُ، أم أعقِلُهَا وأتوكَّلُ؟ قال عليه الصلاة والسلام: “بل اعْقِلْها وتوكل”، فالتوكل على الله يعطيك دفعه إلى النصر وإلى العمل الجاد.
وكذلك من الدروس المستفادة أهمية الدعاء والإلحاح على الله تعالى، وقد ظل النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه قائلاً: “اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تُعْبد في الأرض”، وكان صلى الله عليه وسلم يلح في الدعاء حتى سقطت بردته من على منكبيه، فأتاه أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأخذ رداءه فأعاده على منكبيه، فالدعاء من المفاتيح السرية للنصر ولكل عمل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنّ اللهَ يَستَحيي إذا رفَع إليهِ عَبدَه يَدَيْه إليهِ -أي إلى السّماء- أن يَرُدّهُما خَائبِتَين”.
ومن دروس الغزوة كذلك الاهتمام بقطع الطرق التجارية للعدو، فاختيار مكان “بدر” وهو في طريق قوافل قريش يعطينا درساً بأهمية المقاطعة الاقتصادية والتجارية للأعداء، وهذا ما شاهدناه مؤخراً من خلال المقاطعة الاقتصادية لفرنسا بعد تعديها على الإسلام وشخص نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم.
ومن الدروس المستفادة أيضاً اكتساب المهارات القتالية، فالذي يستمر بالتدريب ورفع الروح القتالية عالياً لأجل هدفٍ سامٍ وهو نصرة دين الله تعالى والثبات على طريق النصر؛ هو من يكون له النجاح والثبات في الدنيا، والثواب الجزيل والجنة في الآخرة.
إن لغزوة بدر دروساً كثيرة جداً، عرضنا بعضها في هذه السطور البسيطة؛ علّها تنفع المؤمنين.