حظيت لجنة تفكيك نظام الرئيس السابق عمر البشير، أو ما يطلق عليها لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد في السودان باهتمام متعاظم منذ لحظة إعلان تشكيلها وحتى حلها.
وفي 10 ديسمبر/كانون الأول 2019م، أصدر قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان الذي كان يرأس المجلس السيادي الانتقالي قبل أن يحله الإثنين الماضي، قراراً بتشكيل اللجنة لإنهاء سيطرة رموز نظام الرئيس المعزول عمر البشير على مفاصل الدولة، ومحاربة الفساد، واسترداد الأموال المنهوبة.
وظلت اللجنة على مدار عامين أكثر مؤسسة حكومية موضع شد وجذب بين تيار داعم بقيادة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وقوى إعلان الحرية والتغير وقطاع كبير من الشعب السوداني والقوى الثورية على رأسها تجمع المهنيين ولجان المقاومة.
وأكد المكون العسكري في مجلس السيادة (قبل حله) أكثر من مرة دعمه للجنة بحسب تصريحات البرهان ورئيس اللجنة المستقيل ياسر العطا الذي بقى رئيسا لها لنحو عام قبل أن يتوقف عن الظهور في فعالياتها وتقديم استقالته لاحقا من رئاستها ليحل مكانه عضو مجلس السيادة (المنحل من المكون المدني) محمد الفكي سليمان .
والإثنين الماضي، أعلن البرهان حل مجلس السيادة الذي كان يترأسه وكذلك الحكومة برئاسة عبدالله حمدوك، و”تعليق العمل” بمواد عدة من الوثيقة الدستورية التي تم التوصل اليها بين العسكريين والمدنيين الذين قادوا الاحتجاجات ضد البشير في 2019م.
وفي آخر بند في بيان للبرهان قال، إنه جمد عمل لجنة تفكيك نظام البشير لحين مراجعة قانون عملها واتخاذ موقف بشأنه.
“رأس رمح الثورة”
وقبل إجراءات الإثنين التي أعلن عنها البرهان، كان السودان يعيش، منذ 21 أغسطس/ آب 2019م، فترة انتقالية تستمر 53 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقعت مع الحكومة اتفاق سلام في 2020م.
وبدأت هذه الفترة الانتقالية في أعقاب عزل الجيش في 11 أبريل/ نيسان 2019م، عمر البشير من الرئاسة، تحت ضغط احتجاجات شعبية مناهضة لحكمه، والذي وصل إلى السلطة عبر انقلاب عسكري في 1989م.
وتبدو أهمية لجنة إزالة التمكين في أنها تعتبر “رأس رمح الثورة” بحسب مؤيدين، في تفكيك نظام المعزول البشير الذي مكن لعناصره من مفاصل الدولة في كل الوظائف الحكومية كما مكنها من السيطرة على الاقتصاد بالفساد.
فيما يرى منتقدو اللجنة أنها “تعمل على تصفية حسابات سياسية وشخصية” ويدعم هذا الرأي وزير المالية في الحكومة المنحلة جبريل إبراهيم القيادي بميثاق “التيار الوطني” (أحد مكونات قوى الحرية والتغيير)، و حزبا “المؤتمر الشعبي”، و”الأمة” بزعامة مبارك الفاضل.
ماذا فعلت؟
بدأت لجنة إزالة التمكين عملها بكثافة وأعلنت عن كشفها لفساد كبير خلال عهد البشير وصادرت أراضي بمئات آلاف الأمتار المربعة من قيادة النظام السابق وعلى رأسهم أفراد أسرة الرئيس المعزول.
كما حلت اللجنة عشرات المنظمات الطوعية وصادرت أمولها لاتهامها بالعمل تحت غطاء العمل الطوعي والحصول على أراضي، وكذلك صادرات شركات مملوكة لقيادة ورجال أعمال كانت تحصل على تمويل وامتيازات وتدعم به أعمال الحزب الحاكم.
وتشير التقديرات غير الرسمية، إلى أن الأموال التي صادرتها لجنة إزالة التمكين تتجاوز مليار دولار.
كما فصلت اللجنة مئات العاملين في أجهزة الدولة من قضاء ووكلاء نيابة وأجهزة إعلامية ووزارات بما فيها وزارة الخارجية لحصولهم على الوظيفة بدون وجه حق، حسب اللجنة.
معارضو اللجنة
رغم الدعم المتواصل والمتزايد للجنة إزالة التمكين شعبيا ومن أحزاب قوى الحرية والتغيير والمسؤولين الحكوميين، إلا أنها وجدت انتقادات على طريقة عملها، حيث أن قراراتها لا يمكن مراجعتها بسبب عدم تشكيل “لجنة الاستئناف العليا لإزالة التمكين” والتي كان مقررا أن تباشر عملها كجهة معنية بمراجعة قرارات اللجنة.
فيما كان الرئيس المناوب للجنة التفكيك وعضو المجالس السيادي المنحل محمد الفكي أعلن سابقا أن “هناك تأخير في تكوين لجنة الاستئناف العليا من مجلس السيادة رغم مطالبتنا المتكررة لتشكيلها”.
ولم يصدر أي تعليق من المكون العسكري في مجلس السيادة حينها.
وأخذت قصة الهجوم على اللجنة منحى تصاعدي، بعد اتهام عدد من العاملين فيها بالفساد وفتح تحقيق في ذلك.
ومؤخرا، أعلنت اللجنة أنها أوقفت عاملين، وأحالت القضية إلى النيابة العامة في قضايا فساد وابتزاز مع شركة أجنبية (صينية) ومنع النائب العام تناول القضية حتى انتهاء التحقيق فيها، وهي القضية التي اعتبرها مناصرو اللجنة تدل على شفافية عمل اللجنة.
إلا أن اللجنة اعتبرت الهجوم عليها لن يوقف عملها، باعتبار أنها تضم عددا كبيرا من العاملين من جهات حكومية مختلفة.
وتعهدت اللجنة بتقديم أي شخص من العاملين معها يتورط في فساد للمحاكمة.
وقاد الهجوم على اللجنة حزب “المؤتمر الوطني” (الحاكم سابقا)، و”المؤتمر الشعبي” الذي أسسه الراحل حسن الترابي (معارض)، وحزب “الأمة” بقيادة مبارك المهدي (معارض).
واعتبر هؤلاء أن لجنة إزالة التمكين “سياسية، وتمارس تصفية الحسابات”، مطالبين “بتكوين مفوضية قومية لمكافحة الفساد”.
وقال القيادي بميثاق “التيار الوطني” لقوى الحرية والتغيير التوم هجو، الأربعاء، إن لجنة إزالة التمكين “اعتقلت العشرات دون جريرة”، معتبرا أن تجميدها “كان واجبا وضروريا”.
تفاقم الأزمة
عقب المحاولة الانقلابية الفاشلة التي نفذها عناصر في الجيش الشهر الماضي تفاقمت الأمور بين أعضاء المكون العسكري في مجلس السيادة ولجنة إزالة التمكين بعد تبادل الانتقادات بين رئيس المجلس ونائبيه من جانب، والمكون المدني على رأسه محمد الفكي في الجانب الآخر.
وفي 21 سبتمبر/ أيلول الماضي، أعلن الجيش عن إحباط محاولة انقلابية تقف ورائها “عناصر عسكرية”، قبل أن يعتبر نائب رئيس مجلس السيادة (المنحل) محمد حمدان دقلو (حميدتي) في اليوم التالي، أن “أسباب الانقلابات العسكرية هم السياسيون الذين أهملوا خدمات المواطن وانشغلوا بالكراسي وتقسيم السلطة”.
ورد رئيس لجنة إزالة التمكين محمد الفكي سليمان قائلا: “هناك محاولة من المكون العسكري لتعديل المعادلة السياسية وهذا مخل بعملية الشراكة”، واصفا ذلك بأنه “الانقلاب الحقيقي”.
وفي 26 سبتمبر الماضي، صدرت تعليمات للقوات المشتركة (مكونة من قوات عسكرية وعناصر شرطية) التي تحرس الأصول والعقارات المستردة بالانسحاب وإخلائها فورا” وفق ما أعلنت لجنة إزالة التمكين في حينه، معربة عن استغرابها من القرار.
وفي 27 سبتمبر الماضي، أعلنت لجنة إزالة التمكين تعرض أحد مقارها في إقليم دارفور غربي البلاد، لعمليات “سرقة ونهب واتلاف”.
ولم تتهم اللجنة في حينة جهة محددة بالوقوف وراء الحادث، لكنها قالت إنه “يأتي في إطار مسلسل استهداف لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو/حزيران 1989 واسترداد الأموال العامة والتآمر على مكتسبات الثورة”.
وبحسب مراقبين فإن حادثة سحب القوات المشتركة أكدت بوضوح على خلاف عميق بين العسكر والمدنيين بشأن اللجنة.
مصير اللجنة
يرى مراقبون أن قرار البرهان بتجميد عمل اللجنة، “وأد روح الثورة” ولم تعد كما كانت، باعتبارها كانت أبرز مطالب الثورة السودانية، ويستندون في ذلك إلى أن “اللجنة التي يمكن أن تشكل كخلف لهذه اللجنة، ستعمل بتوجيه مباشر من البرهان، وستحمي الكثيرين”.
بينما يرى آخرون، أن البرهان والجيش الذي أعلن أنه سيصحح مسار الثورة، “لن يسمح بحماية الفساد”.