تتوالى في الجزائر قرارات إنهاء التعامل باللغة الفرنسية في عدة قطاعات حكومية، وسط دعوات لتعزيز مكانة العربية باعتبارها اللغة الرسمية للبلاد، وكذا دعم تواجد الإنجليزية في التعليم.
وجاءت هذه القرارات في ظل أزمة متصاعدة مع فرنسا، بعد تصريحات لرئيسها إيمانويل ماكرون، وصفت بـ”المسيئة”، حيث طعن في تاريخ الجزائر، ما أدى لسحب الأخيرة سفيرها من باريس، ومنع تحليق الطيران العسكري الفرنسي في أجوائها.
وعادة ما تشهد الجزائر جدلا بشأن مكانة الفرنسية في الأوساط الرسمية بالدرجة الأولى، إذ يحتج معارضون، وخصوصا من المحافظين، على صدور خطابات رسمية بالفرنسية، وتداول وثائق في الإدارات الحكومية باستخدامها.
وفي يناير/كانون الثاني 1991، أصدرت السلطات الجزائرية قانونا يقضي بتعميم استخدام العربية في المعاملات كلها داخل القطاعات الحكومية، لكن تطبيقه بقي معلقا لأسباب يقول معارضون إنها تعود لنفوذ ما يُسمى “اللوبي الداعم لفرنسا” بالبلاد.
ويقول خبراء ومؤرخون، إن انتشار الفرنسية في الجزائر يعود إلى فرضها خلال الحقبة الاستعمارية التي استمرت 132 سنة (1830 -1962)، ومحاربة الاحتلال للعربية، فضلا عن تأخر تطبيق قوانين لتعريب الإدارة والتعليم بعد الاستقلال.
ولم يسبق أن شهدت الجزائر قرارات رسمية وغير رسمية بهذا الحجم ضد استخدام الفرنسية في مختلف القطاعات الحكومية، وهذه أهمها:
1- كانت أقوى هذه القرارات إصدار ثلاث وزارات هي: التكوين المهني، والشباب والرياضة، والعمل، تعليمات إنهاء التعامل بالفرنسية، واستخدام العربية حصرا في جميع المراسلات والتقارير ومحاضر الاجتماعات والوثائق.
وثمة معلومات متداولة داخل وزارات بوجود تعليمات شفهية من أعلى سلطات البلاد، بإنهاء التعامل بالفرنسية داخل القطاعات الحكومية، لكن لم يتسن للأناضول التأكد من صحة تلك المعلومات.
2- كانت وزارة الدفاع السباقة لإنهاء التعامل بالفرنسية في مختلف إداراتها العسكرية وشبه العسكرية، وذلك منذ سنوات طويلة، لكن هذه العملية تسارعت خلال السنوات الأخيرة، باستبدال الفرنسية بالإنجليزية في كل لافتات المؤسسات التابعة لها.
كما سرعت وزارة العدل خلال السنوات الماضية، استبدال الفرنسية في معاملاتها الإدارية بالعربية، كما أن القضاة يرفضون محاكمة المتهمين الناطقين بالفرنسية دون حضور مترجمين.
3- تداول نشطاء بالمنصات الاجتماعية، إصدار مؤسسات صحية حكومية خلال الأيام الماضية، تعليمات لوقف التعامل بالفرنسية، علما أن قطاع الصحة يعد أهم معقل للناطقين بها، كما أن دراسة الطب بجامعات البلاد، يتم بهذه اللغة.
4- وردا على تصريحات ماكرون، طالبت حركة “مجتمع السلم” (أكبر حزب إسلامي بالجزائر) في بيان، يوم 3 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، إلى تفعيل قانون تعميم استخدام العربية، ومنع تداول الفرنسية في الوثائق والخطابات والاجتماعات الرسمية.
5- من جهته، دعا عبد الرزاق قسوم، رئيس جمعية “العلماء المسلمين الجزائريين” (أكبر تجمع للدعاة بالبلاد)، إلى “قطع الصلة بلغة فرنسا وثقافتها كأفضل رد على ماكرون”.
وقال قسوم للأناضول: “أحسن جواب نجيب به هؤلاء (الفرنسيين) هو وحدة الصف والكلمة والعودة إلى الذات، لأنها تعني التخلي عن لغة العدو وثقافته، وكل ما من شأنه المساس بسيادتنا وهويتنا وشخصيتنا”.
6- في 25 أكتوبر الجاري، وجهت طالبي خولة، النائبة بالبرلمان، عن حركة “البناء الوطني” (إسلامية)، سؤالا كتابيا لوزير التعليم عبد الحكيم بلعابد، طالبته فيه بتدريس الإنجليزية في المرحلة الابتدائية باعتبارها أكثر لغة انتشارا بالعالم.
يُذكر أن تدريس الفرنسية بالمدارس الجزائرية يبدأ في السنة الثالثة ابتدائي، أما الإنجليزية فيبدأ تدريسها في السنة الثانية من التعليم المتوسط (إعدادي).
7- افتتحت وزارة التعليم العالي، بمناسبة الدخول الجامعي لهذا العام، معهدين الأول للرياضيات والثاني للذكاء الاصطناعي، يتم التدريس فيهما لأول مرة بالإنجليزية بدل الفرنسية.
ويستقبل المعهدان فقط الطلبة المتفوقين في امتحانات البكالوريا (الثانوية العامة) في شعبتي الرياضيات والعلوم الدقيقة، بمعدل لا يقل عن 17 من 20.
وذكرت سفارة الولايات المتحدة بالجزائر، في بيان سابق، أن اعتماد الإنجليزية للتدريس في المعهدين، “سيغير مستقبل التعليم بالبلاد”.
8- مطلع أكتوبر الجاري، أطلق “منتدى المواطنة والبيئة الجزائري” (مستقل)، حملة جمع توقيعات مليونية لمطالبة الحكومة بتغيير لغة التدريس الثانية من الفرنسية إلى الإنجليزية، حيث تتواصل الحملة عبر الإنترنت.
وحسب بيان للمنتدى، تهدف الحملة إلى “السعي لمواكبة العالم لغويا وفكريا وعلميا، ولننقذ أبناءنا من تضييع سنوات في تعلم لغة لا تفيد في شيء”.