تحدثنا في الأجزاء السابقة عن قيم العمل التطوعي تجاه مفهوم التطوع، وتجاه المنظمات التطوعية، وتجاه الجمهور المستفيد، ونختم هذه السلسلة بالحديث عن قيم العاملين في المنظمات التطوعية تجاه بعضهم بعضا.
رابعا- قيمنا تجاه بعضنا:
- نوفر الحماية اللازمة للمتطوعين أثناء عملهم من كافة الأخطار: يتعرض العاملون في العمل التطوعي بشكل عام والإغاثي منه بشكل خاص إلى ظروف عمل قد تكون خطيرة عليهم من الناحية الأمنية أو الصحية؛ نظرا لطبيعة عملهم التي قد تضطرهم إلى دخول أماكن معرضة للحروب واضطراب الوضع الأمني فيها، أو مناطق تعرضت لكوارث طبيعية أو أخرى تفشت فيها الأمراض، ولتجنيب العاملين هذه الأخطار المحتملة لا بد من توفير الحماية الكافية لهم عبر اتخاذ جميع الإجراءات الاحترازية والوقائية التي تجنبهم الوقوع في الخطر.
ولا تقتصر المخاطر التي قد يتعرض لها العاملون على هذه الأسباب الظاهرة فقط، بل هناك مخاطر أخرى غير مرئية قد تواجههم، وقد تنبهت بعض الجمعيات الخيرية لمثل هذه المخاطر، فلا يجوز للباحثين الاجتماعيين فيها -على سبيل المثال- دراسة الحالة المستهدفة بالزيارة الميدانية والقيام بهذه الزيارة منفردين، لتجنيبهم شبهات هم في غنى عنها؛ إذ قد لا يتواجد في البيت إلا نساء وأطفال، فلا بد أن تكون الزيارة من وفد لا من شخص واحد، وتكون في وقت مناسب. وعلى جهات العمل توفير الحماية القانونية لهم لضمان عدم تعرضهم لمضايقات من الجهات الرسمية بسبب نقص في الإجراءات القانونية اللازمة لاستمرار العمل التطوعي.
- نتعاون بروح من التواصل الجماعي ونحترم جميع زملائنا: كلما كانت بيئة العمل مفعمة بالروح الإيجابية التي يبثها العاملون عبر تعاملهم البناء فيما بينهم، ازداد شعور العاملين بروح الفريق الواحد والفخر بالانتماء للمؤسسة التي تصبح كالحاضنة الأسرية للعاملين فيها، لذا فإن تعاون العاملين في المؤسسة الواحدة يرفع من جودة العمل والخدمة المقدمة. ولعل الأهم من ذلك هو تحقيق التعاون بين المنظمات التطوعية على مستوى الإدارات العليا، خاصة تلك المنظمات التي تتشابه طبيعة عملها، ولتحقيق ذلك ننصح بعمل بروتوكولات تعاون مشتركة وتفعيل القائم منها، وتكثيف التحالفات البينية بين المنظمات ذات الاهتمام المشترك، وعقد الاتفاقات الجماعية للتعاون في المجالات العامة لتطوير العمل التطوعي وحمايته لتشمل جميع المنظمات التطوعية العاملة في البلد ثم الإقليم ثم على المستوى الدولي العالمي.
وفي دولة الكويت نموذج رائع لتحقيق هذا التعاون المنشود، وهو تأسيس اتحاد الجمعيات والمبرات الخيرية الكويتية الذي تأسس في 26/7/2017م برئاسة السيد عبدالله الحيدر، وضم في عضويته 60 منظمة عمل تطوعي، وقد أعلن عن الاتحاد عن أهدافه التي يسعى لتحقيقها، وجاء في الهدف الثالث: “قيادة العمل الخيري في دولة الكويت والعمل على تشجيعه وحمايته، والدفاع عن مصالح أعضائه المادية والمعنوية”، ونص الهدف الخامس على: “تنظيم العمل الخيري، والتنسيق بين نشاطات المؤسسات الأعضاء، وتحقيق الانسجام فيما بينه”، وفي الهدف السادس: “العمل على رفع كفاءة الأداء في المبرات والجمعيات الخيرية بما يحقق أهداف العمل الخيري ويمكنها من تقديم أفضل الخدمات في أوجه البر والخير”. ونرجو لهذا النموذج الراقي في التعاون والتنسيق بين منظمات العمل التطوعي أن يستمر ويكتب له النجاح، وأن تنتقل هذه التجربة لتشمل جميع العالم الإسلامي، وأن يتطور الاتحاد ويجعل من أغراضه التواصل مع منظمات العمل التطوعي ذات الأغراض الشبيهة في العالم لتحقيق مزيد من الكفاءة والتميز والإبداع.
- نتنافس في تقديم الخدمة ونستفيد من خبرات المنظمات الأخرى ونفيدهم، ونغلب المصلحة العامة للعمل التطوعي على المصلحة الخاصة للمنظمة التي ننتمي إليها: جبل الإنسان على حب التميز والتفوق، وهذا ينطبق على الأشخاص وعلى الشخصيات الاعتبارية؛ فمن البدهي أن القائمين على إدارة أي منظمة يسعون إلى أن تكون منظمتهم ضمن أوائل المنظمات من حيث التميز والإبداع، بيد أن هذا الحرص على التميز لا يمنع من الحرص على تحقيق المصلحة العامة للعمل التطوعي، والحرص على تفوق جميع المنظمات التطوعية؛ لأن نجاحها نجاح لجميع العاملين في هذا المجال؛ لذا فإن العاملين في المنظمات التطوعية ينبغي أن يكونوا أكثر حرصا من غيرهم في نقل الخبرات والمهارات وتبادل التجارب مع الآخرين، ولتحقيق المصلحة العامة للعمل التطوعي بشكل عام فإن هناك مسؤولية أدبية تقع على جميع العاملين في هذا القطاع بألا يقوموا بأي فعل من شأنه تشويه سمعة العمل التطوعي أو القائمين عليه، وهذا يقودنا مباشرة إلى النقطة الرابعة.
- نرفض سلوك أي عامل في هذا القطاع يعمل لتحقيق مكاسب شخصية: هذا مبدأ عام مطلوب تحقيقه في جميع قطاعات العمل، ولكنه في قطاع العمل التطوعي والخيري آكد من غيره وأهم، نظرا لارتباطه المباشر بالعمل الإنساني والإغاثي؛ فمن نذر نفسه للعمل في هذا المجال ينبغي عليه أن ينسلخ من الأطماع الشخصية، فلا يستغل طبيعة عمله المتعلق بالتواصل مع المحسنين لتسويق مشاريع شخصية، وينبغي على القائمين على العمل الأخذ على يديه تجنيبا لشبهة قد تطال العمل الخيري برمته، ولو اقتضى الأمر إقصاءه من العمل في هذا المجال الحساس. وعلى باقي المنظمات التطوعية مراعاة السؤال عن تاريخ المترشحين للعمل عندهم بسؤال جهات العمل التي عملوا فيها للاطمئنان على نزاهة وكفاءة الموظفين.
- نحرص على رفع كفاءة العاملين ونشجع الإبداع والتميز: إن شعور العاملين في مجال العمل التطوعي بأنهم يقومون بخدمة مجتمعية إنسانية تجعلهم يرتبطون بهذا العمل ارتباط الفرد بأسرته، وعلينا أن نحافظ على هذه الروح وثابة متجددة عبر اعتماد التدريب المستمر لرفع كفاءة العاملين، وتشجيع المتميزين والمبدعين وتكريمهم، فلا مكان للمحسوبية والمحاباة، وليأخذ كل عامل حظه من التدريب والتشجيع، ثم ليرتقِ المبدعون والمتميزون في درجات العمل، فإننا بهذه الطريقة نضمن صناعة جيل قيادي جديد قادر على إدارة العمل والنهوض به إلى آفاق أرحب بإذن الله.
والله ولي التوفيق.