في المقال الثاني من سلسلة “الأسرة المسلمة في ضوء الكتاب والسُّنة”، يبين د. جاسم مهلهل الياسين مواصفات الزوج المثالي، كما بيَّن حكم النظر إلى المخطوبة والوسائل الوقائية للأسرة والمجتمع.
القاعدة الرابعة: حسن اختيار الزوجة المسلمة والزوج المسلم، فلابد من الأم المسلمة والأب المسلم لتأمين القلعة ويتعين حينئذ على من يريد أن ينشئ بيتاً أن يبحث أولاً عن حارسة للقلعة، تستمد تصورها من مصدر تصوره هو من الإسلام، وليبحث عن ذات الدين، التي تعينه على بناء بيت مسلم، وعلى إنشاء قلعة مسلمة، ولذلك وضع التشريع الإسلامي أمام الرجل والمرأة قواعد تنظيمية لاختيار الزوجة إن سلكها الإنسان كان الزواج الميسر وكانت الأسرة المسلمة، ولهذا أرشد النبي صلى الله عليه وسلم الرجال الذين يقدمون على الزواج بأن يظفروا بذات الدين، كما في الحديث المعروف.
وأما الزواج المثالي في نظر الإسلام فهو الذي تجتمع فيه صفات الإنسانية الفاضلة وأخلاق الرجولة المكتملة، فينظر إلى الحياة نظرة صادقة ويسلك فيها السبيل القويم، وقد أرشد الرسول صلى الله عليه وسلم أولياء المرأة إلى البحث عن صاحب الدين والخلق، فإذا تقدم لخطبة الفتاة فعليهم أن يختاروه على من سواه: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد” (رواه الترمذي)، ولكن الناس اليوم لا يهتمون إلا بالأشكال الزائفة والمظاهر الزائلة، فتراهم يستقصون في السؤال عن وظيفة الخاطب، وقبيلته، ومكانته، وتجارته ومدخراته، وأرصدته في البنوك، وأغلب هذه الزيجات تتم على الطمع والجشع، فلا تلبث أن تنهار الأسرة الناشئة وتخلف وراءها الغصة والحسرة والمرارة والشقاء، نعم إلا تفعلوا تكن في فتنة في الأرض وفساد، أي فتنة أعظم وأي فساد أشمل وأعم على الدين والأخلاق في الأسرة والمجتمع حين تضع الفتاة المؤمنة بين رجل متحلل، أو زوج ملحد، لا يعرف معنى الشرف والغيرة والعرض، وأي فتنة أعظم في الأسرة وفي المجتمع حين تضع المرأة المؤمنة في عصمة زوج إباحي كافر، يُكرهها على السفور والاختلاط، ويُجبرها على شرب الخمور ومراقصة الرجال؟!
هذا هو منظور الإسلام الذي يجب الحرص عليه دون أدنى اعتبار للمادة والقيم الأرضية الجاهلية.
ومن القواعد مشروعية النظر إلى الفتاة المخطوبة وكذلك المهر وحدوده، وغيرها، كي لا نطيل الحديث في ذلك.. وبذلك نضمن قيام هذه القلعة الأسرية على قواعد وأسس قوية لا تدخلها سموم الشياطين ولا أفكار الأعداء من الغرب والشرق.. فهذه القواعد هي مفتاح السعادة الحقيقية للأسرة المسلمة في ظلها تقوم وتسعد بها.
الوسائل الوقائية للأسرة
ننتقل بعد ذلك إلى الوسائل الوقائية للأسرة والمجتمع.. إن الإسلام لا يعتمد على العقوبة في إنشاء مجتمعه النظيف، وإنما يعتمد قبل كل شيء على الوقاية وهو لا يحارب الدوافع الفطرية ولكن ينظمها ويضمن لها الجو النظيف الخالي من المثيرات المصطنعة، ومن هذه الوسائل:
1- إزالة العقبات من طريق الزواج:
إن الزواج هو الطريق الوحيد الطبيعي لإشباع الميول الجنسية الفطرية، وهو الغاية النظيفة لهذه الميول العميقة، فلا بد من مواجهتها بحلول واقعية إيجابية، هذه الحلول الواقعة في تيسير الزواج، والمعاونة عليه، قال الله تعالى: (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ۚ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (النور: 32)، والعقبة المالية هي العقبة الأولى في طريق بناء البيوت، وتحصين النفوس ولذلك يأمر الله تعالى الجماعة المسلمة أن تعين من يقف المال في طريقهم على النكاح الحلال: (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ)، ولقوله صلى الله عليه وسلم: “ثلاثة حق على الله عونهم، المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف” (رواه الترمذي)، وهكذا يواجه الإسلام المشكلة مواجهة عملية.
2- البحث عن الزوج لابنته أو أخته أو قريبته:
وهذا يتلخص في قصة سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام حين وصل إلى ماء مدين، وهكذا في بساطة وصراحة، عرض الرجل إحدى ابنتيه من غير تحديد، فهو يعرض نكاحاً لا يخجل منه، يعرض بناء أسرة وإقامة بيت، وليس في هذا ما يخجل، ولا ما يدعو إلى التحرج والتردد والإيماء من بعيد، والتصنع والتكلف مما يشاهد في البيئة التي تنحرف عن سواء الفطرة، وتخضع لتقاليد مصطنعة باطلة زائفة، تمنع الوالد أو ولي الأمر من التقدم لمن يرتضي خلقه ودينه وكفايته.
عدم إبداء الزينة لغير الزوج:
3- تنظيم المرأة في الملبس والزينة وضبطها.. الزينة حلال للمرأة، تلبية لفطرتها وغريزتها، فكل أنثى مولعة بأن تكون جميلة، وأن تبدو جميلة أكثر من غيرها، والإسلام لا يقاوم هذه الرغبة الفطرية، ولكنه ينظمها ويضبطها ويجعلها تتبلور في اتجاه الزوج وهو شريك الحياة يطلع منها على ما لا يطلع أحد سواه، قال الله تعالى: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور:31)، فهذه آية التحشم وسيلة من الوسائل الوقائية للفرد والجماعة، فإذا كانت المرأة خارج البيت، فيجب أن تكون في لباس الحشمة والأدب بعيداً عن الثياب الرقيقة والشفافة أو الضيقة أو القصيرة، التي تنم عن محاسن البدن وزينته، وتبرز مفاتنه وجماله مما لا يرضاه الإسلام، ومما يلاحظ اليوم هو كشف المرأة المسلمة زينتها أمام النساء الكافرات، وهذا مما لا يجوز شرعاً، سواء كن جارات لها أو زميلات في العمل أو عند الكوافيرة، وكذلك عند الخادمة غير المسلمة.
4- قال الله تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) (الأنعام: 151)، النظافة والطهارة والعفة.
إن الله تعالى لما وصى الناس بالأسرة وصاهم بالقاعدة التي تقوم عليها -كما يقوم عليها المجتمع كل- وهي النظافة والطهارة والعفة، فنهاهم عن الفواحش ظاهرها وخافيها، إنه لا يمكن قيام أسرة، ولا استقامة مجتمع في وحل الفواحش ما ظهر منها وما بطن.. إنه لابد من طهارة ونظافة وعفة لتقوم الأسرة وليقوم بعد ذلك المجتمع، والذين يحبون أن تشيع الفاحشة هم الذين يحبون أن تتزعزع قوائم الأسرة وأن ينهار بعد ذلك المجتمع ولذلك قوله تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا…) للنهي عن مجرد الاقتراب، سداً للذرائع، واتقاء للجاذبية التي تضعف معها الإرادة، ولذلك حرمت النظرة الثانية بعد الأولى غير المتعمدة، قال صلى الله عليه وسلم: “يا علي لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى وليس لك الآخرة”، (رواه أبو داود والترمذي)
إن المنهج الإسلامي عني بتطهير المجتمع المسلم من الفاحشة والتشديد الظاهر في مكافحتها بكل وسيلة، فالسمة الأولى للجاهلية في كل زمان كما نرى في جاهليتنا الحاضرة التي تعم وجه الأرض، في الفوضى الجنسية، والانطلاق البهيمي بلا ضابط من الأخلاق والقانون واعتبار هذه الاتصالات الجنسية الفوضوية مظهراً من مظاهر الحرية الشخصية، والتقدمية.