في تصريح لمسؤول رفيع في حركة “حماس” لوكالة “فرانس برس” قال: إن “الاتصالات مع سورية في تحسن وفي طريق عودتهما بالكامل إلى ما كانت عليه”، مشيراً إلى زيارات عديدة قام بها قادة “حماس” إلى سورية، وأشار إلى أن “سورية داعم للقضية والشعب الفلسطيني، و”حماس” حريصة على العلاقة مع سورية وكل الدول العربية”.
وقد صرح، من جهة أخرى، خليل الحية، من قادة “حماس”: “إن الحركة حسمت قرارها الداخلي بالعودة إلى دمشق وجرى نقاش داخلي وخارجي على مستوى حركة “حماس” من أجل حسم النقاش المتعلق باستعادة العلاقات مع سورية، وبخلاصة النقاشات التي شاركت فيها قيادات وكوادر ومؤثرون وحتى المعتقلون داخل السجون، تم إقرار السعي من أجل استعادة العلاقة مع دمشق”.
ويفسر قرار “حماس” بالعوامل التالية، وفق التحليل السياسي:
أولاً: تشكل محور جديد (عربي – “إسرائيلي”):
تتعرض “حماس” إلى ضغوطات دولية وإقليمية بعد تشكل حالة تطبيع في العقد الأخير في المنطقة العربية بين “إسرائيل” وبعض دول الخليج والمغرب والسودان، بالإضافة إلى مصر والأردن.
وكان لعزل هذه الدول عن سياقاتها الإستراتيجية الوظيفية من دول تحاول أن تستخدم القضية الفلسطينية كورقة إستراتيجية للتفاوض مع “إسرائيل” إلى دول تندمج في سياق السياسة الأمريكية – “الإسرائيلية” في المنطقة لتجد مهمتها الوظيفية في مواجهة إيران وأذرعها في المنطقة ومحاولة إيران أن تدخل النادي النووي.. إلى خدمة الإستراتيجية “الإسرائيلية” في استثمار الموارد المالية والنفطية والتجارية للدول العربية الحليفة وانتهاء قاموس العداء لتخلف وراءها القضية الفلسطينية، بعد أن كانت ورقة ذات أولوية تفاوض وتضامن عربي.
ومع إرهاصات تشكل قوة الشرق الأوسط التي تضم “إسرائيل” ومصر والأردن والسودان ودولاً خليجية، فإن “حماس” تصبح نشازاً وبؤرة إقلاق وهدفاً مستقبلياً في سياق مواجهة المشروع الإيراني، أي لن تكون هدفاً “إسرائيلياً” فقط، وإنما هدف لدول عربية تحت مظلة قوة الشرق الأوسط.
ثانياً: التحولات الناتجة من الحرب الروسية – الأوكرانية:
لقد أدت الحرب الروسية في أوكرانيا إلى زعزعة اليقين الدولي في قوة التحالف الغربي (أوروبا والولايات المتحدة)، وأدى ذلك إلى تفلت وتململ دول إقليمية من سيطرة ونفوذ الولايات المتحدة كالهند وباكستان وتركيا وبعض الدول المحاذية لأوكرانيا (كالمجر)، وكذلك دول مثل البرازيل وجنوب أفريقيا وغيرها مما يفتت السيطرة للقطب الواحد على العالم، ويتدحرج العالم نحو نمو أقطاب إقليمية ودولية، أهمها الصين وروسيا، وتتمخض هذه الحرب عن خسائر اقتصادية وعسكرية ومالية انعكست على المواقف السياسية لكثير من الأجسام السياسية؛ دولاً وحركات، وبدأت الدول وتلك الأجسام بالتفكير في خياراتها الإستراتيجية والسياسية للعقد القادم.
ومن تلك الأجسام حركة “حماس”، فقد أدى تقدير الموقف عند “حماس” للحالة الدولية والإقليمية الناتجة عن تأثير الحرب الروسية – الأوكرانية إلى تبني “حماس” للرواية التي تؤكد صعود نجم روسيا والصين وصمود إيران وقوتها في المنطقة كعامل توازن مع قوة الشرق الأوسط وتأثر أوروبا والولايات المتحدة ضعفاً وتفككاً في الموقف مما يضعف من الهيمنة المستقبلية لصالح روسيا والصين.
تقدير الموقف هذا ساهم في انحياز موقف “حماس” تجاه إعادة العلاقات مع بشار الأسد، والاندماج مع الإستراتيجية الإيرانية في المنطقة، على أمل أن يظل الدعم المالي واللوجستي الإيراني مستمراً لـ”حماس” وقطاع غزة، في ظل غياب الدعم العربي والتحول في الموقف العربي المطبع مع “إسرائيل”.
تحديات أمام “حماس”
ستواجه “حماس” عدة تحديات، من أهمها:
1- استقلالية قرار “حماس” السياسي والإستراتيجي:
ستشتبك مصالح “حماس” إستراتيجياً بعد فترة من هذا القرار مع مصالح المشروع والنظام الإيراني في المنطقة وتدريجياً، وبذلك يكون السؤال المطروح: هل ستتحول “حماس” من حركة مقاومة مستقلة إلى حركة وظيفية في المشروع الإيراني؟ وقد بدأت التفكير في هذه الوظيفة بتبادل مواقع “حزب الله” اللبناني وبعض مهماته لتشملها مجاميع “حماس” في درعا ومناطق سُنية أخرى في سورية، كما يشاع.
ولن تكون لـ”حماس” يد طولى في داخل سورية فيما يتعلق بسياساتها الإستراتيجية، إذ ستظل تحت الواقع السياسي والقانوني للنظام السوري بالطبع، وستوكل لها مجموعة مهمات في إطار الحفاظ على النظام السوري متماسكاً، واحتمالات مواجهة هجمات “إسرائيل” على مواقع النظام الإيراني المستبدلة بـ”حماس”، إذ إن وضع “حماس” القتالي سيكون ضعيفاً ومكشوفاً لـ”الإسرائيليين”، ومن السهل ضرب مواقع “حماس” كما تضرب مواقع الإيرانيين و”حزب الله” إذا ما وظفت “حماس” لأدوار حماية للنظام السوري.
من ناحية أخرى، فإن هذه المرة تعود “حماس” إلى الحضن الإيراني في سورية بشروط أضعف وقوة تنظيمية غير متفقة، وموقف ضعيف ليس له اليد العليا، فهل يمكن مع الوقت أن تقوم “حماس” بالدور المطلوب منها في الإستراتيجية الإيرانية وليس إستراتيجية “حماس” المستقلة؟
لقد حافظت “حماس” عدة سنوات على استقلالية قرارها، ولكن من المؤكد أنه في هذه المرة فقدت استقلاليتها بسبب إعادة تقدير موقفها تجاه المتغيرات الدولية والعربية في المنطقة التي فشلت “حماس” تفاوضياً في استئناف أي علاقة عربية مميزة توازن علاقاتها مع إيران.
2- الدور الإيراني في المنطقة:
التحدي الثاني وهو هل ستستطيع “حماس” القفز على غايات المشروع الإيراني في المنطقة من السيطرة على المحتوى السُّني وإذلاله وقمعه ووضعه تحت إطار الأنظمة الدكتاتورية في العراق ونظام الأقلية العلوية بقيادة بشار الأسد، وتصبح “حماس” مثل بعض القوى الفلسطينية المؤيدة لبشار ضد ثورة الشعب السوري؟ فالمشروع الإيراني في العراق وسورية ولبنان واليمن قد مارس قتلاً وتشريداً وتدميراً وحرقاً وإفناء للشعوب السنية في هذه الدول تحت مظلة المقاومة لـ”إسرائيل” وأمريكا.
يوجد في سورية وحدها أكثر من 11 مليون لاجئ خارج وداخل سورية.
لقد عمدت إيران إلى تغيير الديمغرافيا ونشر المذهب الشيعي في المناطق السُّنية، واستعمرت مناطق عمرانية وحولتها إلى مناطق شيعية خالصة.
إن صمود إيران ومقاومتها (وفق ادعاءاتها) ضد الولايات المتحدة (التي تعاونت معها في مرات عدة وتتفاوض معها الآن على المشروع النووي).. إن ذلك الصمود هو أحد إستراتيجيتها وليس مشروعها.
إنما مشروعها هو السيطرة وحكم المنطقة العربية الممتدة ما بين البحر الأبيض المتوسط والخليج العربي وبحر العرب، وهو مشروع مدوّن ومكتوب.
والسؤال: هل ستستطيع “حماس” أن تقفز عن ديناميكية هذا المشروع بحجة الاحتماء والدعم المفقود من الطرف السُّني ومع مرور الزمن ستتحول إلى ترس في آلة هذا المشروع؟
كما تحولت الكثير من الفصائل الفلسطينية من جهاد فلسطين إلى جهاد أمريكا و”إسرائيل” في المنطقة العربية تحت ظل المشروع الإيراني ونفوذ وأوامر المرشد في إيران، وهل يمكن مع مرور الزمن أن يتسلل التشيع العقائدي إلى طبقة الشباب في “حماس” ليتحول ولاؤها من ولاء سياسي إلى ولاء عقائدي؟ هذه تحديات أمام “حماس”، كيف ستتعامل معها؟
3- مستقبل علاقاتها مع حلفائها التقليديين (تركيا وقطر):
لقد كان الدور التركي دوراً مميزاً مع “حماس” طيلة العقدين الماضيين بسبب سياسة حزب العدالة والتنمية الحاكم، وكذلك تتميز علاقات “حماس” بقطر أيضاً بعلاقات شبه إستراتيجية، إذ نقلت “حماس” مكاتبها إلى قطر بعد خروجها من سورية، وما زالت قطر تدعم الميزانية المدنية لقطاع غزة الذي تحكمه “حماس”.
رجوع “حماس” إلى سورية وإعادة علاقاتها مع نظام بشار الأسد سيربك المعادلة التركية في سورية، إذ إن تركيا في خط مواجهة مع النظام السوري في إدلب والشمال السوري.
وتبدي أنقرة قلقاً من هذه الخطوة الإستراتيجية، إذ تشكّل فارقاً في الاصطفاف الإستراتيجي والسياسي، ولا يخفى أن إيران طرف إستراتيجي منافس لتركيا، بل وملتحق بالسيطرة الروسية وضاغط على تركيا في ملفات عديدة في المنطقة.
والسؤال: هل ستستطيع “حماس” أن تقنع حلفاءها في تركيا وقطر بموقفها، وأنها ستكون محايدة في صراع التنافس بين تركيا وإيران في المنطقة وخصوصاً سورية.
4- الموقف السُّني الشعبي والشرعي:
منذ أن دعمت إيران “حماس” وانحازت “حماس” لإيران في الكثير من المواقف والزيارات والتصريحات؛ تغيرت الصورة الذهنية عن كون “حماس” من حركة مقاومة فلسطينية مستقلة إلى حركة موالية لإيران، وصدرت تصريحات وفتاوى شرعية من شخصيات ورموز شرعية مؤيدة لـ”حماس” تعارض هذه العلاقة، أو هذه التصريحات والزيارات، والكل يعرف الموقف السُّني الشعبي والشرعي من زيارة أبو العبد (إسماعيل هنية) إلى إيران وتعزيته لقاسم سليماني وتسميته بـ”شهيد القدس”، وما أحدث هذا التصريح من ردود فعل مستهجنة من قطاعات واسعة في المحتوى السُّني الشعبي.
والسؤال: كيف سَتُخَرِّجْ “حماس” موقفها الشرعي وفق هذه النقلة من إعادة العلاقات مع النظام السوري وجرائم بشار في سورية كحليف إستراتيجي تحت المظلة الإيرانية؟ وكيف ستعوض “حماس” حاضنتها السُّنية في الأيام القادمة؟
لقد دافع الكثير من القيادات والرموز والشخصيات السياسية والشرعية عن “حماس” في مواقفها وعلاقاتها مع إيران وتصريحات رموزها بتخريجها تخريجات تتعلق بالمفاسد والمصالح والإكراهات السياسية والضرورية، ولكن في هذه المرة فإن الجرعة السياسية والإستراتيجية قوية، ولن تستطيع تلك الرموز والقيادات الدفاع عن موقف “حماس”، مما يوسع لفقدان “حماس” كتكلة كبيرة من حاضنتها السُّنية الشعبية ويعزز موقف المتشددين ضد علاقة “حماس” بإيران، بل قد تصل إلى أن “حماس” بانحيازها في هذا الموقف فإنها تسير في اتجاه مضاد للمحتوى السُّني في المنطقة، وقد تتحول إلى هدف شرعي للمواجهة تستغله الكثير من الأطراف الشامتة من هذه العلاقة.
فهل ستستطيع “حماس” أن تسوق لموقفها سياسياً وشرعياً وشعبياً؟