اعتبر محللون وخبراء أمنيون، أن تسلل عناصر حركة “الشباب” الصومالية داخل الأراضي الإثيوبية بعد هجمات متتالية على المناطق الحدودية، يعتبر تصعيدا أمنيا خطيرا قد يشكّل بداية المحاولة للحركة بالتمدد العسكري خارج البلاد.
الهجوم العسكري الذي شنه مقاتلو “الشباب” في الفترة الأخيرة على قرى داخل الإقليم الصومالي في إثيوبيا، أدى إلى مقتل عدد من أفراد الشرطة المعروفة باختصار “ليو بوليس”.
يفتح هجوم “الشباب” على المناطق الحدودية، جبهة صراع جديدة مع إثيوبيا التي تعيش بدورها صراعات داخلية عنيفة منذ تأجيل الانتخابات العامة في ديسمبر/ كانون أول 2020.
ورغم إعلان إقليم الصومال التابع لإثيوبيا حسمه المعركة ضد حركة “الشباب” ومقتل أكثر من 150 مقاتلا منهم تجاوزوا الحدود، إلا أن الحركة أعلنت من جانبها مقتل أكثر من 80 جنديا من قوات شرطة “ليو بوليس” الإثيوبية.
ومنذ سنوات، يخوض الصومال حرباً ضد حركة “الشباب” المسلحة التي تأسست مطلع 2004 وتتبع فكرياً لتنظيم القاعدة، وتبنت عمليات إرهابية عديدة أودت بحياة المئات.
** خطوة جديدة
في أول سابقة من نوعها، تمكّن مئات من مقاتلي “الشباب” تجاوز الحدود الإثيوبية بعمق 70 كم، بعد معركة شرسة دارت بينهم وقوات شرطة “ليو بوليس”.
يرى محمد عبده، المحلل السياسي والأمني في المركز الصومالي للبحوث، أن تسلل مقاتلي “الشباب” داخل الأراضي الإثيوبية يعتبر خطوة أمنية تعكس سعي الحركة للبحث عن تمركز عسكري لها على الأقل في المناطق الحدودية داخل إثيوبيا في هذه المرة.
وقال عبده، إن توقيت الهجوم والعتاد العسكري الذي استخدمته الحركة يشي بنية توسيع نفوذها، مستغلة انشغال إثيوبيا العسكري والاستخباراتي بإخماد صراعاتها الداخلية، خاصة في إقليمي تيغراي وأروميا.
وأوضح محمد عبده أن تراجع عمليات الجيش الصومالي ضد “الشباب” خلال السنوات الخمس الماضية، ساهم في استعادة الحركة لنفوذها، بجانب أن تحصيلها لإيرادات مالية ضخمة بواسطة نظامها الضريبي، دفعها لفكرة التوسع في إثيوبيا على غرار الصومال وكينيا.
** ثغرة إثيوبية
وفي سياق التوغل الجديد لحركة “الشباب”، قال عضو حزب مصلحة الشعب في الإقليم الصومالي الإثيوبي أحمد عبسي إن تدمير خطوط دفاع قوات شرطة “نيو بوليس” الإقليمية، وتوغل مقاتلي “الشباب”، تشير لعدم جاهزية إثيوبيا عسكريا واستخباريا لمواجهة مثل هذه الهجمات بسبب الانشغال الداخلي.
لكن لمحافظ إقليم “بكول” جنوب غربي الصومال المتاخم للحدود الإثيوبية محمد عبدي تول وجهة نظر أخرى.
قال عبدي تول في تصريح للإعلام المحلي، إن الهجوم المسلح الذي شنه مقاتلو “الشباب” على قريتي “عاتو وييد” و”وشاقو” ليس هدفه السيطرة على تلك المناطق، بل كان تمويها لقوات الشرطة الإثيوبية لتمكين عناصر أخرى تقدر بالمئات من التسلل دون أي مواجهات، داخل الإقليم الإثيوبي، عبر بلدة “عيل بردي”.
وحسب تقارير أمنية إثيوبية فإن حركة “الشباب” تسعى إلى التمركز في المناطق الجبلية على الحدود، وفتح جبهات قتالية في إقليم أروميا لضرب أمن إثيوبيا.
** حسابات خارجية
في خضم المواجهات العسكرية بين مقاتلي “الشباب” وقوات شرطة الإقليم الصومالي الإثيوبي، يرجح بعض المحللين وجود حسابات خارجية تستفيد من هذه الهجمات، في ظل التنافس الصيني الأمريكي على منطقة القرن الأفريقي.
يقول الصحفي والمحلل السياسي أحمد عينب إن الأزمة السياسية في إثيوبيا وما نتج عنها من صراعات وثورات في مختلف القوميات الإثيوبية ليس بمنأى عن حسابات خارجية خاصة بين الولايات المتحدة والصين.
وأوضح عينب أن التنافس الأمريكي الصيني يعكس تباين الرؤى بين البلدين حول ما يجري في إثيوبيا منذ وصول رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد إلى سدة الحكم.
قال عينب إن هجوم “الشباب” الأخير على إثيوبيا يعد الأكبر للحركة منذ تأسيسها عام 2006.
وأضاف أن تمكّن عناصر “الشباب” من التسلل إلى عمق اثيوبيا يكشف عن الجفاء في التعاون الأمني بين واشنطن وإثيوبيا، حيث كانت واشنطن تساعد إثوبيا في محاربة الإرهاب في المنطقة.
** ثمن مدفوع
وأشار عينب أن إثيوبيا تبدو كأنها تدفع ثمن ميلها للجانب الصيني على حساب الولايات المتحدة حول حسابات منطقة القرن الأفريقي التي تشهد إعادة تشكيل توازنات القوى خلال الفترة المقبلة.
وأضاف أن تنفيذ الحركة لهذا الهجوم العسكري الضخم دون أن تتعرض لأي ضربة جوية أمريكية ينذر بأن إثيوبيا ستتعرض لمزيد من الهجمات العسكرية في المرحلة المقبلة.
وأوضح عينب أن بإمكان الولايات المتحدة منع هجوم حركة “الشباب” على الحدود الإثيوبية، بسبب وجود قاعدة عسكرية أمريكية في بلدة “بلدوكلي” بإقليم شبيلي، حيث تجري استطلاعات يومية من خلال طائراتها المسيّرة.
** عملية مرتقبة
يرى المحلل الأمني والسياسي عبدالرحمن سهل أن هجوم مقاتلي “الشباب”، ليس إلا محاولة يائسة تحاول استباق عملية أمنية أعلنت عنها الحكومة الصومالية لدحر الإرهابيين في قرى وبلدات جنوب ووسط البلاد.
وقال سهل إن الهجوم يحمل في طياته رسائل داخلية وخارجية.
ففي الداخل تريد الحركة استعراض قوتها، واستعداد مقاتليها لمواجهة أي عملية أمنية ضدها في المرحلة المقبلة.
أما في الخارج، فتحاول التمدد عبر الأراضي الإثيوبية لإعلان تمسكها بهدف إنشاء دولة إسلامية في المنطقة الأفريقية.
ويشير سهل إلى أن الحركة حصّلت أموالا ضخمة في السنوات الخمس الماضية، بما يمكّنها من استمرار قتالها واستقطاب مقاتلين جدد.
وحول ما إذا كانت العملية الحكومية ستحقق مكاسب ميدانية ضد “الشباب” أوضح سهل أن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود كشف في أكثر من مناسبة عن مخطط أمني حكومي ضد “الشباب” بهدف الحد من التهديدات الإرهابية التي تطال العاصمة مقديشو.
وأضاف أنه في حال عاد التنسيق بين القوات المشتركة (حكومية وأفريقية) وتفعيل واشنطن غاراتها ضد معاقل “الشباب” ستحقق العملية العسكرية المنتظرة مكاسب كبيرة على حساب مقاتلي “الشباب” الذين ينشطون في بلدات جنوب ووسط البلاد.
** تعزيز التعاون
أظهرت الاضطرابات الإقليمية في الحدود المشتركة، مدى حاجة إثيوبيا والصومال لتعزيز تعاونهما العسكري والاستخباري، للحد من محاولة حركة “الشباب” نقل أنشطتها الإرهابية إلى رقعة أوسع.
وقال المحلل السياسي أحمد عينب إن التعاون الأمني بين البلدين موجود فعلا، لكنه يتطلب التعزيز والتطوير للحيلولة دون تحويل المناطق الحدودية ملاذا لعناصر “الشباب”.
وأوضح أن زيارة رئيس الأركان الصومالي أدوى يوسف راغي إلى المناطق الحدودية التي شهدت الهجوم تشير إلى مدى جدية الجانب الصومالي للتفاعل مع هذه التصعيد الأمني الخطير.
ومؤخرا، شهدت “عيل بردي” الحدودية، اجتماعا أمنيا جمع رئيس الأركان الصومالي أدوى يوسف ونائب رئيس قوات شرطة “ليو بوليس” زكريا عبدي، للبحث عن سبل التعاون والحد من تكرار هذه الهجمات.