منذ الانقلاب الذي قام به في 25 يوليو 2021 والرئيس التونسي قيس سعيّد يعمل على توطيد أركان حكمه دون اعتبار لمعايير الديمقراطية في الداخل وتقاليد السياسة الخارجية لتونس منذ خروج الجيش الفرنسي من البلاد عام 1956 وهو الحياد الإيجابي والمحافظة على مبادئ حسن الجوار، والوقوف على مسافة واحدة من الجارين الكبيرين الجزائر والمغرب، في قضية الصحراء، وكان البلدان راضيين بذلك الموقف بل عملت الدبلوماسية التونسية على تقريب وجهات النظر في إطار المساعي لبناء المغرب الكبير (تونس والجزائر والمغرب وليبيا وموريتانيا).
غربة الانقلاب وتغيّر المواقف
تغيّر الموقف التونسي في ظل الانقلاب مرده بحث النظام القائم وسعيه لتأمين الحدود الغربية وضمان دعم الجزائر لنظامه، وكان الشرط، وفق الناشط السياسي نور الدين العرباوي، هو الاعتراف بما يسمّى “الجمهورية العربية الصحراوية” الذي أثار ثائرة المغرب فاستدعى سفيره لدى تونس للتشاور بعد استقبال الرئيس سعيّد لزعيم جبهة البوليساريو، ووصف ذلك بـ”السلوك الخطير”، كما قرر المغرب عدم المشاركة في قمة “تيكاد” الثامنة المنعقدة في تونس (منتدى التعاون الياباني الأفريقي).
وقالت وزارة الشؤون الخارجية المغربية، ضمن بلاغ صادر مساء يوم الجمعة 25 أغسطس 2022: إنه بعد عمل تونس على مضاعفة المواقف والأفعال السلبية المستهدفة للمملكة المغربية ومصالحها العليا، فإن تصرف تونس في إطار “تيكاد” يؤكد هذا النهج بوضوح.
وأضاف البلاغ أن تونس عملت على معاكسة رأي اليابان، بخرق مسار التحضير للمنتدى والقواعد الموضوعة لذلك، وقررت بشكل أحادي دعوة الكيان الانفصالي، كما أن الاستقبال الذي خصصه رئيس تونس لقائد الانفصاليين هو فعل خطير غير مسبوق؛ يؤذي كثيراً مشاعر الشعب المغربي وقواه الحية.
هكذا فسّر نظام الانقلاب موقفه
في رد على بيان وزارة الخارجية المغربية الذي احتج على مشاركة ما يسمّى بـ”الجمهورية العربية الصحراوية” في قمة “تيكاد”، أكد النظام القائم حالياً في تونس أنه استدعى سفيره في الرباط للتشاور.
وأنه يعرب عن استغرابه الشديد ممّا ورد في بيان المملكة المغربية “من تحامل غير مقبول على الجمهورية التونسية ومغالطات بشأن مشاركة وفد الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية في ندوة طوكيو الدولية للتنمية في أفريقيا التي تحتضنها بلادنا يومي 27 و28 أغسطس 2022.
وأن تونس حافظت على حيادها التام في قضية الصحراء الغربية التزاماً بالشرعية الدولية، وهو موقف ثابت لن يتغير إلى أن تجد الأطراف المعنية حلاً سلمياً يرتضيه الجميع.
وأن تونس ملتزمة بقرارات الأمم المتحدة، فإنّها مُلتزمة أيضاً بقرارات الاتحاد الأفريقي التي تعدّ بلادنا من أحد مؤسّسيه.
وأنه خلافاً لما ورد في البيان المغربي، فقد قام الاتحاد الأفريقي في مرحلة أولى بصفته مشاركاً رئيساً في تنظيم ندوة طوكيو الدولية بتعميم مذكّرة يدعو فيها كافة أعضاء الاتحاد الأفريقي بما فيهم الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية للمشاركة في فعاليات قمة “تيكاد-8” بتونس، كما وجّه رئيس المفوضية الأفريقية في مرحلة ثانية دعوة فردية مباشرة للجمهورية الصحراوية لحضور القمة.
وتأتي هاتان الدعوتان، وفق بيان الخارجية التونسية، تنفيذاً لقرارات المجلس التنفيذي للاتحاد الأفريقي في اجتماعه المنعقد بلوزاكا بزمبيا، يومي 14 و15 يوليو 2022، بحضور الوفد المغربي، حيث أكّد القرار ضرورة دعوة كافة أعضاء الاتحاد الأفريقي للمشاركة في قمة “تيكاد-8”.
وأنه سبق لـ”الجمهورية الصحراوية” أن شاركت في الدورة السادسة لـ”تيكاد” المنعقدة بنيروبي في كينيا عام 2016، والدورة السابعة المنعقدة بيوكوهاما في اليابان عام 2019، كما شاركت أيضاً في اجتماعات إقليمية أخرى على غرار القمة الأفريقية-الأوروبية المنعقدة في فبراير 2022 ببروكسيل، وذلك بمشاركة المملكة المغربية في جميع هذه القمم، وفق “الخارجية” التونسية.
وبناء على ما سبق من معطيات موثقة لدى الاتحاد الأفريقي، أكدت “الخارجية” التونسية، في بيانها، أنّه لا وجود لأي تبرير منطقي للبيان المغربي، ولا سيما وأنّ تونس احترمت جميع الإجراءات الترتيبية المتعلقة باحتضان القمة وفقاً للمرجعيات القانونية الأفريقية ذات الصلة بتنظيم القمم والمؤتمرات واجتماعات الشراكات.
وأنه باعتبار ندوة طوكيو الدولية هي مؤتمر إقليمي متعدد الأطراف، فقد سعت تونس إلى توفير أفضل ظروف النجاح لها بالتنسيق الحثيث مع كل الجهات المشاركة في تنظيم هذا الاستحقاق المهم وتأمين استقبال لجميع ضيوف تونس على قدم المساواة وفقاً لقواعد اللياقة وحسن الوفادة المتأصلة لدى الشعب التونسي.
وأكدت “الخارجية” التونسية حرصها على المحافظة على علاقاتها الودية والأخوية والتاريخية العريقة التي تجمعها بالشعب المغربي، فإنها ترفض رفضاً قاطعاً ما تضمنه البيان المغربي من عبارات تتهم تونس باتخاذ موقف عدواني تجاه المغرب ويضر بالمصالح المغربية.
وأنها إذ تشدد تونس أيضاً، انطلاقاً من ثوابت سياستها الخارجية، على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام خياراتها، فإنها تؤكد أيضاً رفضها التدخل في شؤونها الداخلية وعلى سيادة قرارها الوطني، وعلى هذا الأساس فقد قررت تونس دعوة سفيرها بالرباط حالاً للتشاور.
المغرب يرد على بيان تونس ويصفه بالمضلل
اعتبرت وزارة الخارجية المغربية، في بلاغ لها نشرته يوم السبت 27 أغسطس 2022، أن البيان الصادر عن نظيرتها التونسية، مساء الجمعة 25 أغسطس، الساعي، حسب توصيفها، إلى تبرير التصرف العدائي وغير الودي للسلطات التونسية تجاه القضية الوطنية الأولى والمصالح العليا للمملكة المغربية، مضيفة بأن بيان الديبلوماسية التونسية ينطوي على العديد من التأويلات والمغالطات، علاوة عن عدم إزالته للغموض الذي يكتنف الموقف التونسي، بل ساهم في تعميقه من وجهة نظر الجانب المغربي.
وأشارت إلى أن منتدى “تيكاد” ليس اجتماعاً للاتحاد الأفريقي، بل هو إطار للشراكة بين اليابان والدول الأفريقية التي تقيم معها علاقات دبلوماسية.
وإن المنتدى يندرج ضمن الشراكات الأفريقية، على غرار الشراكات مع الصين والهند وروسيا وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية، وهي شراكات مفتوحة فقط في وجه الدول الأفريقية التي يعترف بها الشريك؛ وبناء عليه، فإن قواعد الاتحاد الأفريقي وإطار عمله، التي يحترمها المغرب بشكل تام لا تسري في هذه
وبخصوص دعوة الكيان الانفصالي –في إشارة إلى جبهة البوليساريو- إلى منتدى “تيكاد-8″، فقد تم الاتفاق منذ البداية وبموافقة تونس على أن تقتصر المشاركة على الدول التي تلقت دعوة موقعة من قبل كل من رئيس الوزراء الياباني والرئيس التونسي.
وإن مذكرة شفوية رسمية صادرة عن اليابان، في 19 أغسطس 2022، تؤكد بشكل صريح أن هذه الدعوة الموقعة بشكل مشترك هي الوحيدة التي من دونها لن يسمح لأي وفد بالمشاركة في “تيكاد-8″، وأن هذه الدعوة غير موجهة للكيان المذكور في المذكرة الشفوية، الصادرة بتاريخ 10 أغسطس 2022، أي الكيان الانفصالي، وفي هذا الإطار، تم توجيه 50 دعوة إلى الدول الأفريقية التي تقيم علاقات دبلوماسية مع اليابان، ولذلك لم يكن من حق تونس سن مسطرة خاصة بتوجيه الدعوات بشكل أحادي الجانب ومواز وخاص بالكيان الانفصالي، وفي تعارض مع الإرادة الصريحة للشريك الياباني.
وذكرت “الخارجية” المغربية أن البيان الصادر عن تونس ينهج نفس التأويل فيما يتعلق بالموقف الأفريقي، الذي ظل على الدوام قائماً على المشاركة الشاملة للدول الأفريقية، وليس أعضاء الاتحاد الأفريقي، وهو يستند إلى قرار قمة الاتحاد الأفريقي رقم (762)، الذي يوضح أن إطار عمل “تيكاد” ليس مفتوحاً في وجه جميع أعضاء الاتحاد الأفريقي، وأن صيغة المشاركة مؤطرة بنفس القرار ومن خلال ترتيبات مع الشريك، كما أن قرار المجلس التنفيذي، الصادر في يوليو 2022، بلوزاكا اكتفى بتشجيع المشاركة الشاملة مع اشتراطه الامتثال لقرارات الاتحاد الأفريقي ذات الصلة، وهي في هذه الحالة القرار (762).
وفيما يتعلق بمسألة الحياد وإشارة البيان، حسب “الخارجية” المغربية، إلى احترام قرارات الأمم المتحدة بشأن قضية الصحراء، والكلام لـ”الخارجية” المغربية، فإن امتناع تونس المفاجئ وغير المبرر عن التصويت على قرار مجلس الأمن رقم (2602) الذي اعتمد في أكتوبر الماضي يثير شكوكاً حقيقية ومشروعة بشأن دعمها للمسار السياسي ولقرارات الأمم المتحدة.
وبخصوص الاستقبال الذي خص به رئيس الدولة التونسية “زعيم المليشيا الانفصالية”، يقول المغرب: فإن الإشارة المتعنتة في البيان التونسي إلى تأمين استقبال لجميع ضيوف تونس على قدم المساواة مبعث اندهاش كبير، مع العلم أنه لا الحكومة التونسية ولا الشعب التونسي يعترفان بهذا الكيان الوهمي، واعتبرت ما جرى تصرفاً ينطوي على عمل عدائي صارخ وغير مبرر، لا يمت بصلة إلى قواعد حسن الوفادة المتأصلة لدى الشعب التونسي التي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تنطبق على أعداء الإخوة والأصدقاء الذين لطالما وقفوا إلى جانب تونس في الأوقات العصيبة.
ردود فعل داخل تونس
انقسم الشارع الإعلامي والسياسي حيال الأزمة القائمة بين تونس والمغرب، ففي الوقت الذي اعتبر فيه البعض الموقف المغربي مبالغاً فيه، بل مداناً؛ لأن المغرب يعترف بالكيان الصهيوني فكيف يستكثر على تونس الاعتراف بـ”الجمهورية الصحراوية الديمقراطية”، في المقابل اعتبر البعض الآخر أن المسؤول عن الأزمة مع المغرب هو النظام القائم وليس تونس.
وبتعبير الرئيس التونسي الأسبق محمد منصف المرزوقي، تونس لم تطعن المغرب وإنما المنقلب.
واعتبر المرزوقي، في تدوين له على “فيسبوك”، أنه باستقبال سعيّد (الذي وصفه بالرئيس المنقلب) لرئيس الصحراء الغربية، البوليساريو إبراهيم غالي، فإن هذا الاستقبال اعتراف علني وواضح وصريح بالدولة الصحراوية.
وكتب: منذ انطلاق أزمة الصحراء الغربية والموقف التونسي، أياً كان الرئيس، ثابت لا يتغير: السعي للمصالحة بين الشقيقين المتخاصمين وليس الوقوف مع هذا ضد ذاك، معلقاً بالقول: خرج المنقلب عن هذا العرف، مضيفاً: بهذا الاستقبال الرسمي من رئيس دولة يكون المنقلب قد وضع تونس في صف خيار واضح.
وتابع المرزوقي: نحن أمام عمل مدان بكل المقاييس لأنه غير مسؤول ومضر بمصلحة تونس، ضرره بالحظوظ الضعيفة لإخراج الاتحاد المغاربي من غرفة الإنعاش.
كما توجه برسالة إلى رئيس الحكومة المغربية السابق سعد الدين العثماني الذي كان استنكر استقبال تونس رئيس البوليساريو، وقال: ليست تونس من طعنت المغرب في الظهر، وإنما منقلب طعن من قبل تونس في ديمقراطيتها ودستورها ومؤسساتها وعلاقاتها مع ليبيا والدول الديمقراطية وأوصلها إلى حالة لا نتمناها لعدو فما بالك لشقيق!