نشر موقع «منشور» الجزائري، في 4 مارس 2018م، تحقيقاً أدبياً مطولاً أعده عبدالحفيظ سجال، حول موضوع رواية الإرهاب في الجزائر، جعل عنوانه «الاستعجال: أدب الكتابة في عشرية الجزائر السوداء»، واتفق معظم المستفتين أو كلهم على أن ما كتب عن العشرية السوداء كان تسجيلاً أكثر منه أدباً يحمل مواصفات البناء الفني؛ لأن أكثرية الكتَّاب كانوا من الصحفيين الذين يميلون إلى التسجيل وتقديم الشهادات، أو معبرين عن تجارب شخصية عاشوها أو شاهدوها.
يؤكد كمال قرور أنه حتى اليوم لم يكتب الجزائريون عن زمن الإرهاب، وكل ما صدر عبارة عن ترويج لقناعات معينة، وكان الحصاد أن الروايات لم تقدم من الفن إلا القليل، ولذا أطلقوا عليها وعلى ما كتب عن الإرهاب «أدب الاستعجال»!
ويبقى أدب العشرية السوداء ملفاً حساساً في الجزائر إلى اليوم، ومحل صراع سياسي واتهام متبادَل بين السلطة والإسلاميين، وخاصة ما يتعلق بمقتل بعض الكتَّاب الموالين للسلطة (الجلالي اليابس، وأبو بكر بلقايد، والطاهر جعوط)، أو تفجير سياراتهم (أمين الزاوي)، أو رحيل بعضهم إلى خارج البلاد خوفاً على حياتهم! ومع ذلك بقي بعضهم داخل الجزائر، مثل الشيوعي رشيد بوجدرة، المعروف بعدائه الشديد للإسلام والإسلاميين، وولائه الشديد للسلطة والعسكريين.
ويصعب على الباحث أن يختار بعض الروايات الجزائرية التي تناولت الإرهاب، فكما سبقت الإشارة هناك مئات الروايات مكتوبة بالعربية والفرنسية، وكثير منها حظي بجوائز محلية وخارجية، أو ارتقى إلى القوائم الطويلة والقصيرة لهذه الجوائز بسبب الموضوع الذي يسير في معظمه إلى تشويه صورة الإسلام، وهناك دور نشر في بيروت وبغداد ولندن وتونس والمغرب تكاد تحتكر نشر هذا اللون من الكتابة، كراهية في الإسلام لا الإرهاب، أو لميول أصحابها الماركسية أو العلمانية بصفة عامة؛ ولذا أشير عشوائياً إلى بعضها في إيجاز، ثم أتناول إحداها بالتحليل المستفيض.
الطاهر وطار، الزلزال، الدار العربية للعلوم ناشرون- المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية، بيروت، 2007:
يعبّر الروائي الجزائري الفرانكفوني الطاهر وطار في روايته الزلزال عن فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر، ويربطها بالسياق الدموي لصراع السلطة العسكرية مع الشعب الجزائري فترة العشرية السوداء، وينتصر كالعادة للسلطة العسكرية المستبدة مثل بقية الكتَّاب الذين لا يتعاطفون مع الرؤية الإسلامية، ولا يجدون غضاضة في تسويغ ذبحها للضحايا.
وقد حظيت هذه الرواية باهتمام الناقد اليساري الراحل جابر عصفور، فرأى بطلها المسلم «نموذجاً بشرياً دالاً» من النماذج التي تُعادي التقدم، ويتحوّل من مثقف تقليدي إلى متطرف دينياً، وتمثل الرواية في رأي عصفور «استشرافاً لما حدث في الأقطار العربية»، من خلال مستويين؛ الأول: يمثله الشيخ عبدالمجيد بو الأرواح، بطل الرواية المتعصّب الذي يحض على ممارسة «العنف العاري»، الآخر: تمثله مؤسسات الدولة التي انتزعت الاستقلال من الاستعمار، رافعة شعارات التحول الاشتراكي والثورة الزراعية، حيث لم تستطع إلا بناء مجتمع حافل بالمتناقضات انتهت إلى الكارثة الكبيرة، وهي العنف.
ياسمينة خضرة، خرفان المولى، رواية بالفرنسية نشرت في باريس les agneaux de seigneur:
هذه واحدة من روايات كثيرة كتبها الفرانكفوني ياسمينة خضرة، وهو الاسم المستعار للكاتب الجزائري محمد مولسهول، وكان ضابطاً في الجيش، ويعيش الآن في فرنسا، ومن أشد المعادين للديمقراطية والفكر الإسلامي، وقد أشار إلى روايته هذه د. أحمد قريش في سياق مقال تحليلي طويل، نشره في «طنجة» الأدبية (6/7/2017م).
وتوضح الرّواية -كما يقول قريش- كيف استطاعت الحركة الجهادية الإسلامية في الجزائر السيطرة على الوضع في مرحلة معينة، باستغلالها للمقهورين والمهمّشين والمتعسّفين من المجتمع، وأظهرت أيضاً أنّ الصراع عقدي وثقافي أكثر مما هو حرب معلنة ضد المواطن والدولة، والمدينة والمجتمع.
ولذا، فإنّ الطرح الروائي وأبعاده لا يخص مشكلة الإرهاب التي حصرها في أكثرية شخوص الرواية المنحرفة عن جادة الصواب بقدر ما يخصّ آفة أو ظاهرة متفشية أفرزتها البيئة الثقافية والدينية الرائجة بمرجعياتها ورموزها وتعاليمها وخطاباتها وأحكامها وفتاواها، أي إنّ الكاتب شكل الوجه الآخر لثقافة أسهمت في إنتاج التحجّر والأحادية والعدوانية والاستبداد بالرأي، إنّها ثقافة قامت على خمس دعائم من حيث المبدأ والشّعار والمنطق والمنهج والأداة، ويقصد بها الإسلام.
يقدم ياسمينة خضرة صورة عن نشاط حركة إسلامية سريّة في قرية صغيرة نائية غير بعيدة عن الجزائر العاصمة تدعى «غاشيما»، تشرف عليها سلسلة من الجبال أطلق عليها «جبال الخوف» يقطنها سكان، على أقليتهم، يختلفون في مواقفهم تجاه التّيار الإسلامي الذي داهمهم، ويتمايزون ثقافياً واجتماعياً وسياسياً وعقدياً، والرواية تدين الجماعة الإسلامية، وتضعها في خانة الشر المطلق.
وللكاتب ياسمينة خضرة رواية أخرى بالفرنسية أيضاً بعنوان «ماذا ينتظر القرود»، ويصور من خلالها تحول شاب عادي إلى إرهابي في العشرية السوداء حيث يقتل في نهاية المطاف، فضلاً عن روايات أخرى بعضها مترجم إلى العربية تعزف على وتر الإرهاب وظلامية الإسلام وفقاً لمصطلحات العلمانيين الفرانكفون والعرب!
واسيني الأعرج، أصابع لوليتا، دبي الثقافية، دبي (الإمارات العربية)، مارس 2013:
يحتذي واسيني الأعرج الرواية الشهيرة «لوليتا» للكاتب الروسي المتأمرك فلاديمير نابكوف، ويوظفها لسرد حكاية كاتب عربي مطارد من قِبل نظام بلده ويلجأ الى باريس حيث تحميه الشرطة الفرنسية بوصفه لاجئاً سياسياً، ويتعرف على لوليتا المغرية المحترفة، والعذراء مثل مريم، والملاك الكامل المدهشة بشعرها الأشقر، والشيطان الذي يعرف خفايا الأشياء المؤذية، تطرق واسيني الأعرج في روايته إلى كيفية تحول بطلة الرواية وعشيقة الراوي إلى إرهابية تفجر نفسها في أشهر شوارع باريس.
ويعد واسيني الأعرج المعادي للفكر الإسلامية من أكثر أدباء الجزائر الفرانكفون الذين انشغلوا بموضوع الإرهاب، ومعالجته من منظور أن كل مسلم إرهابي، وأن إيمانه يحضّه على الإرهاب، ويحظى الأعرج باهتمام كبير من الثقافة الرسمية في البلاد العربية، وخاصة في الخليج؛ حيث يُدعى إلى المؤتمرات والندوات ويُحتفى به في منح الجوائز ونشر حواراته وكتاباته (على سبيل المثال: نشرت له مجلة «دبي الثقافية» أكثر من رواية في عدد خاص!)، ومن أبرز رواياته الأخرى التي عبر فيها عن الإرهاب «رماد الشرق» في جزئها الأول: «خريف نيويورك الأخير»، و«رماد الشرق: الذئب الذي نبت في البراري» في جزئها الثاني، (منشورات الجمل، بغداد- بيروت، 2013)، وتتناول الرواية حادث تفجير برجي التجارة في نيويورك عام 2001م، وتتبنى وجهة النظر الأميركية الغربية.
رشيد بوجدرة، تميميون، المؤسسة الوطنية للاتصال والنشر والإشهار، الجزائر، 1994:
يقول المؤلف الشيوعي رشيد بوجدرة عن روايته: “.. ندمت للمرة الأولى، أنني عبرت على هامش حنانهن وأجسادهن.. وأنا في الأربعين من عمري، أشعر أنني عبرت على هامش الأصم، الأصم الآن، هو سارة»، ما الذي يجعل طياراً عسكرياً سابقاً مدمناً على الكحول ومطروداً من الجيش، يقوم برحلة في الصحراء على متن «باص» قديم؟ ما الذي يجعل الصحراء، حيث تستقر واحة تيميمون جزيرة للسلام وسط جزائر يهزها الإرهاب الأصولي(؟) قادرة على أن توقظ العشق لدى كائن ظل حتى الآن مرفوضاً.
رشيد بوجدرة له روايات ومؤلفات تتجاوز الثلاثين، وانضم في شبابه إلى الحزب الشيوعي، وعاش في فرنسا والمغرب قبل أن يعود إلى الجزائر ليستقر فيها، ويساند النظام العسكري من خلال كتاباته وعمله بالتعليم.
حكيم الشيخ، ابتسامات الموتى، الجزائر تقرأ، الجزائر، 2018:
جعل الكاتب حكيم الشيخ من رواية «ابتسامات الموتى» تعبيراً عن أخطر فترة أمنية وسياسية واجتماعية مرّت بها الجزائر خلال سنوات التسعينيات، وصنع من ابتسامة ضحايا تلك الحقبة العنوان الأبرز لتحدي الجزائريين للإرهاب ورفضهم الانكسار أمامه، وعبَّر عن شخصية الجزائري «المفطومة على التحدي ورفض الهزيمة حتى آخر رمق» في أزماته، وجعل الجلاد يتمنى أن يكون مكان الضحية في العالم الآخر، أو أن تلك الضحية انتقمت من جلادها قبل موتها.
جاء في مقدمة الرواية على لسان كاتبها: «كان كل شيء يحيط بي قاتلاً، لكني لا أزال حياً حتى الآن، كنت أخاف الموت والرحيل عن هذا العالم السّمج، فوجدتني أعيش على هذا الكوكب مثل طيف غريب عن المجموعة الشمسية، ليتحول الخوف من الموت والزوال إلى الخوف من مواصلة الحياة».
ويتبنى الكاتب وجهة نظر أجهزة الدعاية الرسمية، وشيطنة الإسلاميين وتوحشهم.
جيلالي خلاص، الرجل الذي يكتب على راحته، دار القصبة للنشر، الجزائر، 2021:
يستعيد جيلالي خلاص ما سبق إليه بعض الروائيين الجزائريين، ما قيل عن جماعات إرهابية تستهدف المثقفين (والقصد طبعاً من ينتمون إلى الثقافة المغايرة أو المعادية للثقافة الإسلامية).
ويستحضر جيلالي في روايته معاناة أفراد أصيبوا بانهيارات عصبية زمن العشرية السوداء، وسقطوا في بحر النسيان، وآلام الجزائريين في العشرية السوداء، ويصف آلام الانهيار العصبي، الذي أصيب به بطل الرواية جمال لكحل عقب إطلاق النار عليه بقصد اغتياله، فصار يصارع نوبات الانهيار ومتاعبه النفسية.
وسوف يتوقف البحث مع الكاتب أمين الزاوي بوصفه أبرز من عكس الرؤية العامة للإرهاب في الرواية الجزائرية، من خلال مساندة السلطة العسكرية، وتصوير المسلم في صورة الإرهابي الفصامي أو الدموي أو الجاهل المعادي للحياة الخاضع للخرافة والأساطير!
أيضاً، يعد الزاوي من أفضل كتَّاب رواية الإرهاب الجزائرية من الناحية الفنية، ولذا كان النموذج الأفضل -من وجهة نظري- لدراسة إحدى رواياته وكشف محتواها ومستواها.