كانت الجزائر قبل وقوعها تحت براثن «الاستدمار» الفرنسي مهتمة بالتعليم والتمدرس، وكانت المدارس مجهزة ولها نظام تسير عليه.
لكن الاستدمار الفرنسي حاول طمس الهوية العربية الإسلامية لجعل الجزائر ولاية تابعة لفرنسا.
وقد قاوم الإمام عبدالحميد بن باديس، رحمه الله تعالى، ذلك؛ فدعا إلى جعل الإسلام مصدرًا للإصلاح الأخلاقي والثقافي والاجتماعي والفكري، وسعى إلى نشر الكتاتيب والمدارس في كل مكان يستطيع الوصول إليه(1).
وقد أثمر غرسه؛ إذ قامت الثورة الجزائرية على أسس إسلامية، وكان بيان الأول من نوفمبر 1954م واضحًا في ذلك؛ إذ بيَّن أن الاستقلال الوطني يكون عن طريق «إقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية».
وبعد صراع طويل مع أعتى أنواع الاستعمار نالت الجزائر استقلالها عام 1962م.
وفي عام 1970م، تم تعيين أحمد طالب الإبراهيمي، ابن الزعيم الإصلاحي المناضل محمد البشير الإبراهيمي، رئيسًا للجنة وطنية تم تكليفها بإعادة هيكلة التعليم في الجزائر، وقد سجَّل في تقريره عددًا من القيم الأساسية التي ينبغي أن تتأسس عليها المنظومة التربوية في الجزائر المستقلة التي يجب ألا تخرج عن الإسلام، فقال: «لقد سجلنا أن الإسلام هو قيمة القِيَم في الحياة الجزائرية، وأن القِيَم الأخرى لا تستمد أهميتها ووجودها والاحترام الذي تتمتع به سوى بمدى انسجامها مع الدين الإسلامي»(2).
ولأن التعليم عماد نهضة الأمة، ورمز هويتها الوطنية، وعنوان استقلالها وعدم تبعيتها فقد كان أغلب وزراء التعليم العام أو الأصلي القائمين عليهما -منذ الاستقلال- من ذوي الاتجاهات الوطنية العربية الإسلامية حتى ولو كانوا من أصول قبائلية مثل الوطني العظيم السيد مولود قاسم نايت بلقاسم، رحمه الله تعالى.
وقد كان في الجزائر من أوائل السبعينيات وإلى غاية بداية الثمانينيات من القرن الماضي تعليم ديني رسمي موازٍ للتعليم العام في المرحلتين المتوسطة والثانوية يسمى «التعليم الأصلي»، وهو كان يشبه -إن جاز التعبير- التعليم الأزهري بمصر، وكان يتبع وزارة التعليم الأصلي والشؤون الدينية ثم أصبح تابعًا لوزارة التربية الوطنية.
وفي 17 مايو 1978م، صدر مرسوم أُلغي بموجبه ما كان يسمى شهادة «الأهلية للتعليم الأصلي»، واستحداث شهادة موحدة تحت مسمى «شهادة التعليم المتوسط»، كما تم أيضًاً إدماج بكالوريا التعليم الأصلي في شهادة البكالوريا الخاصة بالتعليم الثانوي العام.
وهناك تعليم ديني آخر شعبي تقوم به الزوايا في كل التراب الوطني الجزائري، وهو ما زال قائمًا حتى اليوم، ويؤدي دوره على أكمل وجه، ويقوم عليه علماء كبار، ومن أشهر الزوايا زاوية سيدي محمد بلكبير، رحمه الله تعالى، في أدرار بالصحراء الجزائرية، التي لها احترام كبير على المستويين الشعبي والرسمي.
وفي التعليم العام الإجباري، فإن مادة «التربية الإسلامية» مقررة في كل أطوار التعليم ومراحله، وكانت هناك شعبة «العلوم الإسلامية» التي كانت من شعب التعليم الثانوي، التي ألغيت حينما صادق الرئيس الجزائري الراحل عبدالعزيز بوتفليقة في السنة الدراسية (2005 – 2006م) على قرار حكومته بإلغاء شعبة الشريعة في المدارس الثانوية، وتقليص تدريس مادة التربية الإسلامية في الشعب الأخرى في جميع المستويات الدراسية.
وعمومًا فإنه تحت مسمى «التربية الإسلامية» في التعليم الابتدائي والمتوسط، ومسمى «العلوم الإسلامية» في التعليم الثانوي، ترافق مادة التربية الدينية التلميذ الجزائري مدة ساعة ونصف ساعة أسبوعيًّا في المرحلة الابتدائية، ومدة ساعة في التعليم المتوسط، وما بين ساعة فقط للتخصصات العلمية في السنة أولى ثانوي، وساعتين للتخصص الأدبي، أما في السنة الثانية والثالثة فساعتين منفصلتين في الأسبوع الواحد.
ويشرف على تقديم هذه المادة في التعليم الثانوي خريجو المعاهد المختصة في العلوم الإسلامية كجامعة الأمير عبدالقادر، التي كان يشرف عليها الشيخ محمد الغزالي، رحمه الله تعالى، ومعهد أصول الدين في الجزائر العاصمة، وكلية العلوم الإنسانية والعلوم الإسلامية بوهران وباتنة وأدرار.
أما في مرحلتي التعليم الابتدائي والمتوسط، فإن معلمي اللغة العربية هم الذين يدرِّسون مادة التربية الإسلامية(3).
وهي من الأمور السلبية في العملية التربوية؛ لعدم تخصص الأساتذة في الشريعة الإسلامية، مما يضعف التلاميذ في هذا المجال ولمدة أربع سنوات في الطور المتوسط.
وقد لقي ذلك كله انتقادًا واسعًا في عدة مواقف؛ منها: ملتقى «مواد الهوية الوطنية الجزائرية إدانة واسعة لمحاولات طمس الهوية من المناهج التربوية»، واعترافات وزير سابق للتربية الوطنية عن محاولات لطمس اللغة العربية والهوية الإسلامية.
ورغم ما سبق من محاولات الطمس التي لم تؤت أكلها، فإن المحتوى الديني دسم جدًّا في جوانب العقيدة والأخلاق والعبادات والمعاملات، حتى إنه قد لا يتمكن أساتذة العلوم الإسلامية من إكمال البرنامج قبل نهاية العام الدراسي.
«وعلى الأمة الجزائرية اتباع المنهج الباديسي الإصلاحي النهضوي في ميدان إصلاح منظومة التربية والتعليم»(4).
______________________
(1) ابن باديس.. مقاومة الاستعمار بالعلم وتحرير العقول
(2) El Moudjahid, 1er décembre 1970 نقلاً عن حميد زناز: الدين وتعليمه في الجزائر من وإلى أين، موقع مركز المسبار للدراسات والبحوث.
(3) انظر: السابق.
(4) علي مراد: الحركة الإصلاحية في الجزائر بحث في التاريخ الديني الاجتماعي، ص 305، نقلاً عن فلسفة المشروع الإصلاحي في الفكر الباديسي لمحمد عدنان بن مير.