مصطفى صبري التوقادي كان آخر شيخ الإسلام في الدولة العثمانية، وهو من أهم مناهضي وإسقاط الخلافة العثمانية التي قامت بها الحركة القومية التركية بقيادة كمال أتاتورك.
ولد الشيخ مصطفى صبري عام 1869م في الأناضول بمدينة توقاد التي ينسب إليها، وتعلم عند والده الشيخ أحمد التوقادي، وأتم دراسته الأولية في توقاد حيث حفظ القرآن الكريم، ثم رحل لطلب العلم الشرعي في مدينة قيصري، ثم توجه بعدها إلى الآستانة وحصل على إجازتين علميّتين.
كانت علامات النباهة واضحة في الشاب الفتي، ونال إعجاب أساتذته ومشايخه؛ فأصبح من أشهر المدرسين وهو لم يتجاوز 22 سنة من عمره، وكان أستاذاً محاضراً في جامع السلطان محمد الفاتح بعد أن اجتاز الامتحان الذي يؤهله لهذه الوظيفة، وكان ذلك في عام 1890.
وتخرج على يديه عدد كبير من الطلبة، تم اختياره في 16 يناير 1900م عضواً في ديوان القلم، وهو أمانة السر في دولة الخلافة العثمانية، واختارته هيئة كبار العلماء المعروفة بالجمعية العلمية رئيساً لصحيفتها الأسبوعية التي كانت تصدر تحت عنوان «بيان الحق»، ليصبح بعد ذلك عضواً في دار الحكمة وهي هيئة كبار العلماء، تولى الشيخ صبري بعدها تدريس الحديث الشريف في مدرسة السليمانية، وأصبح نائباً عن مدينة توقاد في المشروطية الثانية عام 1908م.
استمر الشيخ في التدريس والوعظ والإرشاد حتى تولى في عهد وزارة الداماد فريد باشا الأول منصب المشيخة الإسلامية، وكان ذلك في عام 1919م، وذلك بعد صدور الإرادة السلطانية بذلك، وظل الشيخ صبري محتفظاً بمنصبه في الوزارتين المتعاقبتين، وقد تعرض للكثير من الضغوطات بعد أن ازداد نفوذ جمعية الاتحاد والترقي في دولة الخلافة العثمانية؛ فاضطر إلى الهجرة، وزار مصر عام 1923م ومنها إلى لبنان، واستمر في تنقلاته إلى عدد من الدول الأوروبية، وانتقل إلى ضيافة الشريف حسين في مكة المكرمة، وعاد إلى مصر عام 1932م واستقر بها حتى وفاته.
أهم كتبه على الإطلاق كتاب «موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين» (5 أجزاء)، ومن كتبه أيضاً «موقف البشر تحت سلطان القدر»، و«مسألة ترجمة القرآن»، و«النكير على منكري النعمة من الدين والخلافة والأمة»، و«قولي في المرأة ومقارنته بأقوال مقلدة الغرب».
قال عنه محب الدين الخطيب: «فحل الفحول الصائل الذي يعد فضله أكبر من فضل معاصريه»، وقال عنه الشيخ زاهد الكوثري: «قرة أعين المجاهدين»، وقال عبدالفتاح أبو غدة عن كتابه «موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين»: «هو كتاب القرن بلا منازع».
توفي مصطفى صبري في مصر عام 1954م.
________________
1- انظر: كتاب «مصطفى صبري المفكر والعالم الإسلامي وشيخ الإسلام في الدولة العثمانية سابقاً»، تأليف مفرج بن سليمان القوسي، دمشق 2006م.