ما بين رافض لعمل النساء بشكل مطلق، ومؤيد له دون قيود، يغفل الكثير الأسباب الحقيقية وراء الدعوات المتزايدة في السنوات الأخيرة لعملهن بدعوى التحرر وإثبات الذات.
وبينما كانت الظروف الاقتصادية أحد أهم الأسباب التي دفعت النساء إلى سوق عمل يعاني الكثير من المشكلات والصعوبات، تظل تربية الأجيال الجديدة أهم وظيفة للمرأة، وهي تسمو فوق أي مهام أخرى.
ووفق تقرير صادر عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (إسكوا)، في ديسمبر الماضي، فإن عدد الفقراء في المنطقة العربية وصل إلى ما يقرب من 130 مليون شخص؛ أي ما يمثل ثلث سكان المنطقة، باستثناء دول مجلس التعاون الخليجي وليبيا، وهو ما يفسر تزايد الحاجة في بعض المجتمعات إلى عمل المرأة.
وتؤكد وثيقة الأزهر المتعلقة بالنساء، الصادرة عام 2013م، وجاء بندها الخامس تحت عنوان «المرأة والعمل»، أن الواقع المعاصر في متطلباته الاقتصادية دفع النساء إلى سوق العمل إلى جانب وظيفتهن الإنسانية والطبيعية في حفظ النوع البشري.
من الضروري التزام بيئة العمل بالضوابط الإسلامية
وأوضحت وثيقة الأزهر أن «العمل نهج شريف لتحصيل الرزق، لا يرفضه الدين بما يتناسب مع ظروف الزوجين وأبنائهما طالما اقترن بالحفاظ على الفروض والآداب الإسلامية».
وبحسب وثيقة الأزهر، يجب وضع مجموعة من الالتزامات لعمل المرأة؛ أولها أن يقوم على قاعدة تكافؤ الفرص والعدالة، وبخاصة المرأة المحتاجة والفقيرة والمعيلة؛ إعمالاً لمبدأ الرعاية والتيسير لا مجرد المساواة فحسب؛ حفظاً للأسر من الانهيار؛ ولذلك ينبغي تيسير قواعد العمل بالنسبة للنساء العاملات، وتحقيق التوافق الأسري على التعاون والتضافر في حمل الأعباء المادية وغير المادية كرعاية الأبناء.
ويتفق مع ما جاء في وثيقة الأزهر، خبراء في الاقتصاد وعلم الاجتماع تحدثوا إلى «المجتمع»، مؤكدين أنه كلما زاد الفقر في مجتمع؛ لجأت النساء إلى العمل في محاولة لمساعدة الرجل في نفقات المعيشة، مشددين على ضرورة ألا يكون ذلك من باب منافسة الرجال وإنما بالتكامل.
وتقول د. إنشاد عزالدين، أستاذة علم الاجتماع بجامعة المنوفية: إنه بسبب الظروف الاقتصادية التي تشهدها المنطقة العربية الآن، بات عمل المرأة ضرورة؛ لأنه نتيجة احتياج وليس رفاهية، مؤكدة لـ«المجتمع» أن المشكلات الاقتصادية أصبحت سمة في العالم كله، فأزمة كورونا وبعدها الحرب الروسية الأوكرانية كان لهما تأثير كبير على الاقتصاد العالمي.
وتابعت: هناك التزامات كبيرة فرضت على الأسرة العربية بداية من التعليم ووصولاً إلى حتى الترفيه، وكل شيء أصبح مكلفاً لدرجة منهكة لأي رجل، فإما يرتضي بأن يعيش هو وأسرته دون المستوى أو يسمح لزوجته بالعمل.
ومن جانبها، ترى أستاذة الاقتصاد في جامعة الأزهر زينب صالح أن الظروف الاقتصادية، وبعض الظروف الاجتماعية قد تدفع النساء إلى سوق العمل، لكن يجب أن يكون ذلك وفقاً للضوابط الإسلامية، مشيرة في حديثها مع «المجتمع» إلى أن عمل المرأة يرتبط بشكل أساسي بمستوى التعليم والحاجة الاقتصادية، مشددة على ضرورة عدم إغفال أن الأصل في الأمور عمل المرأة في منزلها، سواء لتربية الأجيال الجديدة، أو لتوفير بيئة جيدة لزوجها.
الأصل عمل المرأة في منزلها وتربية الأجيال الجديدة
ورغم ما يسوقه البعض من أهمية عمل المرأة لحاجة المجتمع لذلك، ترى أستاذة الاقتصاد في جامعة الأزهر زينب صالح أن العكس قد يحدث أحياناً، حيث يكون عمل المرأة له تأثير اقتصادي سلبي على الأسرة والمجتمع، مشيرة إلى أن هناك علاقة بين التضخم وعمل النساء، وأن التضخم يعني زيادة الطلب على المعروض فيرتفع سعره، وهذا يحدث في الغالب مع عمل النساء.
وتتابع قائلة: إن الله تعالى خلق المرأة بعد الرجل وكلفه بما لم يكلف به المرأة؛ وبالتالي عليه واجبات ومهام لا يستطيع توفيرها إلا بعمله، مشيرة إلى أن المرأة من حقها أن تعمل، لكنْ أيضاً لأسرتها حق عليها.
ولفتت إلى أن التأثير المباشر لعمل المرأة ينعكس على الأسرة؛ ما قد يتسبب بالكثير من المشكلات بين الأزواج، وهو ما تتفق معه د. إنشاد التي تؤكد أن الأصل في هذه الأمور الاتفاق بين الزوجين، ويجب أن يكون ذلك قبل الزواج حيث يتم الاتفاق حول عمل الزوجة من عدمه، فإن اتفقا كان بها، وإن اختلفا فيبحث الرجل عن زوجة أخرى توافق رأيه.
وتشدد على ضرورة ضبط المفاهيم لدى النساء في العالم العربي، وأن يعرفن أنهن لسن في حرب ضد الرجل، وكذلك الرجال ليسوا في حرب ضد النساء، وأننا جميعاً نعيش في مجتمع واحد، وأن المرأة مكون أصيل في أي مجتمع، ويجب أن يتم السماح لها بممارسة عملها، مؤكدة أنه في حال حاجة البيت للمرأة يمكنها أن تحصل على إجازة من العمل، وعندما تنتهي الحاجة لها تعود إلى عملها مرة أخرى.