«البريكس» اختصار لمجموعة من الدول المؤسسة لذلك التكتل الاقتصادي الناشئ، وهي: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، 5 اقتصادات ناشئة اجتمعت لتشكيل تحالف سياسي واقتصادي، وتعد دول «البريكس» من بين أكبر 10 دول في العالم من حيث عدد السكان والمساحة والناتج المحلي الإجمالي، وتعتبر الدول الثلاث الأخيرة على نطاق واسع قوى عظمى حالية أو ناشئة.
صاغ جيم أونيل، الخبير الاقتصادي في بنك جولدمان ساكس، مصطلح «بريك»، في عام 2001م، لوصف الاقتصادات الأربعة سريعة النمو؛ وهي البرازيل وروسيا والهند والصين، التي توقع أنها يمكن أن تهيمن بشكل جماعي على الاقتصاد العالمي بحلول عام 2050م، وفيما بعد انضمت جنوب أفريقيا المجموعة في عام 2010م، وتم تغيير الاختصار إلى «بريكس».
تمثل دول «البريكس» حوالي 26.7% من مساحة اليابسة في العالم، و41.5% من سكان العالم.
يبلغ إجمالي الناتج المحلي الاسمي لهذه البلدان 28.06 تريليون دولار أمريكي (حوالي 26.6% من إجمالي الناتج العالمي)، ويبلغ إجمالي الناتج المحلي الإجمالي حوالي 56.65 تريليون دولار أمريكي (32.5% من إجمالي الناتج المحلي العالمي)، وما يقدر بنحو 4.46 تريليونات دولار أمريكي من النقد الأجنبي المجمع من الاحتياطيات (اعتبارًا من عام 2018م).
تم تحديد مجموعة «البريكس» في الأصل لتسليط الضوء على فرص الاستثمار ولم تكن منظمة حكومية دولية رسمية، ومنذ عام 2009م، تشكلت هذه الدول على نحو متزايد في كتلة جيوسياسية أكثر تماسكاً، حيث تجتمع حكوماتها سنوياً في مؤتمرات قمة رسمية وتنسق سياساتها.
تتم العلاقات الثنائية بين «البريكس» بشكل أساسي على أساس عدم التدخل والمساواة والمنفعة المتبادلة.
في أغسطس 2023م، في قمة «البريكس» الخامسة عشرة التي عقدت في جوهانسبرج، أعلن رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوسا أنه تمت دعوة الأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة للانضمام إلى الكتلة، وستدخل العضوية الكاملة لهم حيز التنفيذ في الأول من يناير 2024م.
تعتبر مجموعة «البريكس» المنافس الجيوسياسي الأول لمجموعة السبع التي تضم الاقتصادات المتقدمة الرائدة.
أهداف «البريكس»
لدى «البريكس» أهداف عدة، من بينها:
– التعاون الاقتصادي، حيث تهدف دول «البريكس» إلى زيادة التدفقات التجارية والاستثمارية فيما بينها.
– التبادلات الشعبية الهادفة إلى تعزيز التبادلات الشعبية وتطوير وتوثيق التعاون في مجالات الثقافة والرياضة، والتعليم، والسينما، وغيرها.
– التعاون السياسي والأمني، حيث تسعى دول «البريكس» إلى تنسيق مواقفها بشأن القضايا العالمية الرئيسة لخلق نظام عالمي متعدد الأقطاب وأكثر ديمقراطية.
– تمويل التنمية، حيث تعمل «البريكس» على توفير مصادر بديلة لتمويل التنمية للاقتصادات الناشئة.
– التكنولوجيا والابتكار في مجالات العلوم والتكنولوجيا لتعزيز قدرة «البريكس» التنافسية في الاقتصاد العالمي.
أمثلة على التعاون الاقتصادي لـ«البريكس»
تعمل دول «البريكس» على تعزيز التعاون الاقتصادي والتنمية بين أعضائها، وفيما يلي بعض الأمثلة على التعاون الاقتصادي للمجموعة:
1- في عام 2014م، أنشأت دول «البريكس» بنك التنمية الجديد (NDB)، الذي يهدف إلى تعبئة الموارد لمشاريع البنية التحتية والتنمية المستدامة في الاقتصادات الناشئة، ووافق بنك التنمية الجديد على قروض تتجاوز قيمتها 30 مليار دولار لمشروعات مختلفة في الدول الأعضاء.
2- أنشأت دول «البريكس» أيضاً مؤسسة «ترتيبات الاحتياطي الطارئ» (CRA)، وهي شبكة أمان مالي توفر دعم السيولة على المدى القصير للبلدان الأعضاء التي تواجه صعوبات في ميزان المدفوعات، ويبلغ إجمالي الالتزامات التي التزمت بها هيئة تنظيم الاتصالات 100 مليار دولار.
3- تعمل دول «البريكس» على زيادة التدفقات التجارية والاستثمارية فيما بينها، وفي عام 2020م، بلغت التجارة البينية بين دولها 15.4 مليار دولار، وكانت الهند والصين وروسيا أكبر الشركاء التجاريين.
4- تتعاون دول «البريكس» أيضًا في قطاعات مختلفة مثل الزراعة والطاقة والتكنولوجيا، فعلى سبيل المثال، في عام 2019م، وقع وزراء الزراعة في دول «البريكس» مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون الزراعي بين الدول الأعضاء.
5- تتعاون دول «البريكس» أيضًا في مجال استكشاف الفضاء، ففي عام 2021م، وقعت الصين وروسيا مذكرة تفاهم بشأن التعاون في بناء محطة أبحاث فضائية مع شركاء دوليين آخرين، من بينها البرازيل وجنوب أفريقيا.
دور الصين المحوري
الصين أهم الأعضاء المؤسسين لمجموعة «البريكس»، وتمارس دوراً محورياً في الأنشطة السياسية والاقتصادية للمجموعة، وفيما يلي بعض النقاط الرئيسة حول دور الصين في «البريكس»:
– تعد الصين أكبر اقتصاد بين دول «البريكس»، حيث يبلغ الناتج المحلي الإجمالي الاسمي 16.16 تريليون دولار أمريكي (اعتبارًا من عام 2021م).
– تعد الصين أيضًا أكبر شريك تجاري لمعظم دول المجموعة، وفي عام 2020م، كانت الصين أكبر شريك تجاري للهند، حيث استحوذت على 15.9% من إجمالي تجارة الهند، وعلى نحو مماثل، تُعَد الصين أكبر شريك تجاري للبرازيل، حيث تمثل 28.3% من إجمالي صادرات البرازيل.
– تعمل الصين بنشاط على الترويج لمبادرة «الحزام والطريق»، التي تهدف إلى تعزيز التواصل والتعاون بين دول آسيا وأوروبا وأفريقيا، وقد رحبت بعض دول «البريكس» بمبادرة «الحزام والطريق» باعتبارها فرصة لتعزيز تطوير البنية التحتية والنمو الاقتصادي.
– ظلت الصين تعمل مع دول «البريكس» الأخرى لتعزيز التعاون الاقتصادي والتنمية، على سبيل المثال، ظلت الصين تقدم القروض والاستثمارات لدول «البريكس» الأخرى من خلال بنك التنمية الجديد (NDB)، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية (AIIB).
– تتعاون الصين أيضًا مع دول «البريكس» الأخرى في القضايا المتعلقة بالحوكمة العالمية والعلاقات الدولية، على سبيل المثال، دعت الصين إلى نظام عالمي أكثر ديمقراطية ومتعدد الأقطاب يعكس مصالح الاقتصادات الناشئة.
هل تستطيع مجموعة «البريكس» إنهاء الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمي؟
تعمل دول «البريكس» على تعزيز نظام عالمي أكثر ديمقراطية ومتعدد الأقطاب يعكس مصالح الاقتصادات الناشئة، ورغم أن دول «البريكس» حققت تقدماً كبيراً في تعزيز التعاون الاقتصادي والتنمية بين أعضائها، فمن غير المرجح أن تتمكن من إنهاء هيمنة الولايات المتحدة على الاقتصاد العالمي في المستقبل القريب.
تظل الولايات المتحدة أكبر اقتصاد في العالم، حيث يبلغ الناتج المحلي الإجمالي الاسمي 22.67 تريليون دولار أمريكي (اعتبارًا من عام 2021م)، يعد الدولار الأمريكي أيضًا العملة الاحتياطية الأساسية في العالم، حيث يمثل حوالي 60% من احتياطيات النقد الأجنبي العالمية، وهذا يمنح الولايات المتحدة نفوذاً كبيراً على النظام المالي العالمي ويجعل من الصعب على الدول الأخرى تحدي هيمنتها الاقتصادية.
علاوة على ذلك، تواجه دول «البريكس» العديد من التحديات التي تحد من قدرتها على تحدي الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمي، وتشمل هذه:
– الاختلافات في الأنظمة السياسية والنماذج الاقتصادية: فلدى دول «البريكس» أنظمة سياسية ونماذج اقتصادية مختلفة، مما قد يجعل من الصعب عليها تنسيق سياساتها والعمل معًا بشكل فعال.
– القدرة المؤسسية المحدودة: تفتقر دول «البريكس» إلى القدرة المؤسسية اللازمة لتحدي هيمنة الولايات المتحدة على النظام المالي العالمي، فعلى سبيل المثال، لا يزال بنك التنمية الجديد وترتيب احتياطي الطوارئ الذي أنشأته دول «البريكس» صغيراً نسبياً مقارنة بالمؤسسات القائمة مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
– الاعتماد على الصادرات للعالم الأول: تعتمد العديد من دول «البريكس» بشكل كبير على الصادرات إلى الولايات المتحدة وغيرها من الاقتصادات المتقدمة، وهذا يحد من قدرتها على تحدي الهيمنة الاقتصادية الأمريكية دون المخاطرة باضطراب اقتصادي كبير.
فمع أن دول «البريكس» حققت تقدماً كبيراً في تعزيز التعاون الاقتصادي والتنمية بين أعضائها، من غير المرجح أن تتمكن من إنهاء هيمنة الولايات المتحدة على الاقتصاد العالمي في المستقبل القريب، ومع ذلك، يمكنها الاستمرار في العمل معًا لتعزيز نظام عالمي أكثر ديمقراطية ومتعدد الأقطاب يعكس مصالح الاقتصادات الناشئة.
ومع ذلك، فإن ظهور مجموعة «البريكس» كلاعبين رئيسين في الاقتصاد العالمي سيظل يشكل تحدياً كبيراً للهيمنة الاقتصادية الأمريكية، فبفضل اقتصاداتها سريعة النمو وقواعدها الاستهلاكية الكبيرة، أصبحت هذه البلدان تشكل منافسة هائلة في السوق الدولية، فالموارد الطبيعية الهائلة والقطاع الزراعي في البرازيل تجعلها مصدراً عالمياً رائداً، في حين أن احتياطيات النفط والغاز الروسية تضمن نفوذها في أسواق الطاقة، وصناعة تكنولوجيا المعلومات في الهند وتوفر القوى العاملة الماهرة تجعلها مركزاً لخدمات ذات صبغة عالمية، وبراعة التصنيع في الصين جعلت منها مصنع العالم.
وبالإضافة إلى ذلك، تعد جنوب أفريقيا بمثابة نقطة دخول إلى السوق الأفريقية بقطاعها المالي المتطور، هكذا تقدم دول «البريكس» مجتمعة بديلاً للنظام الاقتصادي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة من خلال تقديم نفسها كوجهات استثمارية جذابة والدعوة إلى إصلاح المؤسسات المالية الدولية، ومع استمرارها في تأكيد قوتها الاقتصادية على نطاق عالمي، من المحتمل أن تعيد مجموعة «البريكس» تشكيل توازن القوى الحالي لصالح الأسواق الناشئة وتحدي الهيمنة الاقتصادية الأمريكية في مختلف القطاعات.