في ظل تعقيدات الواقع المعاصر، وتسارع وتيرة الأحداث والصراعات التي يشهدها العالم خلال السنوات الأخيرة، تتزايد المشكلات التي تواجه الشباب على كافة المستويات.
لكن تظل الأمراض النفسية واحدة من أخطر وأعقد هذه المشكلات التي تواجه هذه الفئة العمرية في ظل زيادة أعداد الأشخاص الذين يعانون منها.
ففي أحدث إحصائية لها بمناسبة «اليوم العالمي للصحة النفسية»، الموافق 10 أكتوبر 2023م، كشفت منظمة الصحة العالمية أن شخصاً واحداً من كل 8 أشخاص في العالم يتعايش مع «اعتلال من اعتلالات الصحة النفسية، التي يمكن أن تؤثر على صحتهم البدنية، ورفاههم، وكيفية تواصلهم مع الآخرين، وسبل عيشهم».
وعن فئة الشباب والمراهقين تحديداً، ذكرت المنظمة الدولية أن اعتلالات الصحة النفسية تؤثر أيضاً على عدد متزايد منهم، وأنها تمثل تهديداً كبيراً لرفاههم، موضحة أن واحداً من كل 7 مراهقين على مستوى العالم يعاني من اضطرابات نفسية.
الوعي الديني
وفي تفسيرها لزيادة معدل اضطرابات الصحة النفسية في أوساط الشباب، قالت الخبيرة التربوية والنفسية مروة إسماعيل، لـ«المجتمع»: إن السبب الرئيس في معاناة الكثير من الشباب في وقتنا الحالي من مشكلات نفسية غياب الوعي الديني، وعدم ارتباطهم بالله عز وجل بالقدر الكافي الذي يوفر لهم حصانة إيمانية تحميهم من السقوط في براثن الاكتئاب والإحباط واليأس، وغيرها من أعراض الاعتلال النفسي التي يمثل الدين واقياً فعالاً منها.
كما رأت أن هناك عاملاً آخر وهو غياب الحضانة الأسرية التي كانت توفر للأبناء في السابق جداراً واقياً من الكثير من المؤثرات السلبية سواء كانت مما يعايشونه في حياتهم الواقعية أو ما يتلقونه عبر وسائل الإعلام ولاسيما مواقع التواصل الاجتماعي في الوقت الحالي، مشيرة إلى أن غياب الدور الأسري ناجم عن انشغال الآباء عن الأبناء في معظم الوقت بالبحث عن سبل العيش في ظل صعوبة الحياة.
واعتبرت أن الصعوبات التي تحول بين الشباب وتكوين أسرة جديدة لا سيما الصعوبات المادية، تجعل نظرة الشباب للمستقبل سوداوية وهم ما يفاقم من معاناتهم النفسية، الأمر الذي يدفع الكثيرين منهم للهروب من هذا الواقع باللجوء إلى المخدرات والإدمان.
تعقيدات الحياة
من جانبه، قال د. أحمد عليان عيد، اختصاصي الصحة النفسية: إن واقع الكثير من الشباب في الوقت الحالي يختلف بالكلية عن الفترات السابقة، موضحاً أن الكثير من الشباب يعيش حالة من عدم التوازن الناجم عن التعرض لانفعالات نفسية سيئة تتسم بالقلق والتوتر والضيق والتفكير المرهق في أحداث وخبرات حياتية تعرضوا لها في الماضي أو يعيشونها في الوقت الحاضر أو يخشون حدوثها في المستقبل.
وأشار إلى أن الشيء الملموس أن تعقيدات الحياة الحديثة والتقدم المادي والتكنولوجي ساعدا في زيادة الضغوط النفسية على الأفراد بشكل عام والشباب بشكل خاص، موضحاً أن تقارير طبية في الولايات المتحدة خلصت إلى أن 75% من المشكلات الصحية لها علاقة بشكل أو بآخر بالضغوط النفسية، التي تؤدي في غالب الأمر إلى تغيرات في العمليات العقلية وتحولات انفعالية وأفكار ومعتقدات سلبية لدي الشباب.
الأحداث الكبرى
من جانبه، قال د. محمد عادل الحديدي، أستاذ الطب النفسي وعلاج الإدمان: إن التعرض للضغوط النفسية الشديدة والعزلة وسماع أخبار سيئة كوقوع وفيات بمعدلات عالية وفقدان الأقارب والمعارف، والتأثر بالأوضاع الاقتصادية المتردية أدت دوراً كبيراً في التأثير سلباً على الصحة النفسية.
وأشار إلى أن أحد الأحداث الكبرى التي تسببت في زيادة الأمراض النفسية، لا سيما القلق والاكتئاب والوسواس القهري، جائحة كورونا، موضحاً أن معدلات الإصابة بهذه الأمراض تزايدت بنسبة تتراوح بين 30 و40% عما كانت عليه قبل فترة كورونا، وفقاً للإحصائيات العالمية.
وسائل التواصل الاجتماعي
وبحسب تقرير نشرته صحيفة «الجارديان»، فإن هناك أسباباً أخرى تؤثر على الصحة العقلية للشباب، من بينها الرسائل السلبية التي يبثها الوالدان، وما يتعرض له الشباب على مواقع التواصل من محتوى سلبي.
وأشار التقرير إلى أن هذه النتائج جاءت استناداً لنتائج المسح الذي أجرته مؤسسة «ستيم 4» الخيرية للصحة العقلية للشباب، الذي شمل 1024 شاباً وشابة.
ووفق المؤسسة الخيرية البريطانية، فقد أظهر البحث أن هناك حاجة ملحة لاتخاذ إجراءات عاجلة على هذا الصعيد.
وقالت المستشارة في علم النفس العيادي، الرئيسة التنفيذي لمؤسسة «ستيم 4» د. نيهارا كراوس: نحتاج إلى تحسين فهمنا للتأثير القهري الذي يحدثه المحتوى المنشور على وسائل التواصل الاجتماعي على الشباب، وأثر الخوارزميات المستخدمة في هذه الوسائل على الصحة العقلية لأجيال المستقبل.
حرب أوكرانيا
ورأى د. هشام أبو النصر، أستاذ جراحة المخ والأعصاب، أن تعرض الشباب للضغوط النفسية، وعدم الاستقرار الذي يعاني منه العالم بسبب كورونا والحرب بين أوكرانيا وروسيا، أدى إلى زيادة مشكلات الجهاز العصبي في أوساط الشباب.
وذكر أبو النصر أن أبرز مشكلات الجهاز العصبي الناجمة عن الضغوط النفسية ارتفاع ضغط الدم ونزيف الجهاز العصبي، وانسداد الشرايين وارتفاع دهنيات الدم، ويكون ذلك نتيجة تناول الوجبات السريعة.
ما العلاج؟
الخبيرة التربوية مروة جمال رأت أن العلاج الأنجع للمشكلات النفسية لدى الشباب إعادة ربطهم بالله، وتصحيح المفاهيم الدينية الخاطئة، والتعامل مع أمور الحياة انطلاقاً من مفهوم الإيمان بالقضاء والقدر، ومعرفة أن الدين يحثنا على التفاؤل والسعي لتغيير الواقع وعدم الاستسلام لليأس والإحباط.
كما رأت أنه ينبغي أن تستعيد الأسرة دورها في احتضان الأبناء وتوفير الملاذ الآمن الذي يفرون إليه وقت الحاجة من أخطار الواقع الخارجي، لتصبح المرجعية التي تصحح مفاهيم وأساليب التعامل مع هذا الواقع.
ونصحت بتوفير الدعم العاطفي والمعرفي والاجتماعي للشباب وتعزيز الوعي بمشكلاتهم المحتملة، معتبرة أن ذلك قد يساعد في التعامل مع تلك المشكلات وتعزيز صحتهم العامة ورفاهيتهم.
أما الحديدي فرأى أن علاج الاضطرابات النفسية يحتاج إلى الاستعانة بطبيب متخصص في وقت مبكر قبل أن تتفاقم حالة المصاب باضطراب نفسي.
وقدم أستاذ الطب النفسي مجموعة من النصائح لتجنب مضاعفات الاضطرابات النفسية والحد منها، وفي مقدمتها التقرب من الله والاهتمام بالجانب الديني، وممارسة الرياضة بشكل يومي ومنتظم.
كما نصح بعدم الاستسلام للظروف الاجتماعية الصعبة ودعم الأشخاص لبعضهم بعضاً؛ وهو ما يقلل من الشعور بالأزمة ويساعد على الإحساس بالأمان والطمأنينة.
أما هشام أبو النصر، فنصح الشباب بضرورة ممارسة الرياضة والتغذية السليمة والبعد عن العادات السيئة كالتدخين وتناول الوجبات السريعة ومحاولة التقليل من الضغط النفسي.