تدخل الحرب البربرية الهمجية الصهيونية في أبشع صورها على الإطلاق على قطاع غزة أسبوعها الرابع -حتى كتابة هذه السطور- وما زالت آلة البطش العسكرية لجيش الاحتلال الصهيوني تتبع سياسة القتل والدمار والحرق الممنهج بحق نحو مليونين و200 ألف مواطن فلسطيني في قطاع غزة، التي وصلت إلى مستوى «الإبادة الجماعية»، في ظل تطبيق حصار مقيت على القطاع من جميع الجهات؛ ما فاقم من الأوضاع الإنسانية المتردية للسكان وللقطاعين الصحي والاقتصادي المنهارين أصلاً.
ولم يترك الجيش الصهيوني، منذ إعلان رئيس وزراء الاحتلال «بنيامين نتنياهو»، الحرب على غزة، في 12 أكتوبر 2023م، في عملية أطلق عليها «السيوف الحديدية»؛ انتقاماً من الهزيمة المُذلة التي تلقاها في عملية «طوفان الأقصى»، في السابع من أكتوبر، لم يترك مكاناً إلا وقصفه؛ إذ استهدف منظومة الاتصالات والبنية التحتية وشبكات الصرف الصحي وخطوط إمدادات المياه؛ بقصد إحداث دمار وتخريب شامل.
الاحتلال أسقط آلاف الأطنان من المتفجرات ودمر أحياء ومستشفيات ومدارس ومستشفيات ومساجد وكنائس
ورغم الدعوات المنطلقة من منظمات حقوقية ودولية وحكومات عربية وأجنبية لوقف إطلاق نار إنساني وفتح ممرات إنسانية للسماح بإدخال الشاحنات المحملة بالمساعدات الغذائية والطبية الوقود عبر معبر رفح البري الوحيد، المرتبط بالجانب المصري، فإن الاحتلال مُصرٌّ على رفض التهدئة ومنع وصول المساعدات.
هذا التعنت من قبل الاحتلال أمام وقف إطلاق النار، يرفع أعداد الشهداء والإصابات، يومياً، ويزيد حجم الدمار وتشريد مئات آلاف الأشخاص من المدنيين من منازلهم وأحيائهم السكنية، ضارباً بعرض الحائط القوانين الدولية التي كفلت حماية المدنيين.
مجازر ضد المدنيين
وزارة الصحة في غزة، وعبر الناطق باسمها، د. أشرف القدرة، أكد، في مؤتمرات صحفية، خلال فترة الحرب، في مجمع دار الشفاء الطبي بمدينة غزة، أن «الاحتلال ما زال يقوم بمجازر ضد المدنيين في جميع أنحاء محافظات القطاع، ويرتكب حرب إبادة».
وقد تجاوز عدد شهداء العدوان الصهيوني على غزة المستمر 8 آلاف شهيد، حتى كتابة هذه السطور، نصفهم من الأطفال، وعدد المصابين تخطى 20 ألفاً، وفقاً لبيانات وزارة الصحة في غزة.
أعداد الشهداء تجاوزت 8 آلاف نصفهم من الأطفال!
فيما يقدر عدد المفقودين تحت أنقاض الأبنية السكنية المستهدفة نحو 2000 شخص، حيث تعجز فرق الإنقاذ من الدفاع المدني وطواقم الإسعاف التابعة لوزارة الصحة والهلال الأحمر الفلسطيني من الوصول إليهم، نتيجة لقلة الإمكانات وآلات وأدوات الإنقاذ لديهم، واستمرار القصف بكثافة لا سيما في المناطق الشرقية والشمالية.
انهيار المنظومة الصحية
وجراء عدم سماح الاحتلال لإدخال الوقود والأدوية والمستلزمات الطبية إلى القطاع، منذ بدء العدوان، دخلت المنظومة الصحية مرحلة الانهيار الفعلي، وتُجرى العمليات الجراحية دون تخدير، وفي الساحات العامة وداخل أبنية المشافي!
ووفق وزارة الصحة بغزة، فقد خرج 12 مستشفى و32 مركزاً صحياً عن الخدمة؛ بسبب الاستهداف ونفاد الوقود، ومئات الحالات يتأخر وصولها لغرف العمليات لعدة أيام بسبب الضغط الهائل من الإصابات الخطيرة والمعقدة.
انهيار المنظومة الصحية بسبب منع إدخال الوقود والأدوية والمستلزمات الطبية
من جانبها، حذرت وزيرة الصحة الفلسطينية د. مي الكيلة من أن انقطاع المياه وتدهور منظومة الصرف الصحي يزيدان أخطار تفشي الأمراض السارية.
مجزرة «المعمداني» و«الأونروا»
وفي ليل الثلاثاء 17 أكتوبر 2023م، ارتكب الاحتلال الصهيوني مجزرة في «مستشفى المعمداني» وسط غزة الذي يحوي آلاف النازحين جلهم من الأطفال والنساء، تعد الأكثر قساوة وبشاعة في هذه الحرب حتى الآن، حيث تم استهداف مرآب المستشفى بصاروخ واحد على الأقل، دون الاكتراث إلى وجود المدنيين والمرضى بداخله.
وأسقط الاحتلال الغاشم آلاف الأطنان من المتفجرات، ودمر أحياء سكنية ومستشفيات ومدارس ومراكز صحية وإنسانية ومساجد وكنائس دون سابق إنذار.
وبلغت ️حصيلة ضحايا المجزرة 471 شهيداً جلهم من الأطفال والنساء، وما زالت 28 حالة حرجة يتم تقديم العلاج لهم، إضافة إلى 314 إصابة بجراح مختلفة، حسبما أعلنت وزارة الصحة بغزة.
وتتنصل حكومة الاحتلال من مسؤوليتها عن قصف المستشفى، وتحاول كعادتها وعبر دعايتها المضللة أمام العالم، أنه ناجم عن صاروخ محلي أطلق من غزة، وسقط به بسبب خلل فني!
الاحتلال قطع الماء والكهرباء والاتصالات ومنع دخول المساعدات الإغاثية من معبر رفح
بعد هذه المجزرة البشعة بدقائق، جابت مسيرات شارك فيها مئات الآلاف حول العالم؛ تنديداً بالجريمة المروعة، مطالبة بمحاسبة المسؤولين الصهاينة على هذه الجريمة النكراء، ومنع تكرارها، والعمل على حماية المستشفيات.
إلى ذلك، استهدفت مدفعية الاحتلال مدرسة تابعة لـ«لأونروا» في مخيم المغازي وسط القطاع؛ ما أسفر عن استشهاد 11 مواطناً، وعشرات الإصابات.
كما تم قصف مخيمات للاجئين وعشرات المساجد ومستشفيات ومراكز صحية وطواقم طبية ورجال دفاع مدني، راح ضحيتها أطباء ومسعفون.
واستهدف الطيران الحربي، أيضاً، بسلسلة غارات جوية العديد من المؤسسات التعليمية، من بينها الجامعة الإسلامية والأزهر والكلية الجامعية وجامعة الإسراء وغيرها، وألحق بها أضراراً جسيمة.
استهداف صحفيين
نقابة الصحفيين الفلسطينيين أكدت، في بيان لها، أن الاحتلال قصف بيوت الصحفيين على رؤوس ساكنيها وأثناء تغطية العدوان؛ ما تسبب بمقتل 21 صحفياً وإصابة 20 آخرين وفقدان صحفيين، كما دمر القصف 50 مؤسسة إعلامية.
ومن بين الضحايا، عائلة مراسل قناة «الجزيرة» القطرية، وائل الدحوح، حيث استشهدت زوجته وابنه وابنته، وأفراد من عائلته، بقصف منزل في النصيرات وسط القطاع.
وتم استهداف العديد من المحلات التجارية والمنشآت الاقتصادية الحيوية، فضلاً عن إغلاق سلطات الاحتلال معبر كرم أبو سالم التجاري شرقي محافظة رفح جنوبي القطاع، حيث كان يدخل عبره قبل الحرب مئات الشاحنات المحملة بالبضائع والسلع المختلفة إلى غزة، وساهم الإغلاق في شل الحركة الاقتصادية للقطاع المتهالكة أصلاً.
مجزرة مستشفى «المعمداني» أبشع عمل إجرامي بالعصر الحديث
من جهته، قال وزير الاقتصاد الفلسطيني خالد العسيلي: إن اقتصاد فلسطين يخسر يومياً أكثر من 20 مليون دولار، نتيجة الحرب المستمرة، مؤكداً أن الاحتلال يدمر بشكل ممنهج البنية التحتية للاقتصاد الفلسطيني الذي يعاني من تشوه بنيوي بفعل السيطرة «الإسرائيلية» على مدخلات الاقتصاد.
نزوح مليون مواطن
ونزح أكثر من مليون مواطن غزاوي القاطنين في المناطق الشرقية من محافظات القطاع الخمس، والمهدمة بيوتهم، إلى المدارس الحكومية والتابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) والمستشفيات ومراكز إيواء أخرى؛ هرباً من القصف وخشية على حياتهم من الموت.
وتواجه «الأونروا» والمنظمات والجمعيات المحلية والدولية أزمة خانقة في مساعدة النازحين، جراء قصف مخازن التموين ومنع إدخال شاحنات تحمل آلاف الأطنان من المساعدات المقدمة من دول عدة، وهي عالقة عند الجانب المصري.
وتم التوافق على إدخال عدد محدود من الشاحنات، واعتبرت الحكومة بغزة، أن ما تم إدخاله لا يلبي سوى حاجة 3% من الشعب.
وأعرب المكتب الإعلامي لـ«لأونروا» عن خشيته من نفاد الوقود، وقال: إن مخزون وقود «الأونروا» على وشك النفاد؛ ما يتسبب في توقف خدماتها للاجئين، لا سيما إمدادات المياه والعيادات والمركز الصحية التابعة لها.
نزوح نحو مليون غزاوي بسبب الدمار الذي خلفه العدوان
وانقطت الكهرباء عن سكان القطاع بشكل كامل، بسبب نفاد الوقود ومنع إدخاله إلى محطة توليد الكهرباء الوحيدة، كما تسبب القصف بقطع الإنترنت على مناطق واسعة، نتيجة لضرب الأقسام الخاصة بالاتصالات والبنية التحتية لها.
أطنان من المتفجرات
وأكد المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، في تقرير له، أن الاحتلال قصف غزة بأكثر من 12 ألف طن من المتفجرات؛ ما يساوي قوة القنبلة النووية الأمريكية التي ألقيت على مدينة هيروشيما اليابانية إبان الحرب العالمية الثانية، مشيراً إلى أن 33 طناً من المتفجرات ألقيت على كل كيلومتر مربع بالمتوسط منذ بدء العدوان.
وفي إحصائية أولية، من المكتب الإعلامي الحكومي، فقد بلغ عدد المباني السكنية المهدمة كلياً أكثر من 5 آلاف مبنى، تضم نحو 12 ألف وحدة سكنية، فيما تضررت نحو 121 ألف وحدة سكنية بشكل جزئي، منها 9055 وحدة سكنية غير صالحة للسكن.
وفي مناطق سكنية على أطراف محافظات القطاع، وفي المناطق المكتظة بالسكان، نفذ طيران الاحتلال أحزمة نارية عدة، وخلف دماراً واسعاً، وارتقاء مئات الشهداء، بعد انهيار الأبنية وقصف الطرقات العامة والفرعية.
وتتكون هذه الأحزمة من سلسلة غارات جوية توصف بـ«العنيفة» بقصف مكان محدد في وقت واحد، وقد استخدمها جيش الاحتلال في عدوانه صيف عام 2021م على غزة.
واستهدفت مدفعية الاحتلال مناطق سكنة في شمال وجنوب القطاع بقذائف «الفسفور الأبيض»، الذي تسبب باستشهاد أشخاص وإصابة المئات بينهم أطفال بحروق بالغة وتشوهات بأجسامهم وبالاختناق جراء استنشاق الغازات السامة الناجمة عنها، واندلعت حرائق في منازل المواطنين والمنشآت الاقتصادية والزراعية وبالمحلات التجارية، جراء سقوط شظايا هذه القذائف عليها مباشرة.
تهديد بالدخول البري
وحشد جيش الاحتلال آلاف الجنود مدعومين بمئات الآليات العسكرية، على حدود القطاع، ويتوعد كبار المسؤولين في الجيش بالاجتياح البري، لكن المقاومة، أكدت جاهزيتها للتصدي له.
المقاومة أكدت جاهزيتها لتصدي أي توغل بري صهيوني للقطاع
وفي ليل الجمعة 27 أكتوبر، شنت طائرات الاحتلال هجمات مكثفة وغير مسبوقة على كافة أرجاء القطاع، وقطعت سلطات الاحتلال الاتصالات وخدمات الإنترنت بالكامل، في الوقت ذاته، أعلنت «كتائب القسام»، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، تصديها لتوغل بري صهيوني في بيت حانون وشرق البريج.
وطالب جيش الاحتلال من سكان محافظتي شمال ومدينة غزة، البالغ عددهم نحو مليون فرد، اللجوء قسراً إلى مناطق الجنوب، حيث تعمد تكثيف الغارات في المحافظات الشمالية، لدفعهم للنزوح، ومن ثم تنفيذ خطة لتهجيرهم إلى صحراء سيناء المصرية.
وقوبلت هذه الخطة برفض شعبي فلسطيني في الصمود بأرضهم وعدم النزوح، رغم نار البارود المتواصل والمكثف.
مقاومة مستمرة
فصائل المقاومة الفلسطينية كافة، على رأسها «كتائب القسام»، و«سرايا القدس»، ما زالت تقصف بالصواريخ مستوطنات غلاف غزة والمدن المحتلة في وسط الكيان التي تبعد عن القطاع نحو 100 كيلومتر، رداً على جرائم الاحتلال.
كما تقصف المقاومة بعشرات القذائف الصاروخية والهاون من العيارات المختلفة الحشود والتجمعات العسكرية لجيش الاحتلال في المناطق الحدودية، ومدرعات عسكرية بطائرات مسيرة محلية الصنع.
وذكر الإعلام العبري أن حكومة الاحتلال أخلت آلاف المستوطنين من منطقة غلاف غزة نحو مدن الوسط؛ خشية من عمليات تسلل وسقوط صواريخ.