سقط الرئيس الأمريكي جون بايدن سقطة سياسية مروعة يوم السبت 7 أكتوبر، بعدما نفذت «كتائب القسام» عملية «طوفان الأقصى» المذهلة.
صُدم بايدن من هول العملية ونتائجها، وحُق له أن يُصدم نظراً لطبيعة العملية، ونتائجها الإستراتيجية على الكيان الصهيوني والمنطقة.
نتنياهو سقط أيضاً وصُدم هو وفريقه العسكري والأمني والسياسي.
لكن سقطة بايدن ليست مثل سقطة نتنياهو.
من الطبيعي أن يصدم نتنياهو وكيانه من العملية، ومن الطبيعي أن يشعر بخطورتها ونتائجها الكارثية عليه، ومن الطبيعي أن يرد عسكرياً على غزة و«حماس» والفلسطينيين.
لكن سقطة بايدن، رئيس الولايات المتحدة، كانت مختلفة.
سارع بايدن إلى التصدي لعملية «طوفان الأقصى» بنفسه، تلقفها بصدره، جعلها أولوية، تصرف بايدن بطريقة جعلت عملية «طوفان الأقصى» كأنها موجهة إلى الولايات المتحدة، وليس إلى احتلال عمره 75 عاماً.
تصرف بايدن بطريقة جعلت أن «كتائب القسام» ضربت واشنطن ونيويورك وليس سديروت وناحال عوز!
تصرف بايدن بطريقة جعلت أن الجيش الذي انهار هو «المارينز» وليس «لواء غولاني» و«فرقة غزة».
منذ أن سمع بعملية «طوفان الأقصى»، قدم بايدن دعماً سياسياً وعسكرياً وأمنياً هائلاً لنتنياهو، عزز وضعه الداخلي، وأرسل وزير خارجيته بلينكن كي يؤثر على دول المنطقة، وأمن بايدن لنتنياهو دعماً مباشراً وقوياً من ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا، وضغط على الدول العربية، وعرض فكرة ترحيل الفلسطينيين من غزة، وأعطى نتنياهو رخصة بالقتل اللامتناهي وباجتثاث «حماس»، وإعادة رسم خارطة المنطقة بدونها.
تطرف بايدن إلى أبعد حدود، ووصل إلى «تل أبيب»، معتبراً أن المعركة معركته، ثم أرسل قوات عسكرية ضخمة إلى المنطقة للضغط على «حماس» والدول العربية وأي دولة تفكر في معارضة الموقف الأمريكي.
دخول الإدارة الأمريكية بهذا المستوى والعمق من الدعم اللامحدود لحكومة نتنياهو وفَّر غطاء للجرائم «الإسرائيلية» للانتقام من الفلسطينيين، وعقَّد الأزمة في المنطقة، وضغط باتجاه محاصرة أو منع أي مبادرة للحل، وزاد من قلق دول مثل إيران وروسيا والصين، وهدد عدداً من الدول التي تخاف من التصعيد العسكري ونتائجه مثل الأردن ومصر، وتجاهل مصالح السلطة الفلسطينية، وحاصر مجلس الأمن والأمم المتحدة، وحاول طمس مواقف منظمات دولية، وعطَّل أي جهد إنساني لإغاثة قطاع غزة.
سقط بايدن في حفرة صنعها بنفسه، مع فريقه، واتخذ مواقف سمح بموجبها للاحتلال باستخدام العقاب الجماعي والتجويع والطرد والعنف والتدمير الواسع، وتجاوز القانون الدولي، وأدت مواقف بايدن إلى نتائج مروعة من الضحايا والعنف والتدمير والإبادة، لدرجة أجبرت الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش للتنديد بعنف بهذا السلوك.
سلوك بايدن وإدارته عقَّد الأزمة وهدَّد الأمن والسلم والاستقرار في العالم، وأطال أمد المواجهة بين «حماس» والاحتلال، وزاد من معاناة الشعب الفلسطيني، وهدد بتوسيع دائرة العنف في المنطقة وانضمام قوى أخرى للمواجهة.
سلوك إدارة بايدن هذا أخَّر التهدئة، ورفع من ثمن وقف إطلاق النار ووقف المعركة، وصار بايدن بحاجة إلى تسجيل انتصارات وإلى أثمان للتوقف، تزيد أو تختلف عن الأثمان التي يريدها نتنياهو.
وأعطى بايدن لنتنياهو فرصة لإطالة المعركة والتهرب من المساءلة الداخلية حيث ينتظره وفريقه مستقبل قاتم.
ويخشى من هذا السلوك النازي لإدارة بايدن أن يدفع جهات في المنطقة لاستهداف الوجود الأمريكي بغية تدفيع واشنطن ثمن سياستها.
يعرف بايدن أكثر من غيره أن الكيان الصهيوني يضعف ويتراجع، ويعرف بايدن أن الجيش «الإسرائيلي» ليس في وضع يسمح له بتحقيق الأهداف المرفوعة؛ لذلك فإن الوقت يمضي نحو المزيد من الخسائر المدنية الفلسطينية ومزيد من التعقيد السياسي.
بالتالي لا يوجد حل إلا أن يفهم بايدن ويتراجع عن نازيته ويسمح بإيجاد حلول واقعية.
على بايدن إنقاذ نفسه وإدارته والتضحية بمستقبل نتنياهو الذي سينتهي قطعاً.
والاقتناع أنه لا يمكن استئصال «حماس» والشعب الفلسطيني.
عودة بايدن عن تطرفه خطوة فاعلة في وقف الأزمة وإنقاذ المنطقة.. هل يفعلها؟