الفاقة والحاجة ذل، وفي القرآن الكريم نجد أن الله وصف المسكنة وصفاً مشعراً بذلك حين قال تعالى: (أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ {14} يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ {15} أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ) (البلد).
فتأمل التصوير والوصف في قوله: (أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ)؛ أي لزق بالتراب من الحاجة والضرورة(1)، يقال: ترب؛ إذا نام على التراب؛ أي لم يكن له ما يفترشه على الأرض وهو في الأصل كناية عن العرو من الثياب التي تحول بين الجسد والأرض عند الجلوس والاضطجاع(2).
قليل هم الذين يدركون أهمية رفع كرامة الفقير والمحتاج، فقد يجلب الاهتمام بكرامته فرحًا أكبر له من المال الذي يتلقاه، يتجاهل الكثيرون معاناة هؤلاء الأفراد في المنظومة الاجتماعية، حيث يتلقون أدنى درجات الاهتمام والاحترام، على الرغم من أن النفوس تميل إلى تقدير القليلين الذين يعززون قيمتهم الإنسانية، يبرز هذا الواقع قصة قصيرة تعكس أهمية إعطاء كل إنسان حقه من التكريم والاحترام، بغض النظر عن ظروفه الاقتصادية، وتذكيرنا بقيمة الإنسان في حد ذاته.
يقول أحدهم: صديقي بالأمس سمع أمه تطلب من جارتهم قليلاً من الملح، فقال لها: يا أمي، لماذا تطلبين الملح وقد أحضرت لكم كيساً كبيراً بالأمس؟ فقالت: يا ولدي، هم دائماً يطلبون من عندنا أشياء وهم فقراء، فأحببت أن أطلب منهم شيئاً يسيراً حتى لا يكلفهم، مع عدم حاجتي له أصلاً، لكني أحببت أن أشعرهم أنني أنا أيضاً أحتاج إليهم، لكي أسهل عليهم أن يطلبوا أي شيء يحتاجون من عندنا وألا يخجلوا.
______________________
(1) تفسير السعدي، ص924.
(2) تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور (30/ 359).
(3) كتاب من روائع وبدائع القصص الواقعية والافتراضية في الصدقات، انتقاء د. محمد الملا الجفيري.