تختلف الحرب الصهيونية على غزة هذه المرة عن كل الحروب السابقة، فإلى جانب الأسلحة الفتاكة والمحرمة دولياً التي قتلت بها آلاف المدنيين العزل في القطاع، لجأت إلى سلاح آخر لا يقل خطورة؛ وهو تمييع القضية الفلسطينية، والسعي إلى طمسها في مخيلة الأجيال المقبلة، وتشويه المقاومة ونشر الأكاذيب حول ما يحدث في القطاع، وخارجه.
تلك التحديات تتطلب انتباهاً من صانعي القرار خاصة المسؤولين عن المناهج الدراسية، للعمل على مواكبة التحديات الراهنة خاصة القضية الفلسطينية.
«المجتمع» طرحت تلك التحديات على طاولة النقاش مع الخبيرة التربوية هبة الصالحي.
بداية، ما موقع القضية الفلسطينية في مناهجنا؟
– «الناس على دين ملوكهم»، هذه الجملة العبقرية تلخص الكثير من الأمور، فالمناهج الدراسية ما هي إلا تعبير في الغالب عن توجهات الأنظمة السياسية، ولا يمكن الفصل بين الاثنين أبداً، ومن هذا المنطلق أرى أن تناول القضية الفلسطينية ارتبط دائماً بتوجهات الأنظمة السياسية العربية، رغم أنه من المفترض أن تكون قضية وطنية ولا ترتبط بالنظام الحاكم.
فلسطين قضيتنا الأولى.. وحربنا حرب معلومات
ومن المفترض أن التعليم يشارك في بناء شخصية الأجيال، وتأسيس وجهة نظر الأطفال الذين هم وقود المستقبل، ولذلك يجب أن ينتبه لذلك واضعو المناهج في الدول العربية والإسلامية، فهم لديهم مهمة قومية لإعداد جيل صالح وقادر ومتميز حتى يواكب الأحداث الجديدة الطارئة في مجتمعنا العربي، وأيضاً عليهم أن يزرعوا في عقول هؤلاء الأطفال أن فلسطين قضية العرب والمسلمين الأولى.
ما الذي نحتاجه حتى ننجز هذه المهمة؟
– أولاً: نحتاج إعادة النظر في المناهج الحالية لتسليط الضوء على القضية الفلسطينية وأبعادها، وجرائم الكيان الصهيوني، وثانياً: نحتاج مدرساً مثقفاً ومدركاً لأبعاد القضية، وثالثاً: نحتاج آلية ما نستطيع من خلالها توصيل المعلومة بسهولة ويسر، وفي الوقت نفسه بجدية وحزم، وكل ما ذكرته يحتاج في البداية إلى إرادة سياسية جادة للقيام بذلك.
برأيك، كيف نربط الصغار والكبار بالقضية الفلسطينية؟
– توجد حالياً وسائل «السوشيال ميديا»، ولها تأثير كبير، لكن مثلما يستخدمها العدو لخدمة أجندته، نحن أيضاً علينا استخدامها، وهو بالفعل ما حدث بعد «طوفان الأقصى» والعدوان «الإسرائيلي» على غزة، حيث نقلت الأحداث وأظهرت وجهة النظر التي تعمد الإعلام الغربي إخفاءها، وأصبحت «السوشيال ميديا» من دون أن نشعر هي الشرارة التي حركت الأطفال والشباب؛ عربياً وغربياً، عندما رأوا المجازر والإبادة في قطاع غزة.
المعرفة سلاح الطالب في وجه العدو «الإسرائيلي»
وأرى أن ربط أطفالنا بالقضية الفلسطينية يجب أن يعتمد بشكل أو بآخر على التكنولوجيا الحديثة، فبعض الدول العربية لديها دراسة كثيفة للقضية الفلسطينية وتعتبرها أمناً قومياً، ونحن كأمة عربية وإسلامية علينا أن نستخدم نفس أسلحة العدو.
وعلينا أن نضع مناهج بسيطة ومختلفة في طرق العرض والتناول، والاهتمام بما يتعرض له أطفالنا على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي الوقت نفسه يجب إبعاد أطفالنا عن البرامج الكرتونية المدعومة من العدو الصهيوني لأنها تلغي الهوية في ذاكرة الجيل الجديد، فالعدو يعلم الأطفال مشاهد الإبادة والقتل كأنها مشاهد للدفاع عن النفس، فضلاً عن سموم يبثها لتفكيك الهوية العربية والإسلامية.
ما الذي يحتاجه المعلم لإنجاح هذه المنظومة؟
– يجب على المعلم أن يثقف نفسه ويزيد اطلاعه، ويحضر كورسات لزيادة معلوماته التي يعطيها للطالب، وتغذية عقول الطلاب بكل أحداث فلسطين، وتاريخ القضية قبل وبعد عام 1948م وحتى الآن، ومع يفعله العدو الصهيوني حتى يكون للطالب مشاركة في الدفاع عن مقدساته، وليكن بالرسم مثلاً أو الشعر أو ما نشهده الآن من مقاطعة السلع والبضائع «الإسرائيلية» والأمريكية.
لكن هناك تحديات كثيرة، برأيك، كيف يمكن التغلب عليها؟
– لا بد من تعزيز الرقمنة داخل المدارس والاهتمام بالإنترنت والتكنولوجيا، فهناك بعض الدول العربية ليست لديها بنية تحتية جيدة، ويجب أيضاً تطوير المعلم لمواجهة الأحداث الحالية.
مجازر غزة أفسدت مخططات التطبيع مع الاحتلال
الاستثمار التكنولوجي مهم جداً في المدارس، فالمدارس ليست فقط مبنى وكرسياً وكتاباً، بالعكس التكنولوجيا أصبحت العنصر الأساسي حتى لا ننفصل، حربنا حرب معلومات.
ويجب الاهتمام بالنوابغ في الدول العربية؛ لأن الفترة القادمة هي فترة تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي والتقدم الهائل في وسائل الاتصال.
كيف نعزز في عقول أبنائنا روح المقاومة ومواجهة الاحتلال؟
– أولاً أن يعرف ما له وما عليه، وما حدوده، وتاريخه، ومَن أنت كعربي، ومسلم، وأن يفخر بذلك، يجب أن نعلم طلابنا كيف فعلت الدول العربية للحفاظ على الأرض، وخاصة مصر، وماذا قدمت قواتها في الحروب مع العدو الصهيوني للحفاظ على الأراضي المصرية والعربية.
يجب السماح للطالب بالتعبير عن رأيه في حماية وطنه والمشاركة في الحوار، ويجب أن نملأ عقول الطلاب بالمعلومات والمعرفة الصحيحة، فبهذا الوعي نسلح الطالب ونصنع منه سلاحاً في وجه العدو الصهيوني بالمعرفة والاطلاع، والتأكيد على أن ما يحدث في فلسطين إرهاب وإبادة للعنصر البشري، وأن العدو له مخططات خبيثة وتوسعية في المنطقة.
هل ترين تأثيراً للتطبيع مع «إسرائيل» في مناهج التعليم؟
– نحن كعرب وطنيون بالفطرة، فإذا كانت حكومات بعض الدول ساعدت في التطبيع، فهناك المواطن لا يندمج مع العدو القاتل؛ لأن هذا ضد الإنسانية، وما يحدث من مجازر ودم على الأراضي المحتلة يفسد هذا التطبيع.