لم يعد مخطط دفع الفلسطينيين بقطاع غزة إلى الهجرة الطوعية سراً بعدما أعلنه صراحة رئيس وزراء كيان الاحتلال بنيامين نتنياهو، وتجاوبت معه دول غربية، أعلنت عن ترحيبها بهجرة الفلسطينيين إليها، ومنها كندا وأستراليا، وسط نزوح 90% من سكان القطاع داخلياً، حسب إحصاءات الأمم المتحدة.
والشهر الماضي، نقلت صحيفة «إسرائيل اليوم» عن نتنياهو، قوله: مشكلتنا هي الدول المستعدة لاستيعاب اللاجئين، ونحن نعمل على حلها، فيما كشفت وزيرة الاستخبارات الصهيونية، جيلا غمليئيل، عن تفاصيل المخطط في جلسة للكنيست يوم 2 يناير الجاري، قائلة: إن حكم حركة «حماس» في قطاع غزة سينهار، وسيكون هناك اعتماد كامل للسكان المدنيين على المساعدات الإنسانية من دون وجود سلطات بلدية، ولن يكون هناك فرص عمل في نهاية الحرب، وستتحول 60% من الأراضي الزراعية في قطاع غزة إلى مناطق أمنية عازلة.
ودعت الوزيرة الصهيونية المجتمع الدولي إلى دعم الهجرة الإنسانية للفلسطينيين خارج غزة، مؤكدة أن ذلك يعتبر الحل الوحيد المتاح لهم.
وبدوره، قال النائب من حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو، داني دانون: إن العالم يناقش هذا الأمر بالفعل، فوزير الهجرة الكندي مارك ميلر تحدث عن هذه الأمور علناً، وكذلك فعلت نيكي هيلي، المرشحة الجمهورية المحتملة للرئاسة الأمريكية، بحسب الصحيفة ذاتها.
ويثير ذلك تساؤلات حول مدى إمكانية نجاح المخطط «الإسرائيلي»، في ظل قضاء الاحتلال الممنهج على كافة مقومات الحياة في القطاع، ما عبر عنه، عبر منص «إكس»، المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، فولكر تورك، بعد تصريحات صريحة لوزيري المالية والأمن القومي بتسلئيل سموتريتش، وإيتمار بن غفير، دعيا فيها إلى ترحيل الفلسطينيين من قطاع غزة.
بل إن موقع «تايمز أوف إسرائيل» أورد بتاريخ 3 يناير الجاري، أن «إسرائيل» تجري محادثات سرية مع جمهورية الكونغو الديمقراطية وعدة دول أفريقية بشأن استقبال المهجرين من قطاع غزة.
ووفقاً لمصدر في المجلس الوزاري «الإسرائيلي» المصغر، لم يذكر الموقع اسمه، تشير المعلومات إلى أن جمهورية الكونغو الديمقراطية من بين الدول التي أبدت استعداداً رسمياً لاستقبال المهجّرين الفلسطينيين مقابل حوافز اقتصادية صهيونية.
وتعتبر فئة الشباب الأكثر استهدافاً بمخطط التهجير الصهيوني، باعتبارهم مستقبل الإقامة والسكن في القطاع، وهجرتهم تعني انتهاء الوجود المستقبل للفلسطينيين في غزة، خاصة أنهم يمثلون أكثر من 30% من سلكان القطاع حالياً، بحسب معلومات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
ومن بين شباب القطاع 37% في الفئة العمرية 19 – 15 عامًا، و63% في الفئة العمرية 29 – 20 عامًا، ويتوزعون بحسب الجنس بواقع 104.1 ذكور لكل 100 أنثى.
ووفق معلومات الجهاز، فإن أعلى معدلات للبطالة هي في صفوف الشباب الغزاوي من الفئة العمرية 24 – 20 عامًا، ما يؤشر إلى أوضاع اجتماعية قد تدفع العدد الأكبر منهم إلى التفكير بالهجرة، خاصة بعد تدمير العدوان الصهيوني لمقومات الحياة في غزة.
لكن معطيات أخرى قد لا تؤشر إلى التوجه ذاته، إذ لا يزال الآلاف من الفلسطينيين متمسكين بالاستمرار في شمال قطاع غزة، الذي بدأ الاحتلال بتدميره منذ اليوم الأولى للعدوان، وحتى هؤلاء الذين نزحوا إلى جنوب القطاع وحتى منطقة رفح على الحدود المصرية لم يحاولوا اجتياز الحدود ولو مرة واحدة رغم شدة القصف الوحشي الصهيوني.
ويعزو بعض علماء الاجتماع السياسي تلك الظاهرة إلى تاريخ معظم أسر أهل غزة، التي تعود في الأصل إلى مدن فلسطين المحتلة عام 1948م، وبالتالي فهم نازحون منذ عام النكبة وحتى اليوم، ويختزنون معنى قبول التهجير في ذاكرتهم الجمعية.
ويعني ذلك أن مرحلة خفوت الحرب في غزة ستمثل صراع إرادات بين المعطيات الموضوعية الضاغطة نحو الهجرة من القطاع ومدى إصرار أهل البلد على الصمود وعدم تكرار ما اختزنته ذاكرتهم الجمعية من درس نكبة عام 1948م.
ويرجح الباحث في مركز الدراسات العربية الأوراسية، أحمد عبداللاه فارس، أن تنتصر إرادة البقاء لدى الشباب الفلسطيني لأنهم الطرف الأهم في المعادلة بعد فشل المخططات الصهيونية للتهجير القسري إلى شبه جزيرة سيناء المصرية.
ويوضح فارس، في دراسة نشرها موقع المركز بتاريخ 12 ديسمبر الماضي، أن أغلب شباب قطاع غزة مؤيد للمقاومة الفلسطينية، وبالتالي فهو لا يرى بديلًا عن التخلي عن أرضه سوى الاستشهاد؛ ما يرجح فشل المخطط «الإسرائيلي» الخاص بالهجرة الطوعية.
وتفيد الدراسة بأن الدعم الاقتصادي للشعب الفلسطيني عقب انتهاء الحرب يمثل عاملاً جوهرياً لإسناد صمود الشباب في وجه مخطط الهجرة الطوعية، التي هي في حقيقتها تهجير قسري مقنع؛ ما يعني أن ما لم تدركه الدول العربية والإسلامية في وقت الحرب يمكنها أن تدركه بعدها إذا امتلكت إرادة حقيقية لأي إسناد فاعل للقضية الفلسطينية.