أبرز أبطال السينما الهندية (بوليوود) هم 10 ممثلين هنود مسلمين يحملون اسم «خان»، أشهرهم الثلاثي: شاه رو خان، وعمر خان، وسلمان خان، ويُطلق عليهم اسم «خانات بوليوود».
ومنذ تولي الحزب الهندوسي المتطرف بهاراتيا جاناتا الحكم في الهند بزعامة رئيس الوزراء المتعصب ناريندرا مودي وسعيهم لتحويل الهند إلى دولة هندوسية خالصة، من دون المسلمين، وهناك محاولات لصبغ الحياة السياسية والثقافية بهذا الطابع الهندوسي المتطرف.
بدؤوا بهدم مساجد إسلامية تاريخية بدعوى أنها أقيمت خلال فترة الحكم الإسلامي (يسمونه احتلالاً) فوق معابد هندوسية، وكان أشهرها مسجد «بابري» التاريخي الذي أحرقوه وهدموه عام 1992م، وافتتحه مودي معبداً، في 22 يناير 2024م، باسم «معبد الإله رام».
ثم تغيير الكتب الدراسية والوثائق التاريخية، وانتقلوا إلى محاربة السينما الهندية الشهيرة (بوليوود) في صورة أبطالها المسلمين، وضغطوا لإجبارها على إنتاج أفلام تمجد التاريخ الهندوسي، وتهاجم الحضارة الإسلامية الهندية القديمة.
وكان هجومهم الأكبر على نجوم بوليوود المسلمين؛ حيث سعوا لتشويههم وفبركة قضايا ضدهم ثم الدعوة لمقاطعة أفلام هؤلاء الخانات المسلمين ووقف إنتاج أفلام لهم.
محاربة الخانات
وخلال السنوات الأخيرة، بدأ أبطال السينما الهندية المسلمون يعانون من حملات مقاطعة وهجوم كبير، حتى إنهم لم يعودوا قادرين عن الدفاع عن أنفسهم، حتى الممثل المسلم شاه رو خان الذي ظهر وهو يدافع عن المسلمين في مواجهة «الإسلاموفوبيا»، في فيلمه «أنا اسمي خان.. أنا لست إرهابياً» في أمريكا، أصبح عاجزاً عن الدفاع عن نفسه في بلده، في عهد حكومة الهند المتطرفة الحالية.
حيث تعرض شاه رو خان ومسلمون آخرون مثل عامر خان، للهجوم على منصات التواصل واتهامهم بالإرهاب، وأوعزت السلطة الهندوسية لدائرة الضرائب بملاحقتهم، وجرى التشهير بأبنائهم، حسبما قالت صحيفة «إندبندنت» البريطانية.
وكانت حجة المتطرفين الهندوس لمحاربة هؤلاء الأبطال المسلمين هي أن أفلامهم في بوليوود تخالف تعاليم الهندوسية، حيث يظهر البطل (المسلم في الواقع) وهو يقبّل البطلة (الهندوسية)، كما يتزوج الممثل المسلم فيها من ممثلة هندوسية، كما يظهر المسلمون وهم يأكلون لحم البقر المُحرم لدى الهندوس!
وقد تبع هذا حملة هندوسية ضد ظهور أبطال الأفلام الهندية (وأغلبهم مسلمون) يتزوجون هندوسيات وأطلقوا على ذلك مصطلح «الحب الجهادي»؛ حيث ادعوا أن المسلمين يروجون للزواج من هندوسيات كي يدفعونهن للتحول للإسلام، وزيادة أعداد المسلمين وتغيير الطابع الهندوسي للهند!
وصعدت السلطات الهندية بزعامة الحزب الهندوسي المتطرف بهاراتيا جاناتا من قيودها على أبطال السينما الهندية المسلمين، وبدأت تفرض قيوداً على أفلامهم بدعاوى «الإساءة للعقيدة الهندوسية».
وقد كشفت مجلة «نيويوركر»، في 10 أكتوبر 2022م، أن مراقبي الأفلام من حزب بهاراتيا جاناتا بدؤوا يرفضون الموافقة على أفلام كثيرة بحجة وجود ألفاظ نابية وإشارات إلى الجنس، لكن أغلبها بسبب تحفظهم على الممثلين المسلمين.
شيطنة المسلمين
بعدما كانت أستوديوهات السينما الهندية التي يُطلق عليها «بوليوود» على غرار «هوليوود» الأمريكية، تشتهر بلعب أدوار مهمة للحفاظ على التعايش بين الهندوس والمسلمين والقوميات الدينية الأخرى، وانطلقت منها أفلام عدة تدعم وحدة الهنود، بدأ الحزب القومي الهندوسي المتطرف بهاراتيا جانتا الحاكم يضغط لإدخال تغيير جوهري في قصص أستوديوهات السينما الهندية لـ«شيطنة المسلمين»، وتصويرهم بصورة كريهة كإرهابيين؛ ما زاد الهجمات الهندوسية ضدهم.
بدأ بإنتاج ودعم أفلام تعادي المسلمين مثل فيلم «صوريافانشي» الذي يزعم اختطاف مسلمين لفتيات هندوسيات بغرض تحويلهن للإسلام، والترويج لخرافات عن مؤامرات ما يسمى «الحب الجهادي».
ويدور الفيلم حول زوجة هندوسية متزوجة من شباب مسلم تكشف عن مؤامرة إرهابية مزعومة، عن تنظيم إسلامي يخطف هندوسيات لتحويلهن للإسلام، فيقوم زعيم الجماعة الإسلامية الذي جند زوجها، بقتلها بدم بارد باسم الجهاد.
ولم يكن «صوريافانشي» أول فيلم هندي معادٍ للمسلمين يظهر منذ تولي حكومة مودي المتطرفة الحكم، ففي 18 يناير 2020م، أثار فيلم بوليوودي آخر جدلًا كبيرًا في الهند، لتشويهه قادة تاريخيين مسلمين.
وتزامن عرضه مع حملة دعائية أطلقها حزب رئيس الوزراء للتخفيف من وطأة التعديلات الدستورية التي أدخلتها الحكومة على قانون التجنيس، التي تستهدف المسلمين، وتعتبرهم مواطنين من الدرجة الثانية.
والفيلم هو «تاناجي.. المحارب المجهول»، وتدور أحداثه في القرن السابع عشر، ويستند إلى قصة حياة محارب مجهول في التاريخ الهندي وقائد عسكري في إمبراطورية مارثا في الهند يسمى تانهاجي مالوساري، يصورونه كبطل حارب الإمبراطورية الإسلامية قبل أن يلقى حتفه على يد أحد القادة المسلمين.
وسبق ذلك إنتاج الحزب الهندوسي لفيلم «بادمافاتي» المعادي أيضاً للمسلمين، الذي يتحدث عن قائد مسلم يُدعى علاء الدين خلجي، صوره الفيلم دموياً سفاحاً، سفك كثيراً من الدماء الهندوسية في سبيل توسيع إمبراطوريته بجنوب الهند.
https://www.al-jazirah.com/2018/20180107/ms_194_1.jpg
ويحرص الفيلم على إظهار المسلمين في صورة وحشية، وتكريس صورة نمطية تاريخية عن المسلمين، هي صورة المسلمين المتوحشين آكلي اللحوم المتعطشين إلى الدماء! كما قال نقاد هنود.
أيضاً أنتج الهندوس فيلم «قصة كيرالا» الذي عُرض في دور السينما، في مايو 2023م، الذي يصور قصة خيالية لثلاث هندوسيات أُجبرن على اعتناق الإسلام، وانضممن لـ«تنظيم الدولة الإسلامية»، وكان هو باكورة هذا التدخل الحكومي الهندوسي في السينما لتشوية المسلمين.
وقد ضغط، في يناير 2024م، على منصة «نتلفليكس» لتحذف فيلم «آنابوراني: آلهة الطعام» الهندي، بعد حملة هندوسية متطرفة ضده بحجة أن بطل الفيلم المسلم حاول إقناع البطلة الهندوسية بسماحة الإسلام وأقنعها بأكل لحم البقر رغم أن أباها كاهن لا يأكل اللحوم هو وعائلته، وغذاؤهم نباتي فقط!
وتحظى صناعة السينما في الهند بأكبر جمهور عالمياً، وفقاً لإحصائيات شركة «Statista» المتخصصة في البيانات الإحصائية، إذ تبيع ملياري تذكرة سينما سنوياً، وتُنتج 1000 فيلم سنوياً، وفق صحيفة «فايننشال تايمز».
وقد أكد موقع «آسيا سنتينل»، في 14 يناير 2023م، أن السينما الهندية تتحول تدريجياً للخضوع للقومية الهندوسية، وتتزايد المخاوف أن تصبح في قبضة اليمين المتطرف بالكامل والحزب الهندوسي الذي تولي السلطة عام 2014م.
ونقل الموقع عن «نقاد»: إن صناعة أفلام بوليوود الهندية الشهيرة تعمل حالياً على «تجميد» الممثلين المسلمين، وخدمة الأهداف السياسية اليمينية لحزب بهاراتيا جاناتا الحاكم حول إحياء الهندوسية.
وأشار موقع «آسيا سنتينل» إلى أن التأثير اليميني الهندوسي المتنامي في صناعة السينما يمثل قلقًا متزايدًا لأنهم يسعون لفرض «الهندوتفا» (القومية الهندوسية) في كل الهند، ويضيقون بالتوازي على المسلمين والمجموعات العرقية الأخرى.
وقد أشار بحث لمرصد «Civic Media Observatory» أن الجماعات الهندوسية اليمينية قد حددت ممثلي بوليوود المسلمين على أنهم هدف لها، بدعوى أنهم نخب ليبرالية تحاول غسل دماغ البلاد والعداء للهندوسية.
وأوضح المرصد أن الهندوس المتطرفين صنفوا ممثلي بوليوود المسلمين مثل عامر خان، وشاه روخ خان بأنهم جهاديون وإرهابيون.
وسبق أن أكدت صحيفة «التايمز» البريطانية، في 21 يونيو 2022م، أن الحكومة الهندية القومية الهندوسية تقوم بحذف أي إشارات إلى الحكم الإسلامي من المناهج الدراسية، وكذلك حذف كل ما يمتُّ بصلة إلى المسلمين الذين حكموا البلاد قروناً طويلة.
وقالت: إن هذه الخطوة تأتي بعد تشويه صورة الحكم الإسلامي في السينما الهندية بوليوود وتشجيع الحزب الهندوسي أفلاماً تهاجم الحكم الإسلامي السابق للهند.
يُذكر أن الأسر الحاكمة المغولية المسلمة حكمت غالبية أرجاء الهند منذ مطلع القرن الـ16 وحتى منتصف القرن الـ19، بينما وصل الإسلام إلى ما كان يُعرف ببلاد السند (باكستان والهند) منذ عهد الأمويين، وحكم المسلمون تلك البلاد طيلة 8 قرون.