الإسلام يدعو إلى الإحسان، ويحرص عليه، ويحث أتباعه على ذلك، يقول تبارك وتعالى: (ٱلَّذِینَ یَستَمِعُونَ ٱلقَولَ فَیَتَّبِعُونَ أَحسَنَهُ) (الزمر: 18)، وقال: (وَٱلَّذِینَ جَـٰهَدُوا فِینَا لَنَهدِیَنَّهُم سُبُلَنَا وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلمُحسِنِینَ) (العنكبوت: 69)، فهذه الآيات وغيرها تبين منزلة الإحسان عند الله، وما أنعم عليهم من محبته ورعايته وهدايته.
وقد حثّ النبي، صلى الله عليه وسلم، أتباعه على الإحسان في كل شيء، فقد روي عنه، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (إِذا أحْسَنَ أحَدُكُمْ إسْلامَهُ: فَكُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُها تُكْتَبُ له بعَشْرِ أمْثالِها إلى سَبْعِ مِئَةِ ضِعْفٍ، وكُلُّ سَيِّئَةٍ يَعْمَلُها تُكْتَبُ له بمِثْلِها)، وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اعبُدِ اللهَ كأنَّك تَراهُ، فإن لَم تكُن تراهُ فإنَّهُ يَراكَ).
هذه الأحاديث وغيرها تبين ما للإحسان من مزايا، فعلى المسلم أن يكون مُحسنًا مع الله، ومع نفسه، ومع غيره من الناس، ولا يكون غليظ القلب، سيئ الطباع.
والإحسان يبدو في الأعمال والأفعال، فإذا أتقن الإنسان عمله، وما كُلف بأدائه من حقوق وواجبات، وإذا قام بأفعال البر، وأحسن إلى الغير، أو عمل عملًا خيرًا، فإنه ينسب إليه هذا الفعل وذلك العمل، ويلقى من الله أفضل الجزاء لأنه إحسان، يقول تعالى: (هَل جَزَاءُ ٱلإِحسَـٰنِ إِلَّا ٱلإِحسَـٰنُ) (الرحمن: 60).
والإحسان فوق العدل؛ لأن العدل إنصاف وقسمة وقسط، والإحسان إيثار وتضحية، عطاء وبذل للغير عن طواعية ورضاء؛ لأن المحسن لا يطالب بثواب يستحقه في الدنيا، وإنما يتركه اختيارًا لله تعالى الذي عنده الجزاء الأوفى على إحسانه، يقول تعالى: (إنَّ رَحمَتَ ٱللَّهِ قَرِیبٌ مِّنَ ٱلمُحسِنِینَ) (الأعراف: 56).
وبالإحسان يشعر المؤمن شعورًا ملازمًا، أن الذي يعطي هو الله تعالى وحده، وأن المال والصحة والجاه، وكل ما في الدنيا إنما هو منه وإليه، فلا يحس المؤمن في الإحسان بذاته إلا كوسيلة اختارها الله تعالى لفعل الخير، وعمل المعروف.
ومن صور الإحسان:
أولًا: الإحسان في المعاملات والعلاقات الشخصية: ففي المعاملات والعلاقات الشخصية لا يُكتفى بالعدل، بل يتعداه إلى الفضل وهو الإحسان، يقول الله تعالى: (إِنَّ ٱللَّهَ یَأمُرُ بِٱلعَدلِ وَٱلإِحسَـٰنِ) (النحل: 90).
ويقول ابن كثير، رحمه الله: «يخبر تعالى أنه يأمر عباده بالعدل، وهو القسط والموازنة ويندب إلى الإحسان كقوله تعالى: (وَإِن عَاقَبتُم فَعَاقِبُوا بِمِثلِ مَا عُوقِبتُم بِهِ وَلَىِٕن صَبَرتُم لَهُوَ خَیرٌ لِّلصَّـٰبِرِینَ) (النحل: 126).
ثانيًا: الإحسان في الأموال: ويكون الإحسان بحسن التصرف في المال، وذلك بإخراج حق الله فيه، ثم تعدي ذلك إلى الإنفاق في سبيل الله، في الجهاد وغيره، ثم إحسان الظن بالله أنه سيخلف عليه خيرًا مما أنفقه، يقول تعالى: (وَأَنفِقُوا فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَلَا تُلقُوا بِأَیدِیكُم إِلَى ٱلتَّهلُكَةِ وَأَحسِنُوا إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلمُحسِنِینَ) (البقرة: 195).
والإنفاق في السراء والضراء، مع كظم الغيظ والعفو عن الناس، من الإحسان الذي يحبه الله، يقول تعالى: (ٱلَّذِینَ یُنفِقُونَ فِی ٱلسَّرَّاءِ وَٱلضَّرَّاءِ وَٱلكَـٰظِمِینَ ٱلغَیظَ وَٱلعَافِینَ عَنِ ٱلنَّاسِ وَٱللَّهُ یُحِبُّ ٱلمُحسِنِینَ) (آل عمران: 134).
ثالثًا: الإحسان في العمل: ويكون الإحسان في العمل بإتقانه في أحسن صوره، بأن يعمل الإنسان العمل لغيره كما يحب أن يعمله غيره له، فإعطاء العمل حقه بلا غش ولا تدليس، وأداء العمل بلا خمول ولا استهتار، لهو الإحسان الذي يحبه الله.
يقول الرسول، صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإحْسانَ على كُلِّ شيءٍ، فَإِذا قَتَلْتُمْ فأحْسِنُوا القِتْلَةَ، وإذا ذَبَحْتُمْ فأحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ).
رابعًا: الإحسان إلى اليتامى والمساكين: والإحسان إلى اليتامى والمساكين، يكون بالمحافظة على حقوقهم، والقيام بتربيتهم، والعطف عليهم، ومدّ يد العون لهم، فإن الإحسان إليهم والبر بهم وكفالة عيشهم وصيانة مستقبلهم مِن أزكى القربات، فعن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: (أنَّ رجلًا شكا إلى رسولِ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، قسوةَ قلبِه فقال امسَحْ رأسَ اليتيمِ وأطعِمِ المسكينَ).
خامسًا: الإحسان في تمثيل الإسلام: والإحسان في تمثيل الإسلام يكون بتجسيد الإسلام تجسيدًا عمليًا في صورة المعاملات والأخلاقيات، بأن يكون الذين يمثلون الإسلام في صورة أفضل وأنبل في جميع المجالات، بحيث يكونون أسوة لغيرهم من الناس في شتى مناحي الحياة.
نقلاً عن صحيفة “الشرق”.