لم يحن هامته يوماً، أو يطأطئ رأسه لحظة، أو يتراجع أو يتردد أمام العقبات الكبيرة، والمثبطات الكثيرة، أو الوعود البراقة، والمغريات الخداعة!
وحين ظنوه طالب دنيا، وحين عرضوها عليه، في أبهى حلة، وأجمل صورة، خاطبهم قائلاً: «ظن بعض الناس –وإن بعض الظن إثم– أنني أعمل رجاء لقب، أو جاه، أو مظهر أو مال، ولكن أين الدنيا كلها بأغراضها وأعراضها، ومناعمها وفضتها وذهبها من قدس دعوة الله الخالصة، التي رصدنا لها وقتنا، ووقفنا عليها أرواحنا ودماءنا وأموالنا، وكل ما نمتلك خالصة به نفوسنا؟ إني لأعلم وأؤمن وأعتقد أن أول بدهيات الإيمان بدعوة الله أن يتجرد الفرد المنتسب إليها من كل رغبة شخصية، أو منفعة مادية..».
وتأتي الوقائع العملية، والمواقف الحياتية والدعوية، دليلاً ساطعاً، وبرهاناً واضحاً ناصعاً، يعكس الانسجام التام بين الأقوال والأفعال.
فبعد أن بان خطره، وشاع صيته، وعرفته الأوساط الشعبية والجماهيرية والرسمية، جاءته السفارة البريطانية، تعرض عليه عرضاً مالياً مغرياً –في ذلك الحين– 5 آلاف جنيه، مقابل محاضرة واحدة عن الديمقراطية يلقيها في المذياع.
فيقول لهم: على الرحب والسعة، وبلا مقابل، ولكن حسب فهمي وتصوري أنا لهذا الذي تسمونه ديمقراطية.
فقالوا: لا، بل حسب فهم بريطانيا وحلفائها فقط.
كانت المسألة واضحة، فالمبلغ لم يكن مقابلاً للمحاضرة، بل هو شراء موقف، وبشكل أدق شراء الرجل، هكذا ظنوه يباع ويشترى، كما هي حال الكثيرين في كل حين.
فأجابهم بما لا يدع مجالاً للتفاوض أو المساومة: إليكم عني إذاً، فقد ضللتم الطريق، وأخطأتم التقدير.