قد يقع أحدنا في صفة من الصفات التي يبغضها الله تعالى دون أن يدري فنهلك، ولذلك فكما يجب علينا معرفة ما يحب الله سبحانه لنأتيه، فوجب علينا كذلك معرفة ما يستوجب غضب الله فنتجنبه، وهناك 9 صفات يبغضها الله تعالى، وقد وجب علينا الحذر من الوقوع فيها، وهي(1):
أولاً: المعتدون:
قال تعالى: (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ) (البقرة: 190)، وهناك 3 أوجه للاعتداء:
1- الاعتداء على حق الله تعالى باللجوء والتضرع لغيره سبحانه أو باقتراف ما نهى عنه من الذنوب والمعاصي والتقصير في العبادة.
2- الاعتداء على النفس بحرمانها مما أحل الله تعالى أو تكليفها ما لا تطيق.
3- الاعتداء على الخلق بظلمهم وإلحاق الأذى والضرر بهم دون وجه حق.
وفي السُّنة النبوية ما يحذر من الوقوع في الاعتداء، فعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: «ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله صلى عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله، فينتقم لله بها» (رواه البخاري).
ثانياً: الكافرون:
قال ابن قتيبة: أما الكافر، فهو من قولك: كفرت الشيء إذا غطيته، ومنه يقال: تكفر فلان في السلاح إذا لبسه.
والكفر شرعاً ضد الإيمان فيكون قولاً وعملاً واعتقاداً وتركاً، كما أن الإيمان قول وعمل واعتقاد.
جاء في مجموعة الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية: الكفر عدم الإيمان بالله ورسوله سواء كان معه تكذيب أو لم يكن معه تكذيب، بل شك وريب وإعراض عن هذا حسداً أو كبراً أو اتباعاً لبعض الأهواء الصارفة عن اتباع الرسالة، قال تعالى: (وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) (آل عمران: 141)، وقال عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً {150} أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً) (النساء).
وعن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار» (رواه البخاري).
ثالثاً: المختال الفخور:
قال تعالى: (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً) (النساء: 36)، وقال تعالى: (لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) (الحديد: 23).
وفرعون كان متكبراً مختالاً، وكذلك إبليس من قبله ثم قارون، فمن أتى بأفعالهم فقد تشبه بهم وسار على خطاهم.
رابعاً: المستكبرون:
قال تعالى: (إلهكم اله واحد إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ {22} لاَ جَرَمَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ) (النحل)، وقال سبحانه: (قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) (الأعراف: 133)، وصفات مثل: المتكبر، الكبير، العلي، الأعلى ، المتعال؛ هي صفات لا تصح إلا لله عز وجل ولا يجوز لأحد من خلقه أن ينازعه فيها.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بينما رجل يمشي، قد أعجبته جمته وبرداه، إذ خسف به الأرض، فهو يتجلجل في الأرض حتى تقوم الساعة» (رواه مسلم).
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر» (رواه مسلم).
خامساً: الخائنون:
الخون أن يؤتمن الإنسان فلا ينصح، خانه يخونه خوناً وخيانة خانة ومخانة(2)، والخيانة عكس الأمانة؛ وهي نقصان في الوفاء، قال تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً) (النساء: 105)، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) (الأنفال: 27).
وعن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان» (رواه البخاري، ومسلم).
وعن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يكون قوم يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن» (متفق عليه).
سادساً: الفَرِحون:
لقد جعل الله تعالى قلوب العباد بين إصبعين من أصابعه سبحانه وتعالى يقلبها كيف يشاء؛ فيسعد هذا، ويشقى ذاك، ويضحك هذا، ويبكي ذاك، فالفرح الذي أمرنا الله تعالى به وأمرنا أن ندخله على قلوب عباده هو الفرح بالهداية والاستقامة وأن جعلنا الله تعالى على ملة الإسلام؛ قال تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) (يونس: 58).
سابعاً: المفسدون:
قال تعالى: (وَمِنهُم مَّن يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُم مَّن لاَّ يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ) (يونس: 40)، وقال سبحانه: (الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (البقرة: 27).
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «فأما من ابتغى وجه الله وأطاع الإمام وأنفق الكريمة وياسر الشريك واجتنب الفساد كان نومه ونبهه أجراً كله، وأما من غزا رياء وسمعة وعصى الإمام وأفسد في الأرض فإنه لا يرجع بالكفاف» (رواه النسائي، وأبو داود).
ثامناً: المسرفون:
الإسراف من العادات الذميمة التي نهانا عنها الإسلام؛ لأن الإسلام دين الوسطية والاعتدال في كل شيء؛ قال تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأعراف: 31).
وعن المقدام بن معد يكرب الكندي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة: فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه» (رواه الترمذي)، وعن عبدالله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بسعد وهو يتوضأ، فقال: «ما هذا السرف؟»، فقال: أفي الوضوء إسراف؟ قال: «نعم، وإن كنت على نهر جار» (رواه ابن ماجه).
تاسعاً: الظالمون:
الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه المختص به، إما بنقصان أو بزيادة(3).
وهو عباره عن التعدي عن الحق إلى الباطل وهو الجور(4).
ولقد حذرنا الله تعالى من الظلم والظالمين، وأخبرنا سبحانه وتعالى بأنه لا يحب الظالمين، وهذا أقسى عقاب للعبد أن يطرد من محبة الله تعالى؛ قال سبحانه: (وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (آل عمران: 57)، وقال عز وجل: (وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (الشورى: 40).
كيف يتجنب المسلم الوقوع فيها؟
يتوقف أمر المعصية البدنية والقلبية على عمق إيمان المسلم بالله عز وجل، والمسلم يخطئ لكنه سرعان ما يعود، فعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُون» (أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ).
___________________
(1) انظر: كتاب «هؤلاء لا يحبهم الله» للكاتب محمد عبدالرحمن صادق.
(2) لسان العرب، ابن منظور.
(3) مفردات القرآن، الراغب الأصفهاني.
(4) التعريفات، الجرجاني.