يعيش اليمن الآن، البلد ذو الـ30 مليون نسمة، تحت وطأة صراع مدمر منذ عام 2014م، ترك هذا الصراع ندوبًا عميقة على كافة جوانب الحياة، بما في ذلك حياة الشباب الذين يشكلون نحو 70% من سكان البلاد.
وقبل الصراع، كان لدى شباب اليمن آمالٌ عريضة في مستقبلٍ أفضل، فقد سعى الكثيرون منهم إلى تحقيق أحلامهم في التعليم والعمل والحياة الكريمة، لكن سرعان ما تحولت هذه الآمال إلى انكسارات مع تصاعد حدة الصراع وتفاقم الأزمات الإنسانية.
ويعيش الشباب اليمني اليوم في يمن جديد مختلف تمامًا عن اليمن الذي كانوا يحلمون به، يواجهون تحدياتٍ هائلة على جميع الأصعدة، فبانهيار الاقتصاد اليمني تفاقمت البطالة وافتقر الشباب إلى فرص العمل، واضطر الكثيرون منهم إلى ترك الدراسة والبحث عما يعينهم على إعالة أسرهم.
وسياسيًا، يفتقر اليمن إلى الاستقرار ويعاني الفساد وانعدام الأمن، ويشعر الشباب بالإحباط من عدم وجود فرص حقيقية للمشاركة في صنع القرار.
وبسبب الصراع المستمر، تمزق المجتمع اليمني واشتعلت التوترات الطائفية والمناطقية، وعانى الشباب معه مشاعر اليأس والإحباط، وشعروا بالتهميش وعدم الانتماء.
وعلى المستوى الإنساني، يعاني ملايين اليمنيين من نقص حادٍ في الغذاء والدواء والخدمات الأساسية، ما أثقل كاهل الشباب وجعلهم يواجهون خطر الموت بسبب الأمراض والجوع والقصف.
واقع الشباب اليمني
يعيش الشباب اليمني في المنتصف بين الحلم والحرب، وبين لقمة العيش الضرورية والطموحات الموؤودة، واستسلم بعضهم للحرب وغادر البلاد، واتجه آخرون إلى جبهات القتال.
وتؤكد دراسات عدة أن الشباب في المجتمعات الانتقالية التي تمر بمرحلة التحول والتغير أو الصراع المستمر، كما هي حال المجتمع اليمني يعانون من مشكلات كثيرة في الوصول والحصول على الحاجات الأساسية والضرورية لتحسين مستوى حياتهم وتمكينهم من المشاركة بفعالية في تنمية مجتمعاتهم.
وبطبيعة الحال، يُعاني اليمن من أعلى معدلات البطالة في المنطقة العربية، حيث تصل إلى 60% من إجمالي القوى العاملة، وتعدّ نسبة البطالة بين الشباب مرتفعة بشكل خاص، حيث يُعاني الشباب المؤهل والقادر على العمل من صعوبة الحصول على فرص عمل مناسبة، جراء الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد.
وتُعزى هذه الأزمة إلى العديد من العوامل، وهو ما يمكن الإشارة إليه في النقاط التالية:
التحديات
– الحرب: تسببت الحرب في مقتل 233 ألف شخص، وفقدان 140 ألف طفل تحت سن الخامسة، ومعاناة 40% من السكان من المجاعة، و1.6 مليون طفل من سوء التغذية، وحرمان 10.3 ملايين طفل من التعليم.
– البطالة: تفتقر فرص العمل المستقبلية، وتنتشر المحسوبية، وتتجاهل الأحزاب السياسية الشباب، ويُعاني الشباب من الاستبعاد المجتمعي والسياسي.
– التعليم: رداءة الفرص التعليمية، وغياب التعليم النوعي، وانتشار التعليم الأيديولوجي المتطرف.
– الهوية: فقدان الشباب لهويته الوطنية بسبب الصراع، وانتشار التطرف.
– التجنيد: استغلال الجماعات المتطرفة للشباب الغاضب في الحرب المستمرة.
العواقب
– الغضب والنقمة: شعور الشباب بالظلم والاستبعاد، واتجاههم نحو العنف.
– التطرف: انضمام الشباب للجماعات المتطرفة.
– فقدان الأمل: شعور الشباب باليأس من المستقبل.
– هجرة العقول: مغادرة الشباب لليمن بحثًا عن فرص أفضل.
طاقات معطلة
وتعرضت الطاقة الشبابية في اليمن لتحديات كبيرة نتيجة الحرب المستمرة، التي أثرت على البنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، مما عرقل الجهود التنموية وقوض فرص الشباب في بناء مستقبل مستقر ومزدهر.
ولا شك أن استعادة الاستقرار والسلام في اليمن يعد أمرًا حاسمًا لتمكين الشباب وتحفيز طاقاتهم، وبناء بيئة مناسبة للتنمية المستدامة، فإذا تمكنت البلاد من التغلب على التحديات الحالية وإعادة بناء البنية التحتية المتضررة، ستتاح فرص جديدة للشباب لتحقيق طموحاتهم والمساهمة في تطوير مجتمعاتهم بشكل فعّال.
وفي هذا الإطار، يرى محمد السيد، المدير التنفيذي لمنظمة صناع النهضة في اليمن، أهمية استثمار قدرات الشباب اليمنيين من خلال تطوير مهاراتهم الشخصية والمهنية والتقنية، ومنحهم فرصة للمشاركة في صنع القرارات بعد تنمية قدراتهم، ويشدد على أهمية مشاركتهم في عمليات السلام والمشاورات لتعزيز دورهم الفعال في بناء النهضة وتطوير المجتمع في ظل التحديات الحالية.
وفي ذات السياق، يُقدم عارف ناجي، رئيس المجلس التنسيقي للمنظمات غير الحكومية، رؤية لدور الشباب اليمني في ظل الظروف الراهنة، مُركزًا على 3 محاور أساسية؛ تنمية الوعي وبناء القدرات، والمشاركة في العمل الإنساني والتأهيلي، ودعم مبادرات الشباب للمناصرة والضغط والتغيير.
الشباب.. والنهوض بالمجتمع
وفي خضمّ التحديات الجسيمة التي يواجهها اليمن عقب الصراع الطويل، يبرز دور الشباب اليمني كأمل واعد لقيادة مشروع قومي للنهوض بالبلاد، مستندًا إلى أسس راسخة:
– المصالحة الوطنية: توحيد الصف اليمني ورأب الصدع الذي خلفه الصراع، لخلق بيئة آمنة ومستقرة للبناء والتطور.
– المشاركة السياسية: تعزيز دور الشباب في العملية السياسية، وإتاحة الفرصة لهم للمشاركة الفاعلة في صنع القرار، وإدارة شؤون بلدهم.
– التمكين الاقتصادي: توفير فرص اقتصادية مجزية للشباب، وتحفيز ريادة الأعمال، وتشجيع الاستثمار، لخلق اقتصاد مزدهر يساهم في تحسين مستوى المعيشة.
– التنمية الثقافية: الحفاظ على التراث الثقافي الغني لليمن، وتعزيز التنمية الثقافية، وإحياء الفنون والآداب، لخلق هوية وطنية قوية توحد أبناء اليمن.
– التعاون الدولي: التعاون مع المجتمع الدولي لتبادل الخبرات والتجارب، والاستفادة من المعرفة والتقنيات الحديثة، لبناء اليمن المستقبلي.
ولتحقيق هذه الأهداف النبيلة، يمكن للشباب اليمني المبادرة بإطلاق مبادرات قيادية تساهم في النهوض بالبلاد، تشمل:
– مبادرات إعادة البناء: إعادة إعمار البنية التحتية المدمرة، وإعادة تأهيل المؤسسات، وتوفير الخدمات الأساسية للشعب اليمني.
– مبادرات التعليم: تعزيز التعليم من خلال التطوع في المدارس، وتقديم الدروس التعليمية، ونشر الوعي بأهمية المعرفة.
– مبادرات ريادة الأعمال: إطلاق مشاريع تجارية جديدة، وخلق فرص للعمل، وتحفيز روح الابتكار والإبداع بين الشباب.
– مبادرات التوعية: نشر الوعي بالقضايا المهمة، مثل السلام وحقوق الإنسان، وتعزيز ثقافة الحوار والتسامح، ومحاربة الفكر المتطرف.
فمن خلال هذه المبادرات والتحركات الإيجابية، يُمكن للشباب اليمني أن يثبت قدرته على تجاوز المحن، وقيادة بلده نحو مستقبل مشرق تزهر فيه آمال النهضة والتقدم.
وأخيرًا، يبقى أن اليمن في أمسّ الحاجة إلى مشروع قومي للشباب يستهدف نهضته، ويقوم على توطين التكنولوجيا والعلوم الحديثة داخل البلاد، وتدريب الأعداد الكافية من الشباب على هذه العلوم، والانصراف عن ميادين الحرب إلى ميادين البناء والتنمية وفقًا لمشروع قومي يشمل جميع أنحاء اليمن، شماله، وجنوبه، وشرقه، وغربه، خاصة أن البلاد أصبح شبابها مقسماً ما بين مجموعات تنخرط في الحرب، وأخرى في معسكرات النزوح واللجوء، والنابهون منهم تركوا البلاد إلى حيث الإقامة الدائمة في الدول الأوروبية وغيرها.
______________________
باحث متخصص في الشأن اليمني.