في عالم يتسم بتقدم التكنولوجيا وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت الشائعات تمثل آفة اجتماعية تشكل تحديًا كبيرًا للمجتمعات.
هذا التحقيق يتناول تحديات المجتمع في مواجهة الشائعات وتأثيرها السلبي على الحياة الاجتماعية والثقافية، ويسلط الضوء على تصريحات خبراء في علوم الاجتماع وعلم النفس حول أهمية التصدي للشائعات، وضرورة التواصل الفعال في عصر الاتصالات ووسائل التواصل الاجتماعي.
فقد أوضح أستاذ علم الاجتماع د. يعقوب الكندري أن الشائعات تمثل آفة اجتماعية يجب مواجهتها والحد من انتشارها، حيث إنها تتضمن أخبارًا كاذبة يبثها شخص أو عدة أشخاص، وتنتشر بسرعة كبيرة في المجتمع، مما يشكل خطرًا على كيانه في معظم الأحيان.
وأشار د. الكندري، لـ«المجتمع»، إلى أن الشائعات تنقسم إلى نوعين؛ الشائعات الدائمة طويلة المدى وهي تنتشر بشكل كبير وتهدد أمن المجتمع واستقراره، وتستهدف كل فئات المجتمع دون استثناء، والشائعات المؤقتة التي تستهدف فئة معينة أو مجتمعًا محددًا، وتنتشر بشكل محدود وتنتهي بسرعة دون أثر واضح.
كما لفت د. الكندري إلى أن هناك شائعات متعمدة تصدر أحيانًا من جهات القرار لقياس الرأي العام تجاه قرار معين، وشائعات غير مقصودة تنتج عن كلمات تصدر عن أشخاص بغير قصد ويتم تناقلها بشكل مختلف، وكلما زادت رقعتها الجغرافية انحرفت عن مقاصدها الحقيقية.
وأضاف أن للشائعات أبعادًا سياسية واجتماعية واقتصادية ودينية تؤثر في المجتمع واستقراره، وتساهم في خلق مفاهيم سلبية مثل الفئوية والمذهبية وزعزعة الأمن.
وشدد د. الكندري على ضرورة التصدي للشائعات من قبل الأجهزة الأمنية والإعلامية من خلال الشفافية والسرعة في بث الأخبار الصحيحة، وأشار إلى أن التكنولوجيا الحديثة ساهمت في سرعة انتشار الشائعات؛ لذا يجب مواجهتها بسرعة تضاهي سرعة انتشارها بشفافية ودقة حتى تسقط الشائعة وتموت، وأكد أن خطر الشائعات لا يقتصر على الجانب الاجتماعي فقط، بل يمتد ليشكل خطرًا أمنيًا، وهو ما تلاحظه القوانين والدساتير التي تتضمن عقوبات ضد مطلقي الشائعات بهدف تحصين المجتمع من هذه الآفة.
ومن جانبه، أشار أستاذ علم النفس في جامعة الكويت د. خضر البارون إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي تمثل أداة مهمة من أدوات التغيير، حيث تساعد على التفاعل مع الآخرين من خلال مختلف الأنشطة وتبادل المعلومات والآراء والأفكار واكتساب خبرات وثقافات متنوعة؛ مما يجعلها تتخطى الحدود والحواجز؛ لذلك، تعد وسائل التواصل سلاحًا فعالًا في نشر الفضيلة وترسيخ القيم بين مختلف فئات المجتمع.
ووصف د. البارون، في تصريح لـ«المجتمع»، العصر الحالي بأنه عصر الاتصالات والبرامج الذكية التي فرضت وجودها في جميع أنحاء العالم، وأوضح أن شبكات التواصل الاجتماعي تعتبر اليوم من بين أهم الوسائل التي تسهم في إحداث تغييرات نوعية في العلاقات الاجتماعية والثقافية، ومع ذلك، أشار إلى المخاوف الحقيقية التي يثيرها الاستخدام الواسع والمفتوح لهذه البرامج لدى الشباب، بدون قيود أو حدود، وما يمكن أن يؤدي إليه ذلك من آثار سلبية على منظومة القيم الأخلاقية والسلوكية والدينية.
وأشار البارون إلى أن هناك حسابات وهمية وراءها شخصيات متوارية تعاني من خلل نفسي في التواصل مع المجتمع والآخرين، هؤلاء الأشخاص لا يستطيعون المواجهة أو التصريح بآرائهم بشجاعة، لأنهم يعانون من الخوف والوهم، ويعتقدون أن العالم الافتراضي يخفي شخصيتهم الحقيقية، ويظنون أن بإمكانهم الإساءة للمجتمع وإطلاق الإشاعات والإساءة للآخرين دون عواقب، والأخطر من ذلك، أن هؤلاء الأشخاص يمكن أن يكونوا أداة في يد جهات تضمر العداء للمجتمع، تستخدمهم بسهولة لبث الفرقة والخلافات بين أفراد المجتمع.
وأكد د. البارون ضرورة إغلاق الحسابات الوهمية والتعامل بحزم مع أي إساءة تصدر بحق أي مجموعة من الناس أو جهات حكومية، من خلال جزاءات مشددة تهدد من يقف وراء تلك الإساءات، موضحاً أنه عند الحديث في وسائل التواصل الاجتماعي يجب أن تكون اللغة والمفردات محترمة، وعلى المتلقين أن يدققوا فيما يتلقون من معلومات، مضيفاً أن الشخص الذي يخفي شخصيته على وسائل التواصل الاجتماعي غالبًا ما يكون خائفًا أو يعمل لمصلحة جهات أخرى، لذا يتعين التحقق من هوية من نقرأ له.
بدوره، يؤكد د. صلاح المهيني أن الإسلام ليس دينًا كهنوتيًا منفصلًا عن الحياة العملية، بل هو دين يعتمد على عقائد صحيحة تتحول إلى أفعال وممارسات تسعد الإنسان في الدنيا والآخرة؛ ولذا، ينتقد النص صراحة المسلم الذي لا يتجاوز الإسلام لسانه، فينطق بالشهادتين دون أن تنعكس على حياته.
وأشار د. المهيني، لـ«المجتمع»، إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه! لا تؤذوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله»، هنا، يحذر النبي صلى الله عليه وسلم بشدة من تلك الفئة التي تدعي الإسلام ولكن الإسلام لا يتجاوز ألسنتهم، فهؤلاء أفعالهم وتصرفاتهم ليست من أفعال وتصرفات المؤمنين، كما يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بألا يؤذوا المسلمين بألسنتهم أو بأفعالهم، وألا يتبعوا عورات المسلمين لفضحهم بعد أن سترهم الله تعالى.
وأكد د. المهيني أن ظاهرة تتبع عورات الناس ليست جديدة، لكنها أصبحت أكثر انتشارًا مع وسائل التواصل الاجتماعي، فقد ينشر الشخص صورة أو فيديو عن طريق الخطأ، أو تنتشر له صورة أو فيديو بدون رغبته، فتستغلها بعض النفوس الضعيفة لابتزازه وتهديده بنشرها على نطاق واسع.
وأوضح أن هذه الممارسات تدخل ضمن النهي الوارد في الحديث النبوي، وأن المسلم الحكيم لا يساهم في نشر فضائح الناس، بل يكون أداة إيجابية في المجتمع، كما أشار إلى الأضرار الكبيرة التي تلحق بالشخص وعائلته جراء انتشار هذه الصور والمقاطع، مستشهدًا بإحصائية مخيفة عن حالات الانتحار بين المراهقين في المجتمع الأمريكي بسبب انتشار صور غير لائقة لهم على وسائل التواصل الاجتماعي. وأضاف أن من يخترق خصوصيات الناس لابتزازهم يرتكب جرمًا أكبر، ويجب أن يعاقب بشدة.
واختتم د. المهيني بالقول: إننا بحاجة إلى تشريعات تحمي المجتمع من ممارسات هذه الفئة المريضة، وإلى جهات رقابية فعالة لحماية الناس من الابتزاز، مستشهدًا بقول ابن القيم: «من رفق بعباد الله رفق الله به، ومن رحمهم رحمه، ومن أحسن إليهم أحسن إليه، ومن جاد عليهم جاد الله عليه، ومن نفعهم نفعه، ومن سترهم ستره»، مؤكدًا أن تعامل الإنسان مع خلق الله يحدد كيفية تعامل الله معه في الدنيا والآخرة.