هل أثرت الحرب على أنماط الاستهلاك لدى الشباب اليمني خاصة مع موجة إقدام الشباب العربي على اقتناء منتجات الماركات العالمية؟ وفي هذا الاتجاه، هل انعزل الشباب اليمني عن تلك الموجة التي صاحبها زخم إعلامي وإعلاني كبير احتل مواقع وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية ترويجًا لتلك الماركات التي تستلزم وفرة مالية من ناحية، وضرورة وجود عملات أجنبية من ناحية ثانية؟
اليمن الذي يعاني من حروب أهلية في الشمال والجنوب والوسط، تشير العديد من التقارير الدولية إلى حجم أزمته الاقتصادية، حيث أظهر تقرير لصندوق النقد الدولي في الثاني من مايو 2024م، أن نحو 17 مليون يمني يعانون من انعدام الأمن الغذائي.
وأثرت هذه التحديات الاقتصادية الكبيرة على سلوكيات الشباب الشرائية، فمع تراجع القدرة الشرائية وارتفاع أسعار السلع، يجد الشباب أنفسهم مضطرين إلى ضبط إنفاقهم والتفكير المتأني قبل كل قرار شرائي.
وأمام ارتفاع أسعار منتجات الماركات العالمية، ساد لدى الشباب أنماط استهلاكية تضمن أولًا تلبية الاحتياجات الأساسية والبحث عن تلك المنتجات منخفضة الأسعار، خاصة مع عدم توفر العمليات الأجنبية من ناحية، وغياب وكلاء عالميين لتلك الماركات من ناحية أخرى.
الأسعار.. وسلوك الشباب
تحت تأثير تدهور العملة الوطنية وارتفاع معدلات التضخم، أصبح السعر المحدد الرئيس والأولوية لدى الشباب عند اتخاذ قرارات الشراء، متغلبًا على عوامل أخرى مثل جودة المنتج واسم العلامة التجارية.
وتبنى الشباب سلوكيات جديدة تتمحور حول السعر في اختيارهم للمنتجات، وفقًا لنتائج استطلاع رأي أجرته إحدى الصفحات المتخصصة في ريادة الأعمال عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، حيث تم طرح السؤال المحوري: هل السعر أهم أم المنتج؟ وتبين أن 70% من المشاركين رأوا أن السعر يأخذ الأولوية، بينما رأى 20% ضرورة توازن بين السعر والجودة، وفقط 10% اختاروا الجودة.
وتشير تلك النتائج إلى أنّ الظروف الاقتصادية تؤثر في اختيارات الشباب اليمني، حيث تُجبرهم على ترشيد الإنفاق والبحث عن السلع بأسعار أرخص، حتى لو كانت ذات جودة أقل، وهذا ما يُؤكّد أنّ الشباب اليمني بات يضع قيد الحصار على رغباته في اقتناء المنتجات ذات الماركات العالمية مرتفعة الثمن، مُركزًا على تلبية احتياجاته الأساسية بأسعار مناسبة في ظلّ الأزمة الاقتصادية الخانقة.
ماركات عالمية مختلفة
ولم تُثنِ الأزمات الاقتصادية والصراعات الدائرة في اليمن عزيمة الشباب اليمني عن السعي وراء فرص جديدة، فمع انتشار التجارة الإلكترونية وازدهار التسويق الرقمي، اكتسب بعض الشباب والفتيات مهارات جديدة في مجال التسويق، ممّا فتح آفاقًا جديدة للتجارة، حيث شهدت بعض المحافظات اليمنية، وخاصةً العاصمة المؤقتة عدن، ظهور أنواع جديدة من الماركات العالمية لا سيما ذات المنشأ الصيني.
ويعود انتشار هذه المنتجات إلى عدة عوامل؛ منها ازدياد إقبال الشباب على التجارة الإلكترونية، وانخفاض أسعار المنتجات الصينية وتنوعها، ودخول المنتجات الصينية إلى اليمن عبر دول الجوار، وأخيرًا ذلك التحدي الذي أظهره اليمنيون للمنتجات الغربية، حيث اتجه بعض المستهلكين إلى شراء المنتجات الصينية كبديل للمنتجات الغربية، خاصة مع ارتفاع أسعارها.
ورغم أن الاعتماد على الاستيراد آثاره كارثية، فإن هذه الظاهرة أثبتت قدرة الشباب اليمني على التكيف مع الظروف الصعبة وإيجاد فرص جديدة للتجارة والعمل من ناحية، وتشير إلى التغيرات التي يشهدها نمط الاستهلاك لدى شرائح معينة من بين جموع الشباب اليمني.
شرائح الرفاهية بين الشباب
في الساحة اليمنية، نلاحظ تواجد شريحتين من الشباب تتميزان بالوفرة الاقتصادية، وهما:
1- شريحة الوفرة الثابتة:
تشكل هذه الشريحة الأثرياء في اليمن، وتمثل نسبة محدودة من السكان، وتضم رجال الأعمال، وزعماء القبائل، وكبار التجار، كما تتضمن أيضًا الأسر التي هاجر أفراد منها إلى دول أجنبية، وتقوم بإرسال مبالغ مالية منتظمة لأسرها، بالإضافة إلى إرسال الماركات العالمية من الخارج لأفراد الأسرة وذويها.
ويعد شباب هذه الشريحة الأكثر اقتناءً لمنتجات الماركات العالمية لما يتوفر لديها من أموال من ناحية، ولكثرة تنقلهم بين العواصم الأوروبية من ناحية أخرى.
2- شريحة الوفرة الناشئة:
تمثل هذه الشريحة الجديدة من الشباب والفتيات الذين اكتسبوا خبرات في التسويق الإلكتروني، وقاموا بإدخال المنتجات من الخارج إلى اليمن، وأصبحوا جزءًا من الطبقة المهتمة بالماركات العالمية، على الرغم من أنهم يشكلون نسبة صغيرة ومتركزة في المدن بشكل رئيس.
وتمكنت هذه المجموعة من تغيير أنماط الاستهلاك بين شريحة معقولة من الشباب وخاصة بين النساء، وذلك بالاستفادة من العادات الاجتماعية التي تفرض نمطًا خاصًا يعزل النساء في المناسبات عن الرجال، حيث تصطدم في الغالب بعض هذه الماركات مع العادات والتقاليد وتصبح مرفوضة من جانب الرجال لما يرونه خروجًا عن الزيّ التقليدي لنساء اليمن.
وإن كانت التجارب تقول: إن هذه الماركات سوف تظهر حتمًا إلى الشارع اليمني من تلك الأماكن المغلقة، خاصة في المدن الرئيسة.
تفرد يمني
هكذا يتضح أن الشباب اليمني وأنماط سلوكه الاستهلاكية تعكس الحالة الاقتصادية لليمن التي تختلف كثيرًا عن تلك الأوضاع في بلدان العرب، وخاصة البلدان ذات الوفرة الاقتصادية التي تسمح لشبابها بالشغف بالماركات العالمية، وجلبها، ومن ثم تشجيع الشركات العالمية على فتح منافذ لها في بلاد الوفرة.
الشباب في اليمن، إذًا، تحكمه قلة الموارد من ناحية، وظروف الحرب القاسية من ناحية ثانية، وهذا الشتات الذي يضرب الأسرة اليمنية بسبب الحرب من ناحية أخيرة.
لا شك أن مقاطعة المنتجات الأجنبية في اليمن قام بها بشكل رئيس شباب اليمن، وبالتالي أثرت حملات المقاطعة بشكل كبير على فكرة الاندفاع وراء الماركات العالمية، خاصة أن معظم هذه الماركات تنتمي إلى تلك الدول المشمولة بالمقاطعة، كما أن التغيير في المزاج العام اليمني في مواجهة الغزو الاقتصادي نتيجة حملات المقاطعة أثّر بشكل كبير على رواج فكرة الماركات العالمية في اليمن.
____________________
باحث متخصص في الشأن اليمني.