لربما سمعنا مرارًا وتكرارًا عن الاضطهاد الذي تمارسه الحكومات الهندية المتعاقبة تجاه مسلمي الهند، وقد تنوعت أنواع التمييز والاضطهاد وشملت أشكالاً شتى، وما زال مسلمو الهند يعيشون تحت وطأة التمييز الهندوسي الذي يحاول جاهدًا انتزاع حقوقهم بكافة الأساليب والطرق سواء المشروعة منها وغير المشروعة.
ومن أشكال هذا الاضطهاد الذي يتعرض لها المسلمون بالهند مؤخرًا، تلك الظاهرة التي رصدها الحقوقيون والمهتمون بمجال حقوق الأقليات، وهي ظاهرة التمييز ضد مسلمي الهند عند التقدم للتوظيف لإيجاد عمل يستطيع من خلاله الشخص المسلم أن يكفل أسرته ويسد احتياجاتها، وقد تنوعت الأسباب التي أدت إلى ممارسة الحكومة الهندية لهذا التمييز في مسألة التوظيف تجاه المسلمين بشكل خاص، ومن أبرز هذه الأسباب ما يلي:
1- تفشي «الإسلاموفوبيا» والتحيزات الاجتماعية:
الناظر والمدقق في الأمر سيجد أن «الإسلاموفوبيا» المتزايدة في العديد من المجتمعات غير المسلمة تساهم بشكل كبير في التمييز ضد المسلمين في التوظيف، حيث تساهم في رسم تصورات سلبية عن المسلمين، مثل أنهم أقل ولاءً للدولة أو أكثر ارتباطًا بالعنف والتطرف، وهو ما يروج له الهندوسيون عن المسلمين في المجتمع؛ وبالتالي تؤثر هذه الصورة المغلوطة على فرصهم في الحصول على وظائف، وهذه التحيزات تجد طريقها بكل سهولة إلى القرارات التوظيفية، سواء في القطاع الحكومي أو الخاص على السواء.
2- القومية المتزايدة بشكل مبالغ فيه:
لطالما كان داء القومية شراً محضاً، فإن آثاره الخبيثة لم تترك المسلمين في راحة من العيش ولو لبرهة من الزمن لضمان الكفاف والحد الأدنى من المعيشة السوية، حيث إنه في ظل الحكومات القومية التي تسعى إلى تعزيز الهوية الدينية المسيطرة، يتم توجيه السياسات بطرق تزيد من التمييز ضد المسلمين، فعلى سبيل المثال؛ نجد أن الدعوات لمقاطعة الأعمال التي يديرها مسلمون أو التشكيك في ولائهم الوطني تؤدي إلى استبعادهم من السوق بشكل غير مباشر؛ لأنها أتت ثمارها الخبيثة في ظل غياب للرقابة القانونية التي تحفظ حقوق الأقليات كما كفلها الدستور والمواثيق الدولية.
3- غياب الدعم والمساواة:
إن ما أقل ما يمكن القيام به لضمان معيشة جيدة للأقليات هو توفر مبدأ الدعم سواء على المستوى الاجتماعي أو الوظيفي، بجانب المساواة مع بقية الفئات داخل المجتمع الواحد خاصة على المستوى المهني.
ولكن الواقع في الهند خلاف ذلك تمامًا، حيث تجد المسلمين في كثير من الأحيان لا يملكون شبكات الدعم المهني التي يمكن أن تساعدهم في الحصول على فرص عمل، ويعتمد الحصول على العديد من الوظائف على العلاقات الشخصية والشبكات الاجتماعية، وهذه العناصر قد تكون غير متاحة أو ضعيفة في المجتمعات المسلمة نظرًا لتهميشها وتعمد إضعافها، كما أن السياسات التي تهدف إلى تعزيز التنوع والمساواة ليست دائمًا شاملة للأقليات الدينية، وهو ما ينعكس على مسلمي الهند بشكل واضح.
ومن هذا المنطلق، يتضح بشكل جليّ أن التمييز ضد المسلمين في الوظائف يمثل تحديًا كبيرًا يجب معالجته بشكل حازم وبسرعة كبيرة، من خلال تعزيز القوانين التي تمنحهم حق العمل حسب خبراتهم المتوفرة، بجانب زيادة الوعي بأهمية دمجهم في المجتمع لتحقيق التنمية المنشودة، وتبني سياسات توظيف شاملة يمكن من خلالها تحقيق بيئة عمل أكثر عدالة وتنوعًا تتيح للجميع فرصة متساوية للنمو والنجاح.