تقف اللغة العربية أمام تحدٍّ عظيم، يتمثل في التخلي عن التحدث وتدريس العلوم بها، في انكسار وانبطاح من قومها أمام اللغات الأجنبية التي فرضت نفسها على مدارسنا وجامعاتنا؛ الأمر الذي يضع الهوية العربية في خطر، وقد يطيح بأجيال عدة تقف في انبهار بلغة الغرب وحضارته ومصادر قوته دون وعي أو إدراك لمكامن الخطر في ذلك.
تساؤلات عدة طرحتها «المجتمع»، على د. محمد يونس الحملاوي، الأمين العام للجمعية المصرية لتعريب العلوم، في هذا الحوار.
الكثير من قرارات المجامع اللغوية حبر على ورق
في البداية، نود التعرف على دور الجمعية المصرية لتعريب العلوم.
– أنشئت الجمعية عام 1995م، ووضع المؤسسون مجموعة من الأهداف، أهمها: تفعيل دور اللغة العربية في مجتمعاتنا العربية، والعمل على رفع الكفاءة التعليمية وربطها بالتنمية، والعمل على تفعيل القوانين المنصفة للعربية في أوطانها، ومنها قرارات المجامع اللغوية وتوصيات المؤتمرات اللغوية؛ لأن الكثير منها مجمد أو غير مفعل؛ مما يجعلها حبراً على ورق.
كذلك تعمل الجمعية على تعريب مختلف العلوم العصرية التي تحتاج إلى التعريب، وأهمها: الطب البشري، وطب الأسنان، والكيمياء، والرياضيات، والبيولوجيا، والجيولوجيا، والفيزياء، والصيدلة، والهندسة المدنية، وعلوم الحاسب، وغيرها من العلوم التطبيقية العصرية.
كيف ترى أزمة التدريس باللغة الإنجليزية في عالمنا العربي؟
– عند النظر بشفافية إلى خريطة تعليم العلوم التطبيقية في جميع الدول المتقدمة، ستجد أنها تدرسها بلغاتها القومية؛ مما يؤكد أننا نسبح عكس التيار بالتدريس بغير لغتنا، وإذا كان التعليم بالإنجليزية أو الفرنسية هو الأفضل، فلماذا تحرص بعض الدول الأوروبية مثل: السويد وسويسرا وفنلندا وأيسلندا والنمسا والنرويج وهولندا وإسبانيا وألمانيا والبرتغال وإيطاليا وغيرها على التدريس بلغاتها القومية، وكذلك كوريا والصين واليابان وروسيا غيرها تدرس العلوم بلغاتها.
الكيان الصهيوني أحيا اللغة العبرية وفرضها على العالم
لا شك أن هؤلاء أدركوا من خلال التجربة الواقعية والأبحاث العلمية أن اللغة القومية أفضل ألف مرة من أي لغة أخرى يتعلم بها الطالب، يليها تعلم اللغة الأجنبية كلغة تواصل واستزادة علمية، وليست بديلاً عنها أو مزاحمة لها.
في تقديرك، ما تأثير ذلك على الهوية العربية؟
– من المؤسف القول: إن تعليم أبنائنا منذ الصغر باللغات الأجنبية جريمة مكتملة الأركان، وكارثة على حاضر الأمة ومستقبلها، فمثلاً اليابان تمنع تعليم لغة أجنبية قبل سن 12 عاماً حتى يكون الطالب أتقن أساسيات لغته، لكن ما يجري في عالمنا العربي منذ قرون، فهو امتداد لمؤامرة تستهدف لغتنا، وتعمل على تغريب مجتمعاتنا؛ ما سيجعل لغتنا العربية غريبة في أوطانها بعد أن تصبح لغة درجة ثانية أو ثالثة، وفي هذا ضربة في مقتل لهوية أبنائنا وانتمائهم العربي، وسيخلق ذلك أجيالاً متصارعة في ظل أوضاع طبقية وعنصرية تعليمية واجتماعية؛ مما يهدد الأمن والسلم المجتمعي.
اليابان تمنع طلابها من تعلم لغة أجنبية قبل سن 12 عاماً
كيف ترون تجربة الكيان الصهيوني في هذا الإطار، في ظل مخططاته التدميرية على أرضي فلسطين ولبنان؟
– لا شك في أن الإحساس القومي للأجيال «الإسرائيلية» التي تدرس كل العلوم باللغة العبرية من الحضانة للجامعة يمنحهم حساً قومياً قوياً وانتماء كبيراً لدولتهم سواء العلمانية أو الدينية -رغم الصراع بين التيارين- إلا أن العبرية قاسم مشترك لدى الجميع رغم أنها كانت لغة ميتة وتم إحياؤها بإرادة أبنائها، ومن المحزن أن يكون للكيان الصهيوني الذي يدرس لأبنائه العلوم بلغته العبرية 3 جامعات مصنفة ضمن أفضل 500 جامعة عالمياً، بينما عجزت الكثير من جامعاتنا العربية- التي تصر على التدريس باللغات الأجنبية وتهميش العربية- عن أن تكون ضمن التصنيف الدولي، ويزيد الطين بلة أن في كثير من دولنا العربية تفخر الأسر بأن أبناءها يجيدون العديد من اللغات الأجنبية ولا يستطيعون التحدث بالعربية السليمة.
كيف يمكن إنقاذ أبنائنا الذين تربوا على اللغات الأجنبية؟
– الحل الأكثر فاعلية يتمثل في صدور قرارات سياسية من الحكام ومسؤولي التعليم والمؤسسات الدينية، وأن تكون هذه القرارات نابعة من إرادة سياسية حقيقية في تعريب حياتنا كلها، ثم التواصل مع العالم بعد أن يتم إجادة أطفالنا للغتهم القومية، وأن تكون هذه القرارات ملزمة، وكفانا تسويفاً؛ لأن الوضع خطير جداً، بعد أن باتت لافتات عناوين المحلات والشركات والفنادق وغيرها باللغة الإنجليزية.
الغالبية العظمي من براءات الاختراع من دول تدرس العلوم بلغتها
كذلك علينا كمؤسسات تربوية وتعليمية وإعلامية أن نتخلص من عقدة النقص والتبعية والانبهار والتقليد الأعمى لغير المسلمين، وهذا ما حذرنا منه ابن خلدون في الفصل الثالث والعشرين من «مقدمته» حيث قال: «المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده».
وأقول لدعاة التغريب والتبعية: تأملوا الغالبية العظمي من براءات الاختراع العالمية ستجدونها في الدول التي تحرص على التعليم بلغتها، طبقاً لبيانات للمنظمة العالمية للملكية الفكرية التابعة للأمم المتحدة، جاءت وفق الآتي: الصين -بأكثر من ثلث البراءات- تليها الولايات المتحدة واليابان كوريا وألمانيا والمملكة المتحدة، وأتساءل: ماذا يفعل عبدة التدريس بالإنجليزية عندما تصبح -قريباً جداً- اللغة الصينية هي لغة العلم الأولى؟