يجب أن يبث أدب الطفل القيم الأخلاقية والمضامين التربوية
على المهتمين بأدب الأطفال مدارسة ما جاء في سورة «لقمان»
من الضروري الحذر مما يهدد انتماء الطفل المسلم لأمته ولغته
ما بين الأصالة والحداثة، يواجه الطفل العربي سيلاً من الأعمال الكرتونية والألعاب الإلكترونية، التي تحمل مضامين سلبية، تؤثر في المجمل على طبيعة شخصيته ونشأته منذ الطفولة، في اتجاه قد نحصد معه ما لا يحمد عقباه، من تمييع في الهوية، وانسلاخ من القيم، وانبهار بكل ما هو غربي وحداثي.
أدب الأطفال، مضامينه، ما له وما عليه، وكيفية إسهامه في بناء شخصية تؤمن بدينها ووطنها وهويتها، وغير ذلك من قضايا، كانت محور لقاء «المجتمع» مع د. علي عبدالوهاب مطاوع، أستاذ ورئيس قسم الأدب والنقد في كلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر، أحد كبار المهتمين بأدب الأطفال تأليفًا ونقدًا على المستوى العربي.
متى بدأت علاقتكم بأدب الأطفال؟
– قدر الله لي أن أُلِمّ بالكثير من الإبداع العربي الذي يقدم اليوم للطفل العربي في كثير من الأرض العربية، وبخاصة ما يُدرس له في باب «أدب الطفل وثقافته»، وذلك بعد أن أسند لي تدريس مادة «أدب الأطفال» في جامعة حائل بالمملكة العربية السعودية، بداية من العام 1429هـ/ 2008م، وكنت حريصًا وأنا أقف على العتبات الأولى للدّرس الأدبي الطفولي على التفاعل والاندماج والمعايشة مع ما يقدم للطفل العربي في مرحلة التعليم الابتدائي في وطننا العربي من إبداع أدبي، متنوع الرؤى والأفكار، والمضامين والأشكال، والوقوف على طبيعة هذا الإبداع، وثراء ونضج وسمو تجاربه التي يتلقاها النشءُ في هذه المرحلة الحرجة من العمر، التي يحتاج فيها الطفل أشد ما يحتاجه إلى رعاية فكرية وتربوية ونفسية، تسعد روحه ووجدانه أكثر من احتياجه إلى الأمومة الحانية والرعاية الاجتماعية العادلة.
تهمل كثير من الأسر الاهتمام بأطفالها وتتركهم للخادمات والأجهزة الإلكترونية، فكيف ترى طبيعة وخطورة هذه المرحلة وحاجتها لأدب يحمي أطفالنا؟
– معلوم أن هذه السن من أهم مراحل الحياة الإنسانية، بل تُعد من أخطر مراحل الإنسان وأهميتها، حيث تتميز عن غيرها بصفات وخصائص واستعدادات، وهي أساس لمراحل الحياة المقبلة، وأسمى من ذلك أن فيها جذور منابت التفتح الإنساني؛ ففيها تتفتق مواهبه، وتبرز مؤهلاته، وتنمو مداركه، وتظهر مشاعره، وتتبين إحساساته واتجاهاته نحو الخير والشر، وفيها تأخذ شخصيته بالبناء والتكوين، لتصبح فيما بعد متميزة عن غيرها من الشخصيات، ولا يتأتى ذلك إلا بالتربية الحقة والصحيحة للطفل، التي تهدف إلى الأخذ بيد النشء إلى أفضل الطرق لتنميتهم جسدياً وعاطفياً وعقلياً واجتماعياً، ومعرفة ومهارة، بداية من الأسرة؛ الأم على وجه الخصوص.
يولد الطفل صفحة بيضاء يخطها الوالدان، فما أهم ما يجب على الأسرة أن تخطه في أطفالها؟
– تتفق الأبحاث العلمية على أن الطفل أرض صالحة للاستنبات، فكل ما يغرس فيها من مكارم الأخلاق ومحاسن الصفات، وكل ما يبذر فيها من بذور الشر والفساد أو الغي أو الضلال يؤتي أكله في مستقبل حياة الطفل، ولذلك فهو يكتسب من بيئته العادات السارة والضارة، ويأخذ السبل المستقيمة، أو المنحرفة؛ مما يجعلنا نقف أمام تنشئته وقفات طويلة لرسم خطى التربية السليمة لحياة سوية يعلم من خلالها كيف يعيش المشاعر الصادقة، كيف يسكن الجمال من حوله ويتذوقه، كيف يكون سعيدًا في مجتمعه، وهو ما تنبّه إليه الفيلسوف جان جاك روسو وهو يرسم خطى الفكر السليم والحياة السوية، والمشاعر الصادقة للأطفال؛ الغاية الرئيسة، والغرض الأساسي من تربية الطفل، وذلك في معرض حديثه عن طفله، حيث يقول: «إن الغرض الأساسي من تربيته هو أن أعلمه كيف يشعر، ويحب الجمال في أشكاله، وأن أرسّخ عواطفه وأذواقه، وأن أمنع شهواته من النزول إلى الخبيث والمرذول، فإذا تم ذلك، وجد طريقه إلى السعادة مُمَهّدًا».
ما أهم المضامين التي يجب أن يحتويها أدب الطفل؟
– يجب أن يتضمن أدب الطفل العربي إبداعات تناسب عالم الطفولة وواقعها، وما يتطلبه هذا الواقع من بث للقيم الأخلاقية والمضامين التربوية، في رعايته وتربيته، تنشئة وتعليمًا واهتمامًا بكل شؤونه الفكرية، والعلمية، والمعرفية والخيالية والقيمية والانطباعية والسلوكية، وليس هذا ترفًا، بل أصبح اتجاها واضحًا، وهدفا بارزًا من أهداف الكثير من مؤسساتنا التربوية والأكاديمية والإعلامية في وطننا العربي علي امتداد خارطته الثقافية، وأصبحت للطفل العربي ثقافته الخاصة به، ومراكزه الدراسية، ومجالسه القومية، والعالمية التي تقوم على رعايته والتخطيط لحياته المستقبلية، بتقديم الأفكار المختلفة التي تربطه بعصره وبتراثه وبوطنه، ومن قبل بعقيدته التي تحقق له المعايشة مع المجتمعات من حوله، والتطورات الحديثة في التربية والتعليم والتمازج الحضاري.
ما رؤيتكم لما يتم تقديمه اليوم من أدب للأطفال؟
– رغم أن ما يُكتب للأطفال اليوم من أدب هو إبداع عربي تربوي أصيل، لكنه يحتاج إلى وعي وإدراك أكثر من كُتّابه، واهتمامهم بتقديم أشكال ذات مضامين عميقة تُقوّي ذاكرته، وتفكّ عثرة لسانه اللغوية، ومن قبل ومن بعد تُشرّبه روح الإيمان صغيرًا ليشبّ عليها كبيرًا، وذلك في عصر بُهِر الجميع فيه بالحضارة المادية على حساب الغذاء الروحي للوجدان، ولا عذر لمن يكتب أو يهتم بأدب الطفل أو تنشئته وقصّر فيما يكتب، فتراث الأمة الذي يخص الطفل من حوله كثير مُيسّر.
يجب تدريب الطفل منذ بداية حياته في الأسرة والمدرسة على حرية التعبير والرأي والمشاركة باتباع أسلوب الحوار كأحد الأسس التعليمية والمهمة لصقل قدرات الأطفال وفقاً للأسس التعليمية والتربوية الحديثة، والثقافة العربية الأصيلة التي تعكس قيم العصر الذي نحياه، وروح وأحاسيس الطفل، وقدراته على الفهم والتمييز والخيال، من خلال ما يقدم له من أدب طفولي يمثل وسيلة رئيسة إيجابية فاعلة؛ من وسائل تكوين العقيدة الدينية الصحيحة في نفس الطفل.
نريد نموذجًا عمليًا للاهتمام بالتربية وأدب الطفل قديمًا يمكن الاستفادة منه حاليًا؟
– لعل أعظم مثال لذلك ما فعل بنو هاشم برسولنا صلى الله عليه وسلم حينما أرسلوه إلى البادية في مطلع حياته –شأن أطفال العرب آنذاك- ليتشبع بقيمها وعاداتها، وأسس حياتها، وينهل من مشارب فصاحتها وبلاغتها، ويتلقى فيها قيم الصبر، والشجاعة والجرأة، ويتلقى اللغة صافية من الشوائب واللكنات والتحريف، فالبادية كانت أول مدرسة يتلقى فيها الطفل ما يفيده نفسيًا، وبدنيًا، وعقليًا، واجتماعيًا، ويعود الطفل من بعثته تلك في البادية، حسب تعبير د. نجيب الكيلاني، بعد أن يكون قد تعلم على أصولها، وحفظ قَدْرًا من أشعارها، وقصصها، ومغازيها، وتسلح بالكثير من قيمها، وتقاليدها، وأنسابها.
كيف يمكن خلط هذه الآداب القديمة والمعاصرة بأسس التنشئة التربوية الإسلامية في إطار أدب جميل للأطفال؟
– يمكن للمهتمين بأدب الأطفال الاستفادة مما جاء في سورة «لقمان» من قول الله تعالى، على لسان لقمان وهو يؤدب ابنه بأدب علوي إلهي، إنها ثقافة سامية، راقية، حانية، وأدب رفيع، رقيق، شفيف، وتربية وجدانية روحانية تنتج للمجتمع شخصية إسلامية متكاملة تصنع الحياة الآمنة، وتقيم المجتمعات المؤمنة السوية، وتزدان بها الأمم وتسمو، تصديقاً لكلام الله: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) (الكهف: 46)، يضاف لذلك آثار عظيمة جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه، والسلف الصالح، وكل من سلك هذا الطريق التربوي المميز، جاءت كلها لتؤصل منهجاً تربوياً خالداً يقدم صورة مثلي لأطفالنا عبر العصور، لتقديم الأنموذج الأخلاقي الرائد لطفل الإسلام.
كيف نقدم أدبًا إسلاميًا للأطفال في مواجهة التحديات العالمية؟
– يجب أن يدرك من يكتبون أدب الطفل ما يُهدّدُ انتماء الطفل المسلم لأمّته وأهله ولُغته، وخطورة ارتباط الطفل العربي بشخصيات وبطولات أجنبية مثل: «توم أند جيري»، و«ميكي ماوس»، و«سوبر مان»، وغيرها مِمّا يُصَدّره الآخر للمجتمعات المسلمة، ونُقبل عليه دون وعي أو إدراك للخطر العظيم الذي أطلق عليه «حضارة التسلية القاتلة»!
نحن اليوم نريدُ أدبًا طفوليًا يخط في شكله ومضمونه طريق النجاح الحقيقي، حيث إجلال العقيدة والأخلاق، وحب العلم والمعرفة، وعشق الوطن، وتقدير رجالاته، وما نراه اليوم من إبداع طفولي حرصت على تدوينه في عملي «الأدب الإسلامي.. حتى لا ننسى»، لو تلقّاه النشء، بعد توشيته بالقيم الفنية والأخلاقية والوطنية، في مراحل تعليمه الأولى بمدارسنا، لتشبّع برؤى تعليمية وتربوية سامية؛ لو توافر لهذا الإبداع معلم غيور على مجتمعه وبنيه، معلم يؤمن بضرورة تكوين الطفل تكويناً تربوياً، ونفسياً، وفكرياً، واجتماعياً.