يوماً بعد يوم، تتصاعد الحملة الغربية الصهيونية على العمل الخيري الإسلامي محاولة الإطباق عليه وحصاره وتجفيف منابعه تحت شعارات ظالمة تروج لمزاعم عن علاقته بالتطرف والإرهاب.
وتستخدم تلك الحملة الخبيثة الماكرة في حربها على العمل الخيري كل الأدوات والآليات الممكنة، متخفية تحت شعارات الأمم المتحدة حتى لا تنسب إلى دولة بعينها وتبدو في الوقت نفسه متسقة مع ما يسمى بالشرعية الدولية.
وتمارس تلك الحملة ضغوطاً على دول إسلامية لتجميد أرصدة العمل الخيري المنطلق منها، وتتعرض دولة الكويت لجانب من هذه الضغوط.
وإذا كانت بريطانيا قد رفضت تجميد أرصدة جمعيات خيرية إسلامية على أراضيها احتراماً للقوانين التي تمنع ذلك فإننا نشير هنا إلى أن القانون الكويتي لا يسمح أيضاً بذلك وإننا نثق في احترام الحكومة للقانون والدستور وعدم الانسياق وراء تلك الضغوط، أما إن كانت هناك اتهامات محددة فإن جهات التحقيقات المحلية قادرة على بيان حقيقتها وإثباتها أو نفيها إننا لا نمل من التأكيد على أن الهدف من الحملة الدائرة على العمل الخيري جلي واضح وهو تشويه الوجه الإنساني المشرق للعمل الخيري، ومحاولة إبرازه في صورة مخيفة مرعبة محرضة العالم على القضاء عليه وتجفيف منابعه. والحقيقة أن ذلك زور وبهتان وهو لا يعدو أن يكون فاصلاً من الحرب الشاملة الدائرة على الإسلام والعمل الإسلامي والمسلمين.
وفيما يتعلق بالعمل الخيري والمؤسسات الخيرية الإسلامية يجدر بنا أن نسوق الحقائق التالية لتكون تحت بصر وبصيرة كل من ينشد الحقيقة:
أولاً: إن العمل الخيري في الإسلام ولدى المؤمنين بالله رباً وبالإسلام دينا وبمحمد نبياً ورسولاً ينطلق من منطلقات إيمانية ويتدفق من ينابيع إسلامية صافية ويهدف إلى مرضاة الله سبحانه وتعالى أولًا وأخيراً، كونه فريضة فرضها الله في أموال الأغنياء للفقراء والمساكين والمحتاجين والأرامل وبقية مصارف الزكاة المعروفة ويسهم في بناء الأمة ويحافظ على بنيانها بإعانة الفقير وإغاثة الملهوف ونجدة الرازحين تحت طواحين الكوارث والمحن.
وهو يمثل إحدى الأدوات الإيمانية الفعالة لإشاعة فضيلة التكافل والتكاتف بين أبناء الأمة حتى يظلوا جسداً واحداً إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر فالعمل الخيري جزء من رسالة الإسلام العالمية والخيرية جزء من عقيدة الفرد المسلم والأسرة المسلمة والمجتمع المسلم، وهي خيرية يسعى المسلمون لإيصالها للبشرية جمعاء.
ثانياً: إن حديث الإفك الدائر منذ فترة ليست بالقليلة والمنطلق من الدوائر الغربية والصهيونية والذي يجد له صدى عند نفر من مرضى القلوب بين ظهرانينا عن علاقة بين العمل الخيري والإرهاب هو محض افتراء واختلاق تلك الدوائر الحاقدة على الإسلام والدليل على ذلك أن هؤلاء لم يقدموا دليلاً مادياً واحداً على مزاعمهم، فالثابت أن العمل الخيري الإسلامي لم يقدم دولاراً واحداً للعنف والإرهاب وأن أموال العمل الخيري خاضعة لتدقيق أكبر المكاتب المحاسبية في العالم.
والثابت أيضاً على أرض الواقع أن العمل الخيري إنما يعين الأفراد والشعوب على نوائب الدهر ويحارب الفقر والجهل والمرض ذلك الثلاثي الخطير الذي زرعه الاستعمار في بلادنا، وهو بذلك -أي العمل الخيري- يسهم في حل الأزمات وإشاعة الاستقرار ومساعدة خطط التنمية في المجتمعات وهو لا شك إسهام كبير في قطع الطريق على ظواهر التمرد والعنف والتطرف في تلك المجتمعات وفي التحليل الأخير فإنه يسهم في السلم والاستقرار العالميين.
مساهمة في دفع حالة الفقر والعوز التي تجتاح العالم وهو ما جعل منها عضواً بارزاً في دعم عجلة التنمية في العديد من دول العالم.
ثالثاً: إن تجربة العمل الخيري الإسلامي عامة والعمل الخيري في منطقة الخليج والكويت خاصة هي تجربة ناصعة ومشرقة تدعو كل مسلم في هذه البلاد لأن يشعر بالفخر أمام الإنجازات الإنسانية التي انتشرت في وقت قياسي في قارات العالم مساهمة في دفع حالة الفقر والعوز التي تجتاح العالم وهو ما جعل منها عضواً بارزاً في دعم عجلة التنمية في العديد من دول العالم.
وإذا توقفنا قليلاً أمام العمل الخيري الكويتي فإن الواقع يشهد أن له جذوراً عميقة في تلك الأرض، فهو تراث الأجداد وإنجازات الآباء وتطلعات الأجيال وهو قبل ذلك مفخرة لكل كويتي وهو الذي وقى الكويت -بفضل الله- كيد الكائدين وعدوان المعتدين وللعمل الخيري الكويتي ظلال وارفة ظللت الأرض الكويتية وامتدت بنسماتها إلى ربوع الدنيا كسفير خير ونور مضيئة باسم الكويت في أماكن متفرقة من العالم.
ففي داخل الكويت يكفي أن نشير إلى أن صندوق إعانة المرضى الذي تتركز 85% من أعماله داخل الكويت يقدم خدماته لأكثر من ستة آلاف حالة مرضية سنوياً وقد أنشأ 16 نادياً للأطفال في المستشفيات.
وقد وفرت الجمعيات الخيرية التعليم داخل الكويت لآلاف الطلاب من خلال مدارس خيرية لا ربحية وتوزع معونات شهرية مقطوعة لأكثر من 50 ألف حالة.
أما على المستوى العربي والإسلامي فتكفي شهادة المسؤولين الكبار في الكويت الذين أشادوا بالعمل الخيري وأعربوا عن سعادتهم بأنهم في كل مكان يزورونه يطل عليهم العمل الخيري بمنشاته ومؤسساته الداعمة للأقطار الإسلامية الفقيرة من رعاية مئات الآلاف من الأيتام وبناء الآلاف من المساجد والمدارس ودور العلم ومؤسسات الرعاية الصحية وكفالة الأرامل والمحتاجين وعلاج المرضى وكفالة الطلاب.. إلخ، تلك هي صفحة العمل الخيري الإسلامي، ناصعة بيضاء تسهم في خير الإنسانية وانتشال الناس من بين أنياب الفقر والجهل والمرض وهو ما كان يستحق الثناء والتقدير والاحترام من رافعي شعارات العدالة وحقوق الإنسان لكن العكس هو الذي يحدث.. حرب ضروس للقضاء عليه، بينما تترك المؤسسات المسيحية واليهودية تعمل بحرية تحت حماية النظام الدولي، بالرغم من خروج كثير منها عن خط العمل الخيري الإنساني وتكريس عملها في العدوان على المسلمين، فهناك جمعيات يهودية تجمع التبرعات وتقدم التمويل للمنظمات الصهيونية الإرهابية التي تسعى لهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم، وهناك منظمات يهودية ونصرانية تجوب العالم لجمع التبرعات وتقديمها لشارون ليواصل عدوانه على الشعب الفلسطيني، بل إن تكاليف المشاريع التي أقامتها المنظمات التطوعية التي لا تسعى للربح في الكيان الصهيوني خلال عام 1995م وحده بلغت 11 مليار دولار.
ومن هنا، فإننا نناشد الحكومات العربية والإسلامية عدم الرضوخ لتلك الضغوط والوقوف وقفة صادقة لله لحماية ذلك العمل الجليل، فسقوط العمل الخيري بمؤسساته يمثل سقوطاً للسيادة على أراضينا والقضاء على العمل الخيري يعني ترك مئات الآلاف من الأسر دون إغاثة، مما يفسح المجال ليخرج من بينها اللص والمتطرف والإرهابي.
وإن كان هناك أي استشعار لمخالفات فلتقم الجهات المحلية المختصة بالتقصي عن ذلك والوقوف على حقيقتها ضمن إطار السيادة الوطنية.
إننا نقولها بصراحة: إن الرضوخ اليوم لضغوط حرب العمل الخيري هو مقدمة لضغوط أخرى وحملات تالية تسعى لنقض عرى الإسلام عروة عروة، وهنا تكون الطامة ويكون الحساب من الله عسيراً يوم يقوم الناس لرب العالمين(1).
______________________
(1) منشور في العدد (1574)، 29 شعبان 1424هـ/ 25 أكتوبر 2003م.