لقاء الرئيسين باراك أوباما وعبدالفتاح السيسى كان مثمرا وايجابيا، من حيث إنه أعاد الدفء إلى علاقات البلدين خلال مائة دقيقة. إذ خلالها تم التفاهم حول العلاقات الاستراتيجية كما تم التفاعل بين الرئيسين على المستوى الشخصى.
لقاء الرئيسين باراك أوباما وعبدالفتاح السيسى كان مثمرا وايجابيا، من حيث إنه أعاد الدفء إلى علاقات البلدين خلال مائة دقيقة. إذ خلالها تم التفاهم حول العلاقات الاستراتيجية كما تم التفاعل بين الرئيسين على المستوى الشخصى.
هذه الخلاصة المحتشمة كانت أبرز ما وصف به اللقاء الذى تم فى نيويورك كما عبر عنه البيان المصرى والتصريحات الأمريكية. ولأن الأمر كذلك فإن الصحف التى صدرت أمس لم تجد عنوانا مثيرا فى المعلومات التى خرجت عن اللقاء، وانما تحدثت عنه بدرجة مماثلة من الاحتشام، فى حين قدمت عليه بعضها خبر عودة الرئيس السيسى إلى القاهرة، وأبرزت جريدة «الشروق» فى عنوانها الرئيسى خبر لقاء الرئيس مع طلاب الجامعات على لقائه مع أوباما.
أما جريدة «المصرى اليوم» فقد اعتبرته خبرا من الدرجة الثانية وركز عنوان صفحتها الأولى على خبر تنفيذ «المثلث الذهبى»، باعتباره أحد المشروعات العملاقة المزمع تنفيذها فى مصر.
التغطية الإعلامية الهادئة للقاء تعد منعطفا ونقلة فى معالجة الخطاب الإعلامى المصرى للشأن الأمريكى. إذ لا ينسى أنه خلال العام الأخير ظل الإعلام المصرى يتحدث عن التجاذب والخصام بين القاهرة وواشنطن، و«الصفعة» التى وجهتها مصر إلى الولايات المتحدة بالزيارة التى قام بها السيسى لموسكو. أما تسريبات المصادر السيادية عن مسلسل تآمر المخابرات المركزية الأمريكية ضد مصر فقد ظلت حلقاته تبث طول الوقت. سواء تم ذلك التآمر مع التنظيم الدولى للإخوان أو بالتعاون مع دول أخرى فى المنطقة، تركيا وقطر وإسرائيل فى المقدمة منها، ولم تخل تلك التسريبات من الإشارة إلى اختراق من جانب الإخوان للدائرة المحيطة بأوباما، وعن علاقة شقيق الرئيس الأمريكى بالتنظيم الدولى والقاعدة …إلخ.
القارئ البرئ وحسن النية إذا كان لايزال يذكر سيل الروايات التى تحدثت عن مؤامرات المخابرات المركزية ربما توقع شيئا آخر فى اللقاء، ربما خطر له مثلا ان الرئيس السيسى ان لم يشر إلى كل ذلك بصورة غير مباشرة. فإنه على الأقل سوف يضع بين يدى الرئيس الأمريكى ملفا بالأدلة التى جمعتها المصادر السيادية ورصدت بها مسلسل التآمر الأمريكى على النظام القائم فى مصر.. لكن ذلك لم يحدث فيما بدا، الأمر الذى يثير العديد من الأسئلة عن مدى صحة المعلومات التى جرى الترويج لها طول الوقت.
لم تتوفر لدينا أى معلومات فى هذا الصدد، وكل الذى فهمناه ان الدفء عاد إلى علاقات البلدين خلال المائة دقيقة التى استغرقها اللقاء، ورغم وجود 55 إعلاميا رافقوا الرئيس فى رحلته فإن أحدا منهم لم يذهب فى تغطيته للرحلة إلى أبعد من حدود البيانات والتصريحات التى خرجت من المصادر الرسمية عن اللقاءات والاجتماعات التى تمت. وقد استوقفنى فى هذا الصدد ما أبرزته جريدة «الوطن» عن اللقاء القصير الذى تم بين الرئيس المصرى وأمير قطر الشيخ حمد تميم آل ثان. ذلك ان الجريدة أبرزت ضمن عناوين صفحتها الأولى يوم 26/9 قول الرئيس السيسى فى لقائه مع الوفد الإعلامى المصرى إن أمير قطر صافحنى وأبلغته اعتذارى عن إساءات بعض وسائل الإعلام (المصرية بطبيعة الحال) إلى والدته، ولم أناقش معه أى خلافات
ما يعنينى فى الموضوع ان وفدا إعلاميا كبيرا شهد دورة الجمعية العامة، وضم 55 شخصا بينهم رؤساء تحرير وإعلاميون بارزون (لا نعرف كم تكلفت رحلتهم ولا من دفع نفقات السفر والإقامة فى الفنادق)، هؤلاء أمضوا خمسة أيام هناك، دون ان نفهم منهم ما الذى حدث فى قمة المناخ على خطورتها، ولا ماذا دار فى كواليس المنظمة الدولية، ولا حقيقة ما جرى فى اجتماعات الرئيس السيسى مع الزعماء والشخصيات السياسية التى التقاها. وانحصرت مهمة هؤلاء فى تسجيل ما قاله الرئيس ورصد تحركاته ولقاءاته. وأبلغنا أحدهم فى تحليل له ان السيسى غير وجه مصر أمام العالم فى 17 دقيقة (خلال الكلمة التى ألقاها). وقال آخر إن مصر قبل المشاركة فى اجتماعات الجمعية العامة اختلفت عن مصر بعدها. وعلمنا مما كتبه ثالث انه بعد اللقاءات التى عقدها الرئيس فإن بعض الزعماء قالوا انهم بدأوا يفهمون ما جرى فى مصر، وأن منهم من عبر عن اعتذاره لأنه أساء الفهم فى السابق. وذهب أحد الفنانين إلى القول بأن هذه الدورة للجمعية العامة تستحق ان توصف بأنها «دورة السيسى»…الخ.
لا استنكر شيئا من كل ذلك، ولا استبعد ان يكون بعضه أو كله صحيحا. لكن أحدا لم يشرح لنا شيئا دلل به على صحة ما قاله، إذ شئت فقل اننا سمعنا أحكاما بغير حيثيات، وان الذين أطلقوا تلك الأحكام والتقييمات أرادوا أن يسمعوا أصواتهم لغيرنا، ولم يكترثوا بإقناعنا. وكانت النتيجة اننا علمنا ولم نفهم. وقد وجدت صدى لتلك الفكرة فيما نشرته صحيفة «المصرى اليوم» (عدد 26/9) فى الزاوية التى تحمل توقيع «نيوتن»، وذكر فيها كاتبها أنه «بقدرة قادر حولت الفضائيات المحلية المصرية الحدث من خلال برامج التوك شو إلى مولد شعبى فى طنطا أو دسوق أو قنا، على غرار مولد سيدى السيد البدوى أو إبراهيم الدسوقى أو عبدالرحيم القنائى. (حتى) أصبحنا بلا مبالغة أمام مولد سيدى عبدالفتاح السيسى».
لقد انتقد الكاتب بشدة أداء الإعلام المصرى فى هذه التجربة، وأخذ عليه لجوءه إلى التسطيح والمجاملة والتهليل، والبعد عن العمق وتغييب التحليل، واعتبر ذلك تجسيدا للأزمة التى يمر بها. من عندى أضيف أن المهرجان الإعلامى كان مقصودا وله أسبابه المفهومة، لكنه جاء تكريسا للشعار القديم «السياسة فى الرئاسة» وهو ما تمنينا له أن يختلف بعد الثورة.
الشروق