شهدت المملكة المغربية على مدار العام 2014 الذي أوشك على الرحيل عددا من الأحداث التي طغت على الساحة السياسية والاجتماعية والاقتصادية بوجه عام وكان لها بالغ الأثر لدى المواطنين
شهدت المملكة المغربية على مدار العام 2014 الذي أوشك على الرحيل عددا من الأحداث التي طغت على الساحة السياسية والاجتماعية والاقتصادية بوجه عام وكان لها بالغ الأثر لدى المواطنين.
وكان من أهم هذه الأحداث وفاة سياسيين بارزين بشكل مفاجئ، وظهور البنوك الإسلامية بعد مخاض دام لسنوات، وفيضانات غير مسبوقة بالجنوب المغربي خلفت عشرات الضحايا وخسائر كبيرة في البنية التحتية، ورفع الحكومة دعمها للمحروقات بشكل كلي، وتنامي النقاش حول تفعيل دستور 2011 لاسيما ما يخص ربط المسئولية بالمحاسبة.
وفاة “الحكيم”
يجمع عدد من الخبراء والمراقبين للشأن المغربي أن وفاة وزير الدولة عبد الله بها، المنتمي لحزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية الذي يقود الحكومة الحالية، في حادثة دهس بالقطار في دجنبر 2014، تعتبر أهم حدث مؤلم وقع بالمغرب هذه العام، إذ شكل هذا الحدث المفاجئ صدمة كبيرة ليس فقط وسط عائلته ومناضلي حزبه، بل لدى جميع الفرقاء السياسيين وقطاع عريض من الشعب المغربي وترجم ذلك في الاهتمام الإعلامي الواسع للوفاة وبحضور جماهيري للجنازة التي أقيمت بالعاصمة الرباط.
وفاة الوزير بها والذي وصفته كل وسائل الإعلام الوطنية بـ”الحكيم” شكل صدمة أكبر لدى رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران على اعتبار أن الرجلين قادا مسيرة مشتركة من النضال الدعوي والسياسي دامت لأكثر من 30 عاما، وكانا لا يفترقان حتى وصف أحدهما للآخر بتوأم روحه.
وكان الوزير باها محل إجماع داخل حركة التوحيد والإصلاح المغربية بصفته قياديا بارزا بها وأحد مؤسسيها الأوائل، وداخل الأمانة العامة لحزبه، ولكن أيضا كان قادرا على إبداع الحلول داخل مجلس الحكومة على حد تعبير العديد من الوزراء، بل أنه وصف بـ”مهندس” الوصفة المغربية في دفع عجلة الديمقراطية نحو الأمام بتبنيه ودفاعه المستميت عن شعار ما سمي بـ”التغيير في ظل الاستقرار”، والذي يخالف ما ذهبت إليه الشعارات الثورية التي رفعت في عدد من الدول العربية إبان الربيع العربي.
لكن الغريب في الأمر أن موت الوزير عبد الله باها وقع في قنطرة بمدينة بوزنيقة بين الرباط والدار البيضاء، وهو يتفقد مكان موت البرلماني الاشتراكي المعارض أحمد الزايدي، والذي توفي في حادثة سير بعد غرق سيارته بعد فيضان أحد الأودية، وهو ما اعتبر حينما أيضا كارثة وطنية لما عرف على الرجل من استقامة ونضج سياسي ورفضه لكل مظاهر الابتذال والفساد.
الفيضانات
وشهد الجنوب المغربي، خاصة أقاليم كلميم وسيدي أفني وطاطا والحوز وغيرها، والمعروف بجوه الحار وندرة سقوط الأمطار، وفاة عدد من المواطنين غرقا بسبب فيضان الأودية التي ارتفع منسوبها بشكل مفاجئ نتيجة هطول الأمطار بغزارة.
وبقدر ما اهتمت وسائل الإعلام بهذا الحدث المؤلم والذي استمر الحديث عنه لأيام، بقدر ما كشف عن تضامن شعبي كبير، حيث نظمت العديد من القوافل الإنسانية من قبل الجمعيات المدنية، لمساعدة السلطات المحلية في عملية إغاثة المنكوبين، كما أطلقت الحكومة برنامجا واعدا يسمى “رعاية” لضمان تطبيب المواطنين المتضررين بشكل فعال وسريع.
دستور وانتخابات
وعلى مستوى تفعيل دستور 2011، والذي صوت عليه المغاربة في خضم أحداث الربيع العربي، ارتفعت الأصوات هذه العام أكثر من أجل تفعيل أحد المبادئ الأساسية التي جاء بها هذا الدستور، وهي ربط المسئولية بالمحاسبة. وتجلى ذلك بقوة بعد حادثة مشاهدة الملايين من المتفرجين عبر العالم لـ”غرق” المركب الرياضي مولاي عبد الله بالرباط بمياه الأمطار خلال لقاء كرة القدم ببطولة العالم للأندية في دجنبر 2014 ، وهو ما اعتبر تشويها لصورة المغرب في الخارج، وإهدار كبير للمال العام بعد صرف ملايين الدراهم على إصلاح المركب، والنتيجة هو تعليق أنشطة الوزير وفتح تحقيق حكومي.
ومن المنتظر أن تشهد المملكة المغربية عام 2015 لأول مرة تحت راية الدستور الجديد سلسلة من الانتخابات ستؤدي ولأول مرة أيضا إلى تطبيق ما يعرف بـ”الجهوية الموسعة” والتي تعطي لرؤساء الجهات وهي مناطق جغرافية محددة صلاحيات واسعة.
وتبدأ هذه الاستحقاقات التي تقرر أن يشرف عليها رئيس الحكومة بعد جدل طويل، بالانتخابات الجماعية التي تخول تسيير المدن والجماعات المحلية، وتنتهي بانتخاب أعضاء الغرف المعنية والغرفة الثانية في البرلمان المغربي، وكلها انتخابات ستعرف منافسات حادة بين أحزاب الأغلبية والمعارضة، حيث ستعتمد الأولى على رصيدها الشعبي وقراراتها الجريئة في ما تسميه الإصلاح التدريجي والاهتمام بالفئات الأكثر هشاشة، والمعارضة ستعتمد على “خبو” الحماس الشعبي بعد تجارب الربيع العربي وعلى تحالف متحمل بين أقطابها الكبرى.
وارتباطا بالمجال الرياضي، شكل رفض المغرب تنظيم كأس الأمم الإفريقية لكرة القدم في موعده المحدد بسبب المخاوف من وباء “إيبولا” حسب توصيات منظمة الصحة العالمية، حدثا أثار الكثير من الجدل وسط الشعب المغربي خاصة الرياضي منه، لكن أغلب الآراء في النهاية أيدت القرار الحكومي على اعتبار أن صحة المغاربة فوق كل اعتبار.
اقتصاد وبنوك إسلامية
وفي مجال التشريع، عرف عام 2014 نهاية مخاض طويل بدأ قبل سنوات من أجل إخراج البنوك الإسلامية إلى حيز الوجود، مخاض تضاربت فيه المصالح الاقتصادية، وكان للحكومة الحالية الشجاعة في تسريع وتيرة المصادقة على قوانينه المنظمة، حيث أعلن رسميا عن المصادقة عن هذه البنوك في البرلمان المغربي. وعلاوة على ذلك كانت المصادقة ولأول مرة على مشاريع تعتبر مهمة للغاية منها على وجه الخصوص مشروع لجنة تقصي الحقائق ومشروع المحكمة الدستورية ومشروع القانون المالي ومشروع الصفقات العمومية ومشروع مقالع الرمال، وكلها مشاريع تسير في تثمين ممارسة الحكومة الجيدة.
وشهدت عام 2014 أيضا، الإعلان عن ربح المغرب لـ26 نقطة في مجال تحسين مناخ الأعمال، و10 نقاط في مجال محاربة الفساد لأول مرة، وحظي ذلك باهتمام واسع.
كما عرفت السنة ذاتها تنظيم المغرب للمنتدى العالمي لحقوق الإنسان والذي كان مناسبة للبلد للانضمام إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وسط ترحيب حقوقي وطني ودولي.
وقررت الحكومة أيضا في العام الحالي رفع الدعم كليا عن المحروقات في إطار إصلاح صندوق المقاصة، واعتماد “المقايسة” بناء على سعر المحروقات في الأسواق الدولية، واعتبر ذلك حدثا هاما وسط المغاربة على اعتبار أنه يرتبط بمستوى معيشة الفرد.
ونتيجة لذلك ارتفعت الأسعار بصورة كبيرة مما أسفر عن استياء أصحاب السيارات والدراجات النارية، لكن هذه الأسعار تراجعت فيما بعد بانخفاض الأسعار على المستوى الدولي.
وقالت الحكومة إن رفع الدعم وفر أكثر من 8 مليار درهم صرفت في مشاريع اجتماعية ولدعم الفئات الأكثر هشاشة بتفعيل عمل عدد من الصناديق الاجتماعية منها صندوق التكافل الاجتماعي وصندوق دعم الأرامل.
المجال السياسي
وخلال العام الجاري أقدمت المغرب على توطيد أواصر العلاقات مع الدول الإفريقية من خلال زيارات الملك محمد السادس وعدد من الوزراء لعدد من الدول وإطلاق عدد من المشاريع المهمة خاصة في المجال الزراعي.
وسعت المغرب كذلك لتعزيز علاقتها مع دول مجلس التعاون الخليجي، زد على ذلك بحثها المستمر على مساندين دوليين جدد في قضية الصحراء المغربية.
وشهد عام 2014، تنظيم نقابات مركزية لإضراب وطني عام يوم 29 أكتوبر بسبب ما اعتبر تعثرا للحوار الاجتماعي بينها وبين الحكومة في سابقة لم تحدث قبل عدة سنوات.
لكن هذا الإضراب الذي ارتبط في عهد سابق بأحداث شغب كبيرة وتخريب الممتلكات العمومية والخاصة، مر في ظروف عادية، ورغم اختلاف إعلانات نسب نجاحه بين النقابات والحكومة، اعتبر مروره بشكل سلس ودون أحداث درامية، فعلا مكسبا كبيرا للمغرب في إطار تكريس الممارسة الديمقراطية وضمان الحريات العامة.