أجرى الحوار: عبدالعالي زواغي
إلى وقت ليس بالبعيد، لم يكن الجزائريون يسمعون عن الشيعة أو يعرفون عنهم إلا النزر اليسير، مما تلوكه التقارير الإعلامية و الأخبار المتواترة من هنا وهناك عن نشاط هذه الطائفة ومعتقداتها، والجرائم التي ترتكبها ميليشياتها المسلحة في بلدان عربية تبعد عنهم بآلاف الكيلومترات، كالعراق وسوريا واليمن ولبنان، قبل أن يستفيقوا خلال السنوات الأخيرة على حقيقة وجود بعض هؤلاء الشيعة من أبناء البلد بين ظهرانيهم، مع كثرة الحديث عنهم وعن معتقداتهم وطقوسهم، في ظل خروجهم للنشاط العلني بعد أن كانوا مجهولين يقبعون في سراديب السرية. فما حقيقتهم؟
وهل فعلاً لهم نفوذ؟ وهل ولاؤهم لدول خارجية كإيران مثلاً؟ وما تأثيرهم على الأمن القومي الجزائري؟
هذه الأسئلة وأخرى، يجيب عنها الكاتب الصحفي والحقوقي “أنور مالك” المهتم بهذا الملف منذ سنوات، وقد نشر له كتاب عرّى من خلاله نشاط هذه الطائفة التي لم يألفها الجزائريون من قبل، وفيما يلي نص الحوار:
كثر الحديث عن وجود مد شيعي ونشاطات حثيثة لنشر التشيع في الجزائر، فما حقيقة ذلك، ومن يقف وراء هذه النشاطات وما إستراتيجيته؟
المد الشيعي في الجزائر يتصاعد، وبلغ درجة مخيفة في السنوات الأخيرة، وبعدما كان الشيعة في الجزائر يمارسون التقية ويخفون تشيّعهم حتى في الأحياء والقرى والمدن التي يسكنون فيها، صاروا يشاركون في الفضائيات ويظهرون للعلن، بل وصل الحد لدرجة ممارسة طقوسهم في حسينيات غير معلنة، ويمارسون الدعوة للتشيّع في الشوارع والمدارس من دون أي تردد.
أتابع أمر المد الشيعي في الجزائر منذ سنوات، وقبل ثلاثة أعوام أحصيت وجود 3 آلاف شيعي نشيط من دون احتساب عوائلهم، كان ذلك في 2010م، وفي 2015م تجاوز عددهم 5 آلاف. يعني في 5 سنوات يكاد عددهم يتضاعف. وهذا بحد ذاته مؤشر كبير على ما وصل إليه حال التشيّع في الجزائر.
هذا المد الشيعي تقف خلفه السفارة الإيرانية والملحق الثقافي تحديداً، والذي ينشط عبر شبكات من شيعة الجزائر ممن ترددوا على إيران والعراق وسوريا من قبل، وصارت لديهم علاقات مع أجهزة مخابرات أجنبية.
أيضاً العالم الذي صار مفتوحاً بفضل الإنترنيت وشبكات التواصل الاجتماعي والفضائيات، ساعد كثيراً على نشر التشيّع، كما أن الجهات الوصية في الجزائر لم تعد تهتم بهذا الأمر، رغم أن له تأثيرات سلبية على الأمن القومي.
بالنسبة لإستراتيجيته فهو كان ينشر التشيّع العقدي، والآن يريد صناعة طائفة شيعية في الجزائر، وقد تواصلت مع بعض الشيعة الجزائريين وصاروا يطالبون بحقهم كأقلية في المعابد وأشياء أخرى سياسية، بل وصل الحال بأحدهم أن طالب الدولة بالاعتراف بما سماه المذهب الشيعي في الجزائر. وكالعادة ستليها لاحقاً محاولات صناعة ميليشيات مسلحة، وإن كانت هذه الأخيرة قد تمت المحاولة فيها من قبل خلال التسعينيات مع تنظيم الجماعة الإسلامية المسلحة “الجيا” ولكن العملية فشلت، ولا يزال مراد إيران في كل بلاد تتمكن فيه من السيطرة على الشيعة.
هل السلطات الجزائرية على علم بتحركات الشيعة، وبعددهم وبالخطر الذي يمكن أن يشكلوه مستقبلاً، خصوصاً إذا كانت لهم ارتباطات بالخارج؟
السلطات الجزائرية لديها معطيات كبيرة بخصوص المد الشيعي، والأجهزة الأمنية تابعت الأمر وأنا شخصياً طالعت بعض التقارير الأمنية التي أعدتها مصالح الأمن حول المتشيّعين ونشاطاتهم وأسمائهم، وطبعاً هذا لا يكفي، فالمتابعة من دون إجراءات ملموسة لا تؤتي أكلها.
أغلبية الشيعة الجزائريين لديهم ارتباطات مع الخارج، وبينهم من يرتبط مع أجهزة المخابرات في إيران أو العراق أو سوريا أو حتى لبنان من خلال تنظيم “حزب الله”، أو عبر المراجع الشيعية المعروفة، وأغلبيتها الساحقة مرتبط بدورها مع إيران وأجهزتها الاستخباراتية والأمنية.
هذا هو الأخطر بالنسبة للمتشيّعين، لأنهم بذلك يتجاوزون أمر الدين وفق منهج ما، وتحوّلوا إلى بيادق في مشروع استخباراتي هدام يستهدف الأمن القومي الجزائري.
أين يتركز النشاط الشيعي في الجزائر تحديداً؟
تمركز المتشيعين في الجزائر نجدها في ولايات الشرق والغرب، أي بالضبط في الولايات الحدودية، وهران، تبسة، عين تموشنت، تلمسان، باتنة، قسنطينة، كما أن العاصمة بدورها تشهد عدداً كبيراً من الشيعة، وأعتقد أن الأمر لم يعد يقتصر على ولاية واحدة، بل يتمدد في كل الولايات وبنسب متفاوتة. لا نقول ذلك مبالغة، بل هي حقيقة ثابتة، حيث إن المتشيّعين ينقسمون إلى درجات، أخطرهم المتشيعون عقدياً، ثم يأتي متشيعون سياسياً، وبعدها عاطفيون تسحرهم المقاومة والممانعة التي ترفعها إيران لمخادعة العوام. وطبعاً إن تواصل السكوت سيصل الحال بالجميع إلى التشيّع العقدي الديني ومنه، يتحوّلون إلى إيرانيين أكثر من الإيرانيين أنفسهم.
ما طبيعة الأشخاص الأكثر استهدافاً من طرف القائمين على بسط التشيع بالبلاد؟
في مرحلة سابقة، كان المخطط يستهدف المعلمين والأساتذة، وهذا من أجل تسهيل نشر أفكارهم بين التلاميذ والطلبة والأجيال الصاعدة، ثم تطور لاحقاً وتوجه نحو الجامعات، وأيضاً دور الشباب والمراكز الثقافية.
الأخطر في كل ذلك هو استهداف الأطفال في المدارس الابتدائية، وطالما سمعنا من أطفال يتحدثون عن قصص وهمية شيعية تتعلق بالإمام علي كرم الله وجهه وحتى الطعن في الصحابة وخاصة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم جميعاً.
كيف يواجه الجزائريون المد الشيعي، خصوصاً أن غالبيتهم الساحقة تنتمي للمذهب المالكي السني، وما قراءتك لمآلات وتطورات هذه القضية؟
كما ذكرت من قبل، أن الأمر تجاوز الخلاف الديني أو الحرية الشخصية في التدين، ولكنه تحول إلى مشروع استخباراتي ترعاه السفارات الإيرانية، وتدعمه أجهزة المخابرات في إيران والعراق وسوريا وحتى “حزب الله” في لبنان. وهذا يحتاج إلى متابعة دقيقة من طرف الأجهزة الأمنية الجزائرية، كما وجب حماية أطفال المدارس من المدرّسين الشيعة، الذين ينشرون سمومهم بينهم وبطرق أكبر حتى من عقولهم.
بالنسبة لمآلات المد الشيعي في الجزائر سيتطور شأنه أكثر إن بقي الحال على ما نراه، وخاصة أنه يستغل مواقفاً سياسية دولية من أجل تمرير مشروعه الهدام.
الجزائر حسب ما أمتلك من معطيات الآن هي في خطر حقيقي، وعقيدتها ومذهبها مهدد إلى أبعد الحدود، وعلينا أن نقرع نواقيس الخطر قبل فوات الأوان.
أجريت دراسة حول التشيع في الجزائر، وأصدرت كتاباً هو الأول من نوعه في هذا الموضوع، فما أهم الحقائق التي وصلت إليها، وهل تنسقون مع غيركم من أجل كشف خبايا التشيع بالبلاد وتنوير الرأي العام، الذي لا زال الأغلبية منه يجهل أبعاد المد الشيعي ووجود الشيعة أصلاً إلى جانبهم؟
كنت وبحمد الله أول من اهتم بقضية التشيّع في الجزائر منذ سنوات طويلة، وقد كتبت الكثير من المقالات، ولدي محاضرات ومداخلات عبر وسائل الإعلام المختلفة، وآخر ما أصدرته هو كتاب “أسرار الشيعة والإرهاب في الجزائر” عن مؤسسة الشروق عام 2010م، وفيه معلومات تصدر لأول مرة عن الدور الإيراني خلال الحرب الأهلية التي عاشتها الجزائر في التسعينيات. وكيف حاولت طهران صناعة جناح مسلّح لها قد تطوره لاحقاً إلى تنظيم مثل “حزب الله” يكون ذراعها العسكري في المغرب الكبير.
هناك الكثير من الحقائق التي كشفتها في كتابي، منها أرقام ومعلومات ومعطيات دقيقة عن المدّ الشيعي في الجزائر، وقد أثار الكتاب ضجة كبيرة وصل حد إصدار السفارة الإيرانية لبيان تتهمني فيه بكثير من الاتهامات منها أنني أريد التفريق بين المسلمين وما إلى ذلك من الاصطلاحات التي دأبت عليها إيران في مثل هذه الحالات.
بالتأكيد لدي تواصل مع ناشطين جزائريين، حيث نرصد ونترصد للمعلومات عن نشاطات المتشيّعين، ونحاول فضح مخططات إيران التي تهدف إلى تدمير الهوية الجزائرية السنّية بوسائل خبيثة منها تلك التي يجرّمها قانون العقوبات الجزائري كالخيانة والعمالة لجهات خارجية معادية.
والحمد لله بفضل شبكات التواصل الاجتماعي صار هناك نشاط دؤوب لمواجهة المد الشيعي في بلد المليون ونصف المليون شهيد، ولكن للأسف الدولة غائبة والوزارة الوصية غارقة في العسل.
وفي الأخير أشكركم جزيل الشكر على هذه الفرصة الطيبة التي أتيحت لنا عبر مجلة “المجتمع” الراقية والموقرة.