لم يمضِ يومان على تعديل دستور البلاد وتغيير نظامها من البرلماني إلى الرئاسي عبر استفتاء جماهيري في 16 أبريل 2017م حتى التفت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الخطر الإيراني الممتد إلى حدود بلاده من خلال أذرعها الأخطبوطية المتمثلة في مليشيا “الحشد الشعبي” التي وصفها أردوغان بـ”المنظمة الإرهابية” في مقابلة مع إحدى القنوات الفضائية العربية، وأضاف في هذا اللقاء أن إيران تنتهج سياسة توسع فارسية، وأصبحت تؤلمنا في العراق مثلاً، من هؤلاء الحشد الشعبي؟ من الذي يدعمهم؟ البرلمان العراقي يؤيد الحشد الشعبي (في إشارة إلى إقرار البرلمان العراقي على قانون الحشد الشعبي في أكتوبر 2016م، وبموجب هذا التصويت أصبح “الحشد” جزءاً من القوات الأمنية العراقية الرسمية)، ولكنه منظمة إرهابية بصراحة، ويجب النظر إلى من يقف وراءها، وواصل الرئيس التركي حديثه وقال: إن الحشد الشعبي يعمل في جبل شنكال غرب الموصل، وإن مقاتلي “الحشد” يعملون ضد تلعفر، وهي بلدة ذات أغلبية تركمانية من السُّنة والشيعة.
مليشيا “الحشد” هي الخطر الحقيقي
ما قاله الرئيس التركي عن “هيئة الحشد الشعبي” التي تضم في طياتها أكثر من 40 مليشيا مسلحة موالية لإيران تؤكده الحقائق على أرض الواقع والأدلة والوثائق المثبتة لدى المنظمات الدولية والمحلية التي تدين هذه المليشيات بارتكابها جرائم ضد المواطنين السُّنة والكرد في وسط وغرب البلاد في محافظة صلاح الدين وديالى والرمادي وطوزخورماتو والصقلاوية، وقد شن الرئيس السابق للمخابرات المركزية الأمريكية (CIA) والقائد السابق للقوات الأمريكية في العراق الجنرال ديفيد بتريوس هجوماً على “الحشد الشعبي”، واعتبر قوات “الحشد الشعبي” أخطر من “داعش”، وحذر الجنرال من أن الخطر الحقيقي على استقرار العراق على المدى الطويل يأتي من مليشيات “الحشد الشعبي” المدعومة من إيران، وليس من تنظيم “الدولة الإسلامية” المعروف بـ”داعش”!
إضافة إلى جرائم الخطف والقتل المنظمة التي يرتكبها “الحشد” ضد المواطنين في المناطق السُّنية عقب تحريرها من قوات “داعش” الإرهابي، فإنه يقوم بتهجيرهم والاستيلاء على ممتلكاتهم بالقوة؛ الأمر الذي دفع بالمرجع علي السيستاني الذي شكَّل “الحشد” بفتوى منه عام 2014م إلى تحريم “سرقة الممتلكات”.
ولم تتوقف قوات “الحشد” عن جرائمها، وقد واصلت بعد مشاركتها في تحرير مدينة الموصل، وفي هذا الصدد يقول محمد شواني، القيادي في الحزب “الديمقراطي الكردستاني” الذي يتزعمه مسعود البارزاني، لإحدى وسائل الإعلام العربية: إن 34 مقرّاً لأحزاب دينية ومليشيات موالية لإيران تم افتتاحها في الموصل وضواحيها، متهماً إياهم بممارسة جرائم ذات طابع طائفي بالمناطق المحررة في المحافظة، وأوضح أن المليشيات والأحزاب تمارس في مقراتها تلك أعمالاً تندرج ضمن عمليات التغيير الديموجرافي، كالضغط على السكان من السُّنة والمسيحيين لبيع منازلهم وعقاراتهم وأراضيهم، وقد تم تسجيل حالات ضغط كثيرة أجبرت العائلات على ترك مناطقها المحررة خوفاً من تعرضها للاستهداف، وأضاف شواني أن الأمر يجري بسلاح الحكومة العراقية، مع الأسف، وبأموال إيرانية.
كما نشرت صحيفة “باس” الكردية معلومات أكدت فيها أن ما تم في المنطقة هو استبدال “داعش” بالمليشيات حتى الآن، وبحسب الصحيفة، فإن الفصائل الموالية لإيران تنفّذ حملات لاستقدام أسر تابعة لها، وإسكانها مكان أهالي تلك المناطق والأقليات الأخرى، وتقوم بوضع اليد على الأراضي والعقارات العائدة للمواطنين، عبر اتباع أساليب تتراوح بين ترغيبهم ودفع أموال لهم، أو ترهيبهم لترك مناطقهم؛ يعني بالمختصر المفيد تقوم هذه المليشيات بممارسات شبيهة بما كانت تفعله القوات “الإسرائيلية” ضد المواطنين الفلسطينيين.
ردود فعل على تصريح أردوغان
ما كان التوصيف المثير الذي أطلقه الرئيس التركي أردوغان عن “هيئة الحشد الشعبي” يمر مرور الكرام في الأوساط الشيعية في بغداد، فقد شنت عليه الحكومة العراقية هجوماً شديداً، وقال رئيس الحكومة حيدر العبادي: نبدي استغرابنا من تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول “هيئة الحشد الشعبي” الذي يعد شأناً داخلياً عراقياً لا يجوز التدخل فيه، وأوضح أن العراق دولة ذات سيادة، وقانون “الحشد الشعبي” جعله قوة تابعة للدولة العراقية وتحت سيطرتها، وهذه القوة تدين بالولاء للعراق وشعبه وليس لأي دولة أخرى.
كما قامت وزارة الخارجية العراقية باستدعاء السفير التركي في بغداد وسلمته مذكرة احتجاج رسمية رداً على هذه التصريحات، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل طالب أعضاء في لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية بمحاربة الاقتصاد التركي وعدم استيراد البضائع منها لحين تغيير موقف أنقرة السياسي من العراق وشعبه.
ومن جانبه، وصف نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي أن تصريحات أردوغان والمسؤولين الأتراك ضد “الحشد الشعبي” تعبر عن عداء عميق للشعب العراقي، وتدخل سافر في شؤونه، وأضاف المالكي أن “الحشد الشعبي” عراقي من أبناء هذا الشعب العظيم، ولا نسمح لأحد المساس به، فيما عد رئيس منظمة بدر هادي العامري ضعف الحكومة العراقية هو الذي شجع أردوغان على تلك التصريحات، وساهم أيضاً في استمرار تواجد القوات التركية في مدينة بعشيقة، فيما دعا إلى قطع التبادل التجاري مع تركيا من أجل إذلالها، على حد وصفه.
وبدوره، هدد قيس الخزعلي، زعيم عصائب أهل الحق، وهو أقوى وأعتى مليشيا داخل “الحشد الشعبي”، الحكومة باجتياح مدينة تلعفر التي حذرت تركيا قوات “الحشد” من الاقتراب منها، وقال: إن عملية تحرير تلعفر ستكون ردنا العملي على تصريحات أردوغان لكي تقطع يده وأيدي كل من يسيء إلى سيادة العراق وحشده المقدس، حسب ما قال.
ورغم الخلافات والمنازعات التي تعصف بين الأحزاب الشيعية والمليشيات التابعة لها، فإنها تتكاتف وتتوحد ضد خصومها السياسيين والمختلفين معها عقائدياً سواء كانوا أكراداً أم أتراكاً أم سُنة عرب، والحصار الذي فرضوه على الشعب الكردي في إقليم كردستان لأكثر من ثلاث سنوات أكبر دليل على ذلك، ولن تشهد المنطقة استقراراً في ظل الاستقطاب الطائفي القائم، سواء قبل أو بعد تحرير مدينة الموصل والقضاء على تنظيم “داعش” الإرهابي.