تعرض الباحث “الإسرائيلي” د. موشيه شارون للتاريخ الإسلامي بشكل كبير من التدليس والتحريف والتخريف، كعادة معظم المستشرقين.
وشارون مستشار سابق لمناحيم بيجن، وهذا الجمع بين الجانب العلمي والسياسي ساهم بتوظيف الدراسة لصالح السياسة، وهذه مشكلة تسببت في عدم اتباعه المنهج العلمي، حتى وإن حاول إظهار نفسه بهذه الصفة، عندما قال: “أدرس الإسلام منذ 50 سنة”.
وقد ألقى شارون محاضرة مسهبة عن الإسلام، وما انتشر في وسائل التواصل الاجتماعي لدى المسلمين هو جزء يثني فيه على الإسلام، لكن التدليس كان هو الأغلب، فانبرى له الكاتب والمفكر أ. فيصل الزامل، وكان له هذا الرد في بيان توظيفه المعلومات التي جمعها طوال هذه السنين لغرض سياسي مع الاختصار:
1- شارون: الهدنة عند المسلمين هي استثناء، والأصل هو القتال لنشر الإسلام، وغالباً ما تكون الهدنة بسبب العجز، مثلما حدث في الحروب الصليبية لمدة قرن.
– التعليق: ذكرت الهدنة في القرآن الكريم: (وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ) (الأنفال: 61)، وتأسس مبدأ المعاملة بالمثل مع مشركي مكة: (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ) (التوبة: 7)، وبالتالي فليس صحيحاً أن النقض يأتي من الجانب الإسلامي لسبب ديني شرعي، كون القرآن يلزم المسلمين بالاستقامة بالعهد ما استقام الطرف الآخر، وعند النظر في أول تجربة بين المسلمين واليهود لموضوع الهدنة عندما وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة وكتب المعاهدة المشهورة والشاملة، التي نصت على التعاون لصد أي اعتداء يقع على المدينة، خالفت اليهود هذا الاتفاق عند أول فرصة أتيحت لهم في غزوة الخندق، حينما حشدت قريش وحلفاؤها بتشجيع من اليهود وحاصرت المدينة، فانقلب اليهود الذين هم بداخلها على المسلمين، وطعنهم من خلفهم قبيلتان من اليهود وليسوا جميعهم، لهذا تم إجلاء اليهود من المدينة من أتباع تلك القبيلتين “بني النضير” و”بني قريظة”، ولم يشمل من لم يشاركوا في تلك الطعنة.
2- شارون: لا يوجد شيء اسمه سلام حقيقي في الإسلام، والمعنى القانوني لهذه الكلمة في الإسلام هو هدنة، وتجربتا الشرق الأوسط لمعاهدات السلام ليستا قائمتين على أسس دينية إسلامية، وبالتالي يمكن نقضها بسهولة إذا أتيحت لهم الفرصة، ومدة الهدنة في الإسلام لا تتجاوز 10 سنوات، قابلة للتجديد، السبب أن نشر السلام يحتاج إلى استمرار القتال.
– التعليق:
1- نشر الإسلام لا يحتاج إلى حرب، بل هو إلى السلم أحوج منه للقتال، كونه يقوم على المحاورة لإيصال خاتمة رسالات السماء إلى الناس كافة بالمحاورة والإقناع وليس بالإجبار، مثلما حدث في أمريكا اللاتينية من قبل الإسبان والبرتغال.
2- وقد نقلت تلك الرسالة جيوش مجهزة للدفاع عن حملة الرسالة، ولم تسجل حادثة واحدة في زمن الفتوح الإسلامية بفرض اعتناق الدين بالقوة لغير المسلمين، وهي بمجموعها كانت لمواجهة أنظمة عدائية؛ مثل الرومان الذين احتلوا مصر، وفي فارس لم يقبل كسرى الالتزام بمعاهدة السلام وتكرر خرق جنوده لها، فكانت الحرب التي هزمت بسببها إمبراطوريته، وانتشر الإسلام في تلك البلاد طواعية، ولو لم يكن القبول لهذا الدين طواعية؛ لتراجع الناس عنه بعد سقوط الدولة الأموية، ومثل ذلك يقال عن بلاد وسط آسيا التي لم تكن تحت مظلة دولة إسلامية عقود طويلة، إلا أن شعوبها استمروا متمسكين بالدين الإسلامي طواعية.
3- تجاهلت “إسرائيل” مبادرة السعودية لمعاهدة السلام مع “إسرائيل” التي قدمتها عام 2002م في القمة العربية ببيروت، والشريعة الإسلامية هي مرجعية السعودية، وفي المقابل لم تقدم “إسرائيل” أي مبادرة حقيقية قابلة للتفاوض، مثل مواصلة بناء المستوطنات وغيره.
4- الذي يتصرف سياسياً تحت تأثير الدين هي “إسرائيل”، حيث يحتاج كل شيء في تصرفاتها وقراراتها إلى تفسير التوراة، ابتداء من الاسم الديني للدولة “إسرائيل”، ونظرتها إلى كل ركن فيها من منظور تاريخي ديني، وإعلان أن الدولة يهودية بكل تفاصيلها، وقالت رئيسة الوزراء السابقة جولدا مائير يوماً في “الكنيست”: “لا أدري لماذا لم يذهب موسى إلى داخل الجزيرة العربية في تنقلاته، حتى يكون لنا حقوق في بلاد النفط، ونطالب بها”!
5- المعاهدة مع “إسرائيل” تحتاج إلى تطبيق العدالة مع السكان الفلسطينيين الذين يعتبرون مواطنين من الدرجة الثانية، يمكن إخراجهم من بيوتهم ونسفها، ويمنعون من ترميم بيوتهم لإسكان أبنائهم.. إلخ، ولو تحققت العدالة لتغير الحال.
6- لم يترك يهود المدينة المنورة للاتفاقية أن تستمر 10 سنوات، ومدة معاهدة السلام “كامب ديفيد” قائمة منذ 1977م.
وللحديث بقية..