لم يمض وقت طويل على أنباء تعرض موكب حافلات تقل أقباطاً بمحافظة المنيا جنوب مصر لإطلاق نار من قبل ثلاث سيارات رباعية الدفع، ومقتل 28 قبطياً، حتى شن طيران السيسي عدواناً جوياً طال مدينة درنة الليبية الواقعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط (بين طبرق شرقاً والبيضاء غرباً، وتبعد نحو 1340 كلم ويبلغ عدد سكانها 80 ألف نسمة) على زعم تورط أطراف ليبية في الهجوم.
لكن السرعة التي تمت بها عملية الاعتداء على الأقباط تؤكد أن منفذيها ليسوا محترفين فحسب، بل تم تأمينهم على طريقة الاستخبارات، وعمليات “الكومندوز” العسكرية؛ مما يعني أن العدوان العسكري على ليبيا وتحديداً على درنة في شرق البلاد لا علاقة له بالضحايا الأقباط الذين استخدمت الأنظمة العسكرية الفاشية في مصر دمهم في حربها مع خصومها السياسيين السلميين والعنيفين على حد وسواء، وها هو السيسي يمارس نفس السياسات ويغرق في المزيد من الدماء المصرية والليبية حيث سبق وأن قتل في عام 2015م نحو 7 مدنيين في درنة من بينهم 3 أطفال.
حصان طروادة
مقتل الأقباط في حادث المنيا، ومن ثم قصف درنة ووفقاً لتسريبات كان ستاراً لدور يقوم به السيسي في ليبيا، بتحريض إماراتي مدفوع الأجر، وخدمة لمشروع دكتاتورية عسكرية في ليبيا بقيادة خليفة حفتر، الذي لم يتمكن رغم الدعم المالي والعسكري اللامحدود من السيطرة على ليبيا وإعادة النظام العسكري إليها، وذلك من خلال ضرب كل القوى المحلية والإسلامية الرافضة لهيمنة حفتر على المشهد العام في البلاد، لا سيما وأن درنة لم تعد تحت سيطرة تنظيم “داعش”، ولا وجود لتنظيم “القاعدة” بها، بعد تحريرها من قبل مجلس ثوار ليبيا، وكان مجلس شورى مجاهدي درنة له دور مشهود في قتال “تنظيم الدولة” وطرده من المدينة التي كانت تعد من أهم معاقله في سنة 2015م، علماً أن المسلحين استخدموا سيارات دفع رباعي، في منطقة مفتوحة، وكان بالإمكان لوجستياً تتبعهم ومعرفة مصدرهم، وضربهم قبل أن يختفوا على طريقة لعبة الغميضة.
أجندات خارجية
من الواضح كذلك أن السيسي ينفذ أجندات خارجية، تلقى دعماً ومساندة من بعض اللوبيات المستفيدة من جهل الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بخفايا الأمور، ولا سيما ما يتعلق بالحريات والتداول السلمي على السلطة؛ وبالتالي فإن ما تم هو متاجرة بدم المصريين وخاصة الأقباط مقابل تنفيذ سياسات دولية مملاة، ويتعرض الشعب المصري وشعوب المنطقة للديماجوجية والخداع الذي طالما تعامل به حكام المنطقة مع شعوبهم، وكان الجيش المصري قد قام بتدريبات ومناورات عسكرية في المنطقة الغربية المتاخمة لليبيا، استعداداً لشن عدوان، وذلك قبل حادث المنيا بأسبوعين، وسبق ذلك لقاء بين رئيس هيئة الأركان المصري محمود حجازي إلى بنغازي ولقائه بحفتر في 17 مايو؛ أي قبل حادث المنيا بـ9 أيام، ثم إن قوات حفتر شاركت في عدوان السيسي الأخير، وكلها مؤشرات تؤكد أن حادث المنيا مدبر، لتبرير ضرب درنة دون أدلة قابلة للتصديق أو حتى مجرد النظر فيها، ومما لا شك فيه أن الرد لو كان صادقاً لكان على الأرض المصرية حيث توجد “داعش” ويضرب أينما شاء ومتى شاء، ولا وجود لـ”داعش” في درنة الليبية بعد إخراجه منها، وقد توجهت قوافله خارجة من المدينة بعد هزيمته إلى سرت ومر على مقربة من قوات حفتر ولم تتعرض له.
أطماع في ليبيا
من المؤكد أن سيطرة شخصية ضعيفة مثل خليفة حفتر على ليبيا، سيكون لصالح السيسي من ناحيتين؛ أولاً حماية نظامه وأنظمة الحكم البائدة التي تحسب كل صيحة عليها، وتجندت لواء “الربيع العربي” بكل ما أوتيت من قوة، ثانياً سيكون له حصة من نفطها وبطريقة غير مباشرة من خلال الهبات والقروض الموعودة في حال سيطر خليفة خفتر على ليبيا، وهي أضغاث أحلام، وتفكير بالتمني أكثر منها رؤية قابلة للتطبيق، بيد أن القمة التي عرفت بقمة ترمب مع 55 ملكاً ورئيساً من بلاد المسلمين يبدو أن حلفاً أمريكياً قد تشكل للقضاء على ما تبقى من مظاهر “الربيع العربي” واقتلاع جذوره، أو بتعبير وزير الخارجية الأمريكي: “انتقلنا من الاستنزاف إلى التدمير”، ونفهم ذلك من استهداف مواقع مجلس شورى مجاهدي درنة، الشريك في ثورة فبراير، والمناهضة لـ”تنظيم الدولة”، وقد عبر عن دعمه لاستقرار ليبيا والتعايش فيها وحارب “داعش” من أجل ذلك.
يبقى القول: إن دم الأقباط كان لتبرير التدخل في ليبيا، وإن هناك محاولات مستميتة لتأبيد الدكتاتوريات في المنطقة، وإضعاف الدول العربية لصالح الكيان الصهيوني، واستمرار الحروب الداخلية لينهك العرب بعضهم بعضاً، وفق إستراتيجية صهيونية معروفة تهدف للسيطرة على المنطقة برضا الجميع لتعيد توزيع السلطة والثروة لإحكام الخضوع الذي يكون منبعه “الثقة” وليس الهزيمة، وتلك نظرية يعمل عليها الكيان الصهيوني منذ تأسيسه.