لم تكن تعلم الإعلامية المحررة علا مرشود من نابلس، أن الاتصال التي تلقته من ضابط المخابرات في مركز حوارة سيكون بداية اعتقالها وخوضها تجربة قاسية في تحقيق لا يرحم.
المحررة الإعلامية علا مرشود من حي رفيديا في نابلس، تقول في حديث معها: السبعة أشهر من الاعتقال كانت رحلة عذاب من بدايتها حتى نهايتها، وتجربة لم أتوقع أنني سوف أخوضها.
البداية
تقول المحررة مرشود لـ”المجتمع”: البداية كانت باتصال هاتفي من ضابط المخابرات بالاستدعاء للمقابلة وذهبت أنا وعمي لمركز حوارة، وهناك انتظرت لمدة ساعتين وبعدها جاؤوا وقيدوني وعصبوني ونقلوني فوراً إلى مركز تحقيق بيتح تكفا سيئ الصيت والسمعة، وفي هذا المركز المرعب على مدار الساعة عشت 18 يوماً، وكانت أياماً عصيبة وثقيلة، فكنت أواجه جيشاً من المحققين المدربين على قمع النفس البشرية.
18 يوماً عشت على الفتات
تقول المحررة مرشود: من جرب مركز بيتح تكفا يعلم ثقل الدقيقة الواحدة فيه، فالتحقيق لا يتوقف مع المعتقل، وكنت أعيش في زنزانة باردة جداً، وكنت أشعر أن جسدي قد تيبس، وترفض السجانات تخفيف درجة التبريد العالية، وكنت أدخل في جولات تحقيق طويلة كل جلسة قرابة خمس ساعات، وكنت أجلس على كرسي مثبت بالأرض واليدين إلى الخلف، وكان يجتمع في الغرفة خمس محققين، وفي بعض الأحيان 11 محققاً، وكل منهم يقدم ما عنده من إرهاب لفظي ونفسي وتهديد ووعيد باعتقال شقيقتي شروق ومنع عائلتي من القدوم من السعودية إلى فلسطين حيث تعيش هناك، وغيرها من الأساليب القذرة التي تخدش الحياء والكرامة، والتهديد بإبعادي عن الجامعة، وعندما أذهب للزنزانة يتم استدعائي للتحقيق بعد أقل من ربع ساعة لتبدأ جولة أخرى دون كلل وملل، فجيش المحققين كان يصر على انتزاع الحياة مني، وأن حياتي ستنتهي في مركز التحقيق.
وتضيف: خلال فترة التحقيق لم أتناول سوى قطع من حبات الفواكه وقطع الخبز، وانخفض وزني، والماء كنت أتناوله فقط في غرفة المحقق؛ لأن ماء الزنزانة في منطقة الحمام القذر، والطعام كان قذراً بشكل متعمد، فهو جزء من التحقيق المؤلم، إضافة إلى سماع أصوات معذبين، ولم أكن أعلم هل هذا تمثيل أم تعذيب حقيقي.
12 محكمة عسكرية
تقول المحررة مرشود: ذهبت إلى محكمة سالم 12 مرة، وفي كل مرة رحلة عذاب قاسية بين المحكمة والمعبار، ففي معبار الجلمة الذي كنا نمكث فيه من يومين إلى خمسة، كانت الحياة فيه أكثر إيلاماً من مركز التحقيق، حيث كنت أعيش في غرفة معزولة وقذرة وقريبة من الجنائيات اليهوديات، وهذا بحد ذاته عذاب نفسي لا يطاق.
الأسيرات بلا حياة
وعن وضع الأسيرات في سجني هشارون والدامون تقول علا مرشود: عشت في السجنين، وحياتنا داخل السجن لا تختلف كثيراً عن فترة التحقيق، فهناك عدد يومي مؤلم لمدة ثلاث مرات، وهناك فحص نوافذ وأرضيات، فضباط السجون لا يغادرون أقسام الأسيرات، وهذا ينتهك الخصوصية لهن، وكنت أرتدي حجابي 24 ساعة، فلا مجال لخلع الحجاب في ظل الفحص الأمني المستمر، والذي زاد الطين بلة تركيب كاميرات أمنية في ساحة الفورة، وهذا الأمر انتهك خصوصية حياة الأسيرات، فمن حق الأسيرة التعرض للشمس بحرية، إلا أن الكاميرات انتهكت هذه الخصوصية بعد قرار مصلحة السجون.
وأضافت: الأسيرات ينشدن الحرية، وفي فترة المناسبات الدينية التي عشتها وهي رمضان وعيد الفطر وعيد الأضحى كان المؤلم في العيد وضع الأسيرات المتزوجات اللاتي يتذكرن أولادهن وعائلاتهن، وكنا نحاول التخفيف عليهن من خلال التذكير أن العيد ورمضان هدايا من الله علينا الاستفادة منها والحزن فيها نجاح للاحتلال وفشل لنا.
حرماني من التخرج
تصف المحررة علا مرشود الاعتقال بمحطة حرمان لمشاريع الحياة وتقول: قبل اعتقالي كان تخرجي خلال شهرين، وحرمني الاحتلال من فرحة التخرج من زملائي، فتخصصي إذاعة وتلفزيون، وقد أنهيت كل متطلبات التخرج، إلا أن اتصال ضابط المخابرات في شهر مارس الماضي حرمني من لحظة العمر وهي حفلة التخرج التي كنت أنتظرها.
مشهد لا ينسى
تقول المحررة مرشود: عشت لحظة لا تنسى خلال فترة اعتقالي، فعندما كنت في فترة التحقيق قيدوني ووضعوني في إحدى الدوريات واقتحموا مدينة نابلس، وكنت معهم، واعتقلوا شابين خلال مرافقتي معهم، وسمعت أصوات الاعتقال والإرهاب لعائلات الشابين ومن ثم اقتحموا منزلي وأنا معهم وخربوا ودمروا محتوياته، وكانت هذه الرحلة من أكثر المشاهد المؤلمة في فترة التحقيق والاعتقال بشكل عام.
السجن بلا حياة
وتختتم المحررة علا مرشود كلامها بالقول: عندما يدخل الفلسطيني السجن يترك الحياة عند أول خطوة في السجن، فالسجن بدون حياة، فهي حياة في مدافن الأحياء، مليئة بالمفاجآت المؤلمة من نوم وطعام ودواء، فكل شيء لا يرتبط بالحياة، بل يرتبط بالعذاب النفسي والجسدي والإرهاب على مدار الساعة.